آراء وتحليلات
مخدرات في البيت الأبيض
عبير بسّام
انتشار المخدرات في أمريكا ليس بالجديد، ولا جديد أيضاً في تصريحات الحروب المعلنة من قبل الحكومة الأمريكية عليها، والتي باتت من العناوين التي تتصدر الصحف واللقاءات على مستوى الرؤساء، وخاصة عند لقاء الرؤساء الأميركيين مع نظرائهم في أمريكا الجنوبية. فتهمة تهريب المخدرات من الهندوراس أو المكسيك وغيرهما تتصدر الصحف الأميركية، ولكن الجديد أن تكتشف كمية من المخدرات في البيت الأبيض خلال حكم الديمقراطيين وهو ما أخرج الكونغرس الأميركي الذي يقوده الجمهوريون اليوم عن طوره، وأعلن حملة كبيرة من أجل الوصول إلى قلب المشكلة ومن وراءها، والتي قد يجعل الجمهوريون منها قضية "غيت" ديمقراطية تطيح بجو بايدن كما أطاحت بريتشارد نيكسون من قبله.
ابتدأ الأمر بحسب ما نشر في "ناشونال ريفيو"، والتي تترصد تحركات الرئيس الأميركي جو بايدن وعائلته وإدارته وحتى صبي المراسلات في إدارته، وتقوم بنشر ما يحدث حتى آخر تفصيل فيها، ابتدأ في الرابع من هذا الشهر(تموز/ يوليو) عندما أعلنت وكالة الخدمات السرية عن اكتشاف مادة بيضاء غير معروفة خلال إجراء مسح أمني روتيني. تم استدعاء المطافئ للكشف عن نوع المادة، وتبين بحسب ما كشفه أحد رجال المطافئ أنها كوكايين. صحيح أن المنطقة التي اكتشف فيها الكوكايين تشهد حركة كثيفة من السياح، الذين يزورون البيت الأبيض، لكن المكان يستطيع الوصول إليه عدد محدود من العاملين. ولذلك اتخذت القضية أبعادًا كبيرة، ولعل أهمها محاولة توريط الإدارة الحالية بهذه الأزمة، إذ جاء تعليق ترامب على الأمر، على منصته "تروث سوشيال": هذا الجناح هو قريب من المكتب البيضاوي، أي مكتب الرئيس. وقال صراحة إنه من الممكن أن المكان مستخدم من قبل جو أو ابنه هانتر، ثم قال إنها قصة ثارت وستزول خلال فترة قليلة.
الملفت، أن هناك محاولة جمهورية للقول إن هناك تكتمًا يكتنف نتائج التحقيقات، والتي لم يمض سوى أيام عليها، ولذا قام النائب توم كوتون، النائب عن أركنساس، وهو عضو هام في اللجنة الفرعية للعدالة الجنائية ومكافحة الإرهاب، بإرسال رسالة إلى مدير وكالة الخدمات السرية، كيمبرلي تشيتل، شرح فيها أسبابه المنطقية في الدفع نحو التحقيق في طرق عمل الوكالة، التي تحمي السياسيين رفيعي المستوى، وهي الموكلة بالحماية الشخصية للرئيس الأميركي وعائلته وسلامة وأمن البيت الأبيض، وقال في الرسالة التي نشرتها "ناشونال ريفيو": "إذا لم يكن مجمع البيت الأبيض آمنًا، فإن الكونغرس يحتاج إلى معرفة التفاصيل، إضافة إلى إذا ما كان لديك [أي تشيتل] خطة لتصحيح أي ثغرات أمنية". وأضاف كوتون، إن الشعب الأمريكي يستحق أن يعرف سبب اكتشاف مخدر محظور في منطقة يتم فيها تبادل معلومات سرية. وسأل كوتون عن عدد المرات التي اكتشف فيها جهاز الخدمة السرية مخدرات غير مشروعة في مجمع البيت الأبيض خلال السنوات الخمس الماضية.
وأشار كوتون إلى قانون الولايات المتحدة، الذي يمنح وكالة الخدمات السرية السلطة بالقيام بأي اعتقالات دون أمر قضائي، في حال ارتكاب أي جريمة أو جناية ضد الولايات المتحدة أثناء وجودهم. وسأل: "إذا اكتشف جهاز الخدمات السرية هوية الشخص الذي جلب الكوكايين غير المشروع إلى مجمع البيت الأبيض، فهل سيقومون باعتقاله بموجب هذا البند؟". وطالب النائب كوتون بقائمة بجميع الأفراد الذين يمكنهم الوصول إلى مجمع البيت الأبيض سواء كانوا يخضعون لفحص أمني محدود أو لا يخضعون لفحص أمني. وهذا القلق يظهر أنه من الممكن أن يخترق البيت الأبيض أمنياً ويمكن وضع معدات قد تتسبب باختراق أمني أو تجسسي ببساطة، ولكن البدء بإدخال الكوكايين أمر أيضاً يخضع للتساؤل حول من أدخله ومن يستخدمه. وبصراحة، قلق يظهر قلة ثقة بالمؤسسة الأمنية في داخل البيت الأبيض.
في السابع من هذا الشهر، نشرت المجلة مقالاً بعنوان: "اللحظة المخزية: كومر يطلب إجابات من مسؤولي وكالة الخدمات السرية بعد حادثة اكتشاف الكوكايين". وفيها تصريح هام لرئيس لجنة الرقابة في مجلس النواب ــ الكونغرس، جيمس كومر، الذي كتب بدوره رسالة إلى مدير الخدمات السرية، كيمبرلي تشيتل، وطالب بمزيد من المعلومات حول قضية الكوكايين بعد أقل من اسبوع على اكتشافها. كما أمر كومر بإعطائه جوابًا حول ما وصلت إليه التحقيقات في مدة أقصاها 14 تموز/ يوليو. يبدو أن تفاعلات القضية والتحقيقات فيها بالنسبة للنواب الجمهوريين بالتحديد تأخذ حيزاً خاصاً، كما يبدو أنهم يتهيبون أن يقوم الديمقراطيون بإخفاء أية معلومات عنهم، خاصة وأن أدريا ميتشل من NBC، وبناء على تصريح من البيت الأبيض، قال إن الموقع الذي توضع فيه هواتف الزوار نقل إلى مكان آخر أكثر أماناً لا يستطيع الزوار الدخول إليه. هذا مع العلم، أنه ليس من المؤكد أن الموضوع مرتبط بالزوار، ولذلك فإن كومر خلال رسالته إلى تشيتل طلب كما زميله كوتون توضيحاً صريحاً فيما إذا كانت هناك حوادث مشابهة خلال الخمس سنوات الماضية في البيت الأبيض. وفي الحقيقية وصل فعلياً تقرير الخدمات السرية اليوم، ولم يستطع اكتشاف الفاعل.
في الحقيقة بالنسبة للمراقب والمتابع لقضية المخدرات في الولايات المتحدة لا يعد الأمر مستغرباً ولا مستهجناً في ظل الصراع الانتخابي بين الديمقراطيين والجمهوريين، وهو أيضاً ليس خارجاً عن المألوف بالنظر مثلًا الى ظهور الفيديو المحمل على كمبيوتر هانتر بايدن المحمول منذ عام تقريباً، والذي ظهر فيه منتشياً وقد تعاطى المخدرات. هانتر كان قد خضع للعلاج عدة مرات ومن ثم يعاود الإدمان من جديد. إذًا الأمر بحيثياته الثلاث يجعل احتمال وصول المخدرات إلى البيت الأبيض أمرًا محتملًا.
وفي حال ثبت التعاون، لن تكون هذه المرة الأولى التي تتعاون فيها مؤسسة أمنية مع تجار المخدرات، فالمخابرات المركزية، إحدى دعائم الدولة العميقة في الولايات المتحدة، تعاونت خلال السنوات المنصرمة مع كارتيلات المخدرات وخاصة في أمريكا الجنوبية، لأهداف أمنية! ومن الممكن أن نطرح هنا مثالين عن فيلمين واقعيين تحدثا في هذا التورط وهما "تقرير الأقلية" المنتج في العام 2002، و"اقتل الرسول" المنتج في العام 2017. وإذا كنا فعلياً نريد أن نفهم سبب وصول المخدرات، فعلينا أن نسأل عن أهداف الدولة العميقة حول ذلك. وبانتظار الرسالة التي ينتظرها النائب كومر، إذا ما كانت ستصله أم لا، هناك حقيقة ثابتة، إن المخدرات تغزو المجتمع الأميركي ابتداءً من القاعدة الفقيرة والمنهكة وصولاً إلى الطبقة الغنية المخملية، وانتهاءً بالطبقة السياسية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024