آراء وتحليلات
ماذا يريد العدو من زيادة نشاطاته العدائية على الحدود مع لبنان؟
شارل ابي نادر
بمعزل عن اختراقاته الدائمة للاجواء اللبنانية، عبر القاذفات او الطيران المسير، والتي ما انفك يقوم بها منذ ما قبل عدوان تموز 2006 وحتى الان مخالفا القرار الدولي 1701، تتكاثر تحركات العدو الاسرائيلي في هذه الفترة على الحدود مع لبنان. وتحت عنوان عملية "درع الشمال"، والتي خصصها بمهمة التفتيش عن انفاق مزعومة اخترقت اراضي فلسطين المحتلة، يبدو من نشاطاته العدائية الاخيرة على الحدود، وكأنه يبحث عن أهداف اخرى تختلف عن اكتشاف الانفاق.
تتوزع النشاطات العسكرية لوحدات العدو على اغلب المناطق الحدودية، بين اعمال الحفر والبحث عن الانفاق، والتي يقوم بها في عدة امكنة ومنها بمواجهة كفركلا والعديسة، او بمواجهة رامية وعيتا الشعب، او بمواجهة ميس الجبل ومحيطها، وبين اعمال واجراءات عسكرية اخرى، مثل زرع أجهزة تجسس وتحسس مع كاميرات مراقبة على نقاط محاذية بالكامل للشريط الشائك المحدد للخط الازرق، او لخط السياج التقني الذي وضعه العدو كمستند ميداني لحركة وحداته، او محاولة العبث بالشريط الشائك وتحريكه في نقاط متداخلة مع الاراضي اللبنانية بغياب ضباط ارتباط اليونيفل وبغياب فريق الطوبوغرافيا التابع للجيش اللبناني، بالاضافة لاستحداث مراكز مراقبة ورماية جديدة قريبة مباشرة من الحدود، مع تحصينها وتجهيزها بالاسلحة المتوسطة وبكاميرات المراقبة بشكل استفزازي وعدائي.
عمليا، ومن الجهة المقابلة من الاراضي اللبنانية، بالاضافة لتواجد المواطنين اللبنانيين من مقاومين ومن أصحاب الاراضي الحدودية والمعنية مباشرة بتحركات العدو، يتولى الجيش اللبناني مهمة المراقبة والحماية والمتابعة بشكل مباشر لتلك النشاطات العدائية، من خلال انتشار مقابل وموازٍ بالكامل لتواجد وتحركات الوحدات العدوة في المكان وفي التوقيت، وتقوم وحداته بتنفيذ كافة الاجراءآت العملية بمواجهة العدو، والتي تحفظ السيادة وخط الحدود وقواعد الاشتباك كما يرعاها القرار 1701 بالكامل، وفي نفس الوقت بشكل يرد على الاستفزازات العدوة بالشكل المناسب، وكان آخرها بالامس وقوف مجموعة عسكرية لبنانية بإمرة ضابط مقدام شجاع، بطريقة عنيفة وصادمة، بوجه وحدة عدوة تراجعت مرغمة، بعد أن كانت تحاول زرع وتثبيت شريط شائك بطريقة مخالفة لقواعد الاشتباك ولبنود ومندرجات القرارين الدوليين 425 و1701.
إذا تجاوزنا موضوع استغلال هذه النشاطات العدائية التي يقوم بها العدو لخلق ذريعة تنفيذ عدوان واسع على لبنان، كون هذا العدوان الذي لا شك انه يريده دائما، يخشاه ويتهرب منه حاليا لعدة اسباب اصبحت معروفة لدى الجميع، ليس آخرها معادلة الردع التي فرضتها المقاومة، فلا شك ان نشاطاته واستفزازاته الحدودية هذه، والتي تتطور بشكل يومي لدرجة تزيد من فرص الاحتكاكات المباشرة ومن امكانية الصدام او المواجهة مع الجيش اللبناني، وربما مع المقاومين والمواطنين، لا تأتي بشكل عفوي او نتيجة اجراءات عادية وردات فعل آنية وطارئة، بل كما يبدو، يقوم بها العدو استنادا لمخطط مدروس ومبرمج، من الواضح ان اهدافه منها تتمحور حول التالي:
ـ اختبار التزام وجدية الجيش اللبناني بقرار المواجهة، عله يتوصل الى ظهور تهاون ما من الجيش في الرد او في التصرف حيال استفزازاته، يعتقد انه قد يحصل نتيجة الخوف او التهرب من المواجهة نظرا للفارق الكبير في القدرات العسكرية، فيستعمله دوليا واعلاميا اولا للايحاء بأن الجيش اللبناني لا يرغب بمواجهته، وثانيا وهذا هو الاهم، لمحاولة الايقاع بين هذا الجيش ومن ورائه الحكومة والدولة اللبنانية، وبين المقاومة والمواطنين، على خلفية تراخي الجيش وامتناعه عن مواجهة استفزازات العدو.
ـ محاولة إدخال تعديل اساسي في بنود القرار 1701 لناحية معالجة الانفاق في الجانب اللبناني، من خلال اعطاء اليونيفيل صلاحيات ميدانية على الحدود، اوسع من صلاحياتها الحالية، وهذا الموضوع دائما كان العدو ومن ورائه الولايات المتحدة الاميركية، يحاولان طرحه عند كل تصويت لتجديد مهمة اليونيفل في مجلس الامن.
ـ تبادل الادوار مع الولايات المتحدة الاميركية، من خلال إظهارتساهل ووقوف اميركي مع لبنان تجاه ما تطرحه "اسرائيل" لناحية فرض عقوبات على الجيش اللبناني، بسبب تساهله بتطبيق بنود القرار 1701، والهدف من ذلك قد يخفي مناورة اميركية، تقوم على التقرب من الجيش اللبناني عبر الدخول اكثر معه بمشاريع عسكرية تتعلق باعطائه تجهيزات خاصة بضبط الحدود والخط الازرق، مثلا دعم افواج او وحدات الحدود بتقنيات حديثة للمراقبة، تخلق الفرصة لضباط اميركيين بالتواجد عند تلك الحدود مباشرة، مما يعطيهم مجالا اوسع للحصول على معلومات حساسة، تتعلق بالمقاومة وبطريقة عملها.
ـ خلق ربط نزاع مع الجيش اللبناني وتوسيعه تدريجيا، من خلال خلق الحاجة الدائمة لمعالجة الاشكالات والاستفزازات والاجراءات التي تدخل ضمن صلاحية اللجنة الثلاثية، فتزداد بذلك اجتماعات هذه اللجنة في الناقورة، ويعتقد العدو ان ذلك قد يخلق نوعاً من التقارب او ما يشبهه مع الجيش اللبناني .
ـ خلق جو من التطبيع غير المباشر على الحدود بين وحداته من جهة وبين الجيش والمقاومة والمواطنين من جهة اخرى، من خلال زيادة فرص الاحتكاك اليومي غير المُفَجِّر للاوضاع وغير المُسَبِّب للمواجهة، وفرض حالة من التواصل غير المباشر بين اللبنانين وبين جنوده عبر الصراخ او التحرش غير العنيف بالكلام وما شابه.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024