معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

16/04/2019

"المفهوم الأمني 2030": نظرية جديدة للأمن الصهيوني!

إيهاب شوقي
تفيد التقارير الواردة من فلسطين المحتلة، بأن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو يعكف منذ عدة أشهر على صياغة نظرية أمن قومي جديدة، وذلك تحت عنوان "المفهوم الأمني 2030"، وأفادت التقارير بأن نتنياهو كتب الوثيقة بالتشاور مع كبار مسؤولي الدفاع والأمن الحاليين والسابقين، وأنه سيطرحها على مجلس الوزراء السياسي الأمني فور تشكيل حكومته الجديدة.

وقالت الصحف الصهيونية إن هذه هي المرة الثانية التي تحدد فيها "إسرائيل" مفهوم الأمن القومي، حيث كان أول من صاغ هذا المفهوم هو دافيد بن غوريون، والمعلومات الواردة عن الوثيقة مقتضبة وشحيحة ومما ذكر منها ما يلي:

- أنها تمثل تغييرا جذريا في المفهوم الأمني لـ"إسرائيل"، وهي تعتبر انعكاسا كاملا للسياسة الدولية، وخاصة الأمريكية تجاه تل أبيب.
- أنها تمثل تغييرا جذريا في السياسة إزاء الفلسطينيين، إذ يتجاهل فيها نتنياهو مفهوم حل الدولتين، ومبدأ الأرض مقابل السلام.
- أنها تحتوي تصورا واضحا لبناء القوة، حيث يعتزم نتنياهو استثمار أموال إضافية في الإنترنت، وتحويل "إسرائيل" إلى "قوة عظمى" في المنطقة.
- تشمل مجالات الاستثمار الإضافية  بالوثيقة، الاستثمار في أنظمة اعتراض الصواريخ المتعددة الطبقات، واقتناء عدد كبير من صواريخ الاعتراض، وحماية الجبهة الداخلية من الهجمات الصاروخية أو الزلازل، وذخيرة القوات الجوية المتطورة، والصواريخ على نطاق واسع.

يقول نتنياهو في وثيقته التي لم يكشف عنها بالكامل حتى الآن، إنه من الآن فصاعدا، سترتبط ميزانية الدفاع بالناتج القومي لـ"إسرائيل"، وستشمل على الأقل 6 في المئة منه.
والسؤال هنا، هو لماذا يكتب نتنياهو وثيقة جديدة للأمن القومي، وما هي التغييرات الجذرية التي حدثت منذ عام 1948 لتجعل هناك تغييرا جذريا مقابلا في مفهوم الأمن؟

هنا لا بد من إيراد عدة معلومات وحقائق ثم مناقشتها:

1- نظرية الأمن الإسرائيلي، تعني المفاهيم، التي تنتهجها (إسرائيل) لضمان أمنها، وهي وفقا للخبراء، مجموعة القواعد التي يتم في إطارها تحديد التهديدات التي تتعرض لها مع الوضع في الاعتبار الاستغلال الأمثل لمعطيات القوة الإسرائيلية، في مقابل تحجيم معطيات القوة العربية.

2- ترتبط نظرية الأمن الإسرائيلي الحالية، بعاملين يلقيان بظلالهما على تلك النظرية هما:

العامل النووي، والآخر هو توجهات (إسرائيل) نحو السلام الشامل، وقد فسر بن غوريون ومساعدوه، كلمة الأمن في مفاهيمها العسكرية الأساسية بأنها: "الدفاع عن الوجود".

3- تقوم نظرية الأمن القومي الإسرائيلي، على مفهوم رسم خريطة إستراتيجية للدول العربية، مقسمة إلى  ثلاث دوائر إستراتيجية وأضاف شارون إليها دائرتين جديدتين، وهذه الدوائر هي:

الدائرة الأولى: دائرة وادي النيل، وعلى رأسها مصر.

الثانية: دائرة الشام، ويتنافس على قيادتها كل من العراق وسوريا.

الثالثة: دائرة الخليج العربي، وتشكل المملكة العربية السعودية الدولة المركزية فيها.

وقد أضاف "ارييل شارون"، وزير "الدفاع" الإسرائيلي الأسبق، دائرتين هما:

الدائرة الإسلامية: وهي الدول الإسلامية النشيطة، خاصة إيران وباكستان ودول آسيا الوسطى.

الدائرة الإفريقية: وهي دائرة دول منابع النيل (شرق ووسط إفريقيا) وكذلك الدول المشرفة أو ذات التأثير على البحر الأحمر.

4- تقوم إستراتيجية "إسرائيل"، بالنسبة للأمن، على عدة أسس، أهمها:

-  منع التقارب والتنسيق ما بين الدول، التي تقود هذه الدوائر، وخاصة دائرتي وادي النيل والشام.

-  تشجيع عمليات الانشقاق داخل كل دائرة، خاصة دائرة الشام.

-  إستراتيجية "إسرائيل" بالنسبة للدول الإسلامية، تبنى على أساس منع أو عرقلة حدوث أي تماس أو تنسيق، بين الدائرة الإسلامية ودائرة الخليج العربي.

- بالنسبة للدائرة الإفريقية، تعمل "إسرائيل" على إقامة علاقات وثيقة مع دول منابع النيل الإفريقية، وكذلك الدول المشرفة على جنوب البحر الأحمر، بالقدر الذي يمكنها من ممارسة الضغوط على كل من مصر والسودان، بالنسبة لمسألة المياه، بالإضافة لضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر.

وبعد ذكر المعلومات السابقة والواردة في تقارير الخبراء يمكننا هنا ملاحظة ما يلي:

أولا: يرى بعض السياسيين في الداخل الصهيوني، أن نتنياهو يريد تقديم نفسه كزعيم تاريخي على غرار "بن غوريون" وخاصة أنه أوشك على تحطيم رقمه القياسي في مدة تولي رئاسة الوزراء، ولكن وإن كان هذا صحيحا، فإنه استغلال لحقيقة على الأرض وليس اختراعا لتغيرات جذرية، وإن لم تكن المفاهيم الأمنية السابقة وعوامل تشكلها قد تغيرت، لما جرؤ نتنياهو أو تمكن من مجرد طرح الفكرة.

ثانيا: بملاحظة الدوائر الخمس وما طرأ عليها وخاصة بعد ما أطلق عليه "الربيع العربي"، وبملاحظة استراتيجية "اسرائيل" تجاه هذه الدوائر، فإننا نرى أن المهمة الصهيونية قد انجز معظمها، حيث الفيتو على عودة العلاقات المصرية ـ السورية، ومحاولات التقسيم الدؤوبة داخل العراق وسوريا ولبنان، وتصعيد الاستقطاب ووصوله لمراحل حادة بين دول الخليج وايران، وكذلك الحيلولة وزرع الخلافات بين القوى الإسلامية، ناهيك عما يحدث من اختراقات صهيونية للقارة الأفريقية بعد غياب المظلة العربية وكذلك عمل بعض الدول الخليجية وخاصة السعودية والإمارات كوكيل للمصالح الصهيونية بالقارة.

ثالثا: ملاحقة قوى المقاومة بالحصار والعدوان المباشر كما يحدث باليمن لتأمين البحر الأحمر والمضائق.

إذاً يمكننا هنا استنتاج أن سر التغييرات الجذرية التي تجعل من مفهوم الأمن الصهيوني يدخل مرحلة جديدة لإعادة الصياغة، هو أن العوامل التي قام عليها المفهوم التقليدي قد تغيرت، وبالأحرى قد أنجزت مهام كبيرة مثل التخلص من التنسيق العربي ـ العربي، والعربي ـ الإسلامي، وكذلك لم تعد هناك حاجة للسلام في ظل انتفاء هذه التهديدات، وخاصة أن مصادر التهديد المفترضة هي من يقوم اغلبها بالمساعدة على تصفية القضية والحفاظ على أمن "اسرائيل"!

هل يرى نتنياهو أن المقاومة ومحورها مجرد بؤر متناثرة لا تشكل تهديدا وجوديا، وأن الحصار والعزل السياسي بمساعدة النظم العربية كفيل بإزالة التهديدات، وأن المساندة الأمريكية الفجة في ظل غياب احترام القانون الدولي كافية، وأن أمة العرب هي رجل العالم المريض كما كانت نهاية الدولة العثمانية وتقسيم إرثها؟

ستكون خطيئة نتنياهو الاستراتيجية ان كانت هذه حساباته، مع أننا لا نظن أن هذه هي الحسابات الصهيونية لأنها تتعارض مع تقارير المراكز الاستراتيجية والاستخباراتية الصهيونية التي تعرف حجم المقاومة وقوتها وكذلك قدرة فكرة المقاومة على التدحرج والنمو في الشارع العربي والإسلامي.

ولكن الحرب النفسية على المقاومة تقتضي إعلانات صهيونية كهذه لمحاولة زرع اليأس في نفوس الشعوب واستهداف جمهور المقاومة، ومع فطنة المقاومة لهذه الحرب النفسية، إلا أنها تفطن أيضا للتغيرات الإقليمية وصعوبات الوضع الجديد وما به من خيانات واختراقات، وللمقاومة ردود جاهزة، وصبرها لا يعني أنها مكتوفة أو عاجزة عن مواجهة المستجدات.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات