آراء وتحليلات
"ثأر الأحرار".. معادلة جديدة
إيهاب شوقي
كان في حكم المؤكد وفي حكم المعلوم من المقاومة بالضرورة ان هناك ردا فلسطينيا حتميا على المجزرة البشعة التي اغتالت ثلة من خيرة قادة الجهاد ونساء وأطفال أبرياء.
وبصرف النظر عن طبيعة الرد وحجمه، وهو ما كان وسيظل رهنا بقادة المقاومة ومعطياتهم الميدانية، فإن هناك معطيات توفرت يمكن أن تحول العدوان الصهيوني لفرصة للمقاومة، ويمكن استغلال هذه المعطيات لإفشال ما يسوقه العدو كإنجاز وهو ما يعمق من أزمته ويقود لتسريع زواله الذي باتت شواهده أكثر من أي وقت مضى.
وهذه المعطيات التي تشكل فرصًا ويمكنها تحويل عملية "ثأر الأحرار" من عملية للرد إلى معادلة جديدة للردع وتطوير لمعادلة "سيف القدس"، تتوفر من الشواهد الميدانية بعد اندلاع العملية، وعبر قراءة ملامح استراتيجية العدو وفقًا لأزمته، ووفقًا لتوصيات خبراء الأمن القومي الصهيوني، ولا سيما وأن الممارسات الصهيونية على الأرض تشي باستجابة لهذه التوصيات واتباع لها بشكل كبير.
أولا: الشواهد الميدانية بعد اندلاع العملية
لوحظ أن العدو لا يريد تصعيدا واسعا، سواء جغرافيًّا على الجبهات ولا زمنيا بطول فترة المعركة، وأنه يريدها على شكل جولة قتالية يعزز بها الردع ويسوق انجازا داخليا للتحايل على الاتهامات بتآكل الردع. ويبدو أن تقديراته كانت تتمحور حول رد رمزي بإطلاق الصواريخ، ثم نجاح الوساطات في لملمة الموقف ووقف إطلاق النار، ثم يفلت بجريمته.
إلا أن تمهل المقاومة في الرد أربك حساباته من اللحظة الأولى، ثم جاءت طبيعة الرد المكثفة بما يتخطى الثلاثمائة صاروخ، بمثابة ضربة قاضية على انجازه المزعوم باستعادة الردع، حيث قال نتنياهو لبايدن في سياق تبريره لجريمته إن انطلاق مئة صاروخ هو أمر يستوجب عملية في غزة، فكانت رسالة المقاومة بهذا العدد رسالة واضحة أن المقاومة لا ترتدع ولا تخشى التهديدات.
ومن ضمن الشواهد الأخرى أن الكيان يتصور أنه بمزيد من التهديد واغتيال المزيد من القادة فإن حركة الجهاد ستسعى لوقف اطلاق النار وتكتفي بحفظ ماء الوجه وترضخ لوقف اطلاق النار دون شروط على قاعدة "التهدئة مقابل التهدئة"، وهو أمر لم يتحصل عليه، حيث فوجئ بأن حركة الجهاد هي من يطالب بالشروط وهي من ترفض الوساطة دون تنفيذ شروطها.
هذه المفاجآت لنتنياهو الذي استهان بحركة الجهاد، تربك حساباته بشكل كبير، حيث تضعه بين أمرين كلاهما مر، وهما اما الاستسلام لشروط الجهاد والاعتراف بفشل ما روجه على أنه انجاز، وإما التورط في المزيد من التصعيد وهو ما يوسع من دائرة الخطر والنيران والانزلاقات والجغرافيا وطول المعركة، وهو فشل آخر لما خطط له.
ثانيا: ملامح استراتيجية العدو وفقا لأزمته
يعيش العدو في أزمة مركبة، داخلية وخارجية، فالوضع الداخلي الصهيوني مأزوم سياسيا ويتخطى الداخل ليشكل أزمات خارجية مع الراعي الأمريكي والغرب الليبرالي الذي يصعب عليه الدفاع عن سياسات متطرفة وعنصرية صريحة تناقض اللافتة الليبرالية المزعومة، وخارجيا، حيث التنامي لمحور المقاومة وفطنة العدو لما وصلت اليه التوازنات وما نتج عن ذلك من تآكل للردع، إضافة إلى الوضع الأمني الخطير بتنامي المقاومة في الضفة وفشل الشاباك وأجهزة الأمن في وقف هذا التنامي.
ولا يستطيع العدو تحمل مثل هذه الكماشة، ولذلك يسعى لانتقاء ما يتصور أنها "البطن الرخوة" في الداخل والخارج لتلافي الانهيار ومحاولة احتواء أزمته الوجودية، فهو لا يستطيع القمع بالداخل ولا خرق المعادلات بالخارج، ولكنه في إطار الهامش الضيق لما يتصور أنه تصعيد آمن لا يعمل مطلق اليد أيضا ولكنه يعمل بضوابط ومحاذير.
من هنا يتصور العدو أنه يمكن أن يفترس المقاومة في فلسطين ويعزلها على المستوى الداخلي بالتفريق بين فصائل المقاومة، وخارجيا يحيد محور المقاومة والجبهات الأخرى عبر عمليات خاطفة ينتج عنها ردود خاطفة ثم يتم احتواء الموقف عبر الوساطات وتسويق الانجازات للداخل!
ثالثا: ما يكشفه خبراء الأمن القومي الصهاينة
تتفق مراكز البحث الصهيونية على أن العدو لا يتحمل القطيعة مع امريكا ولا يستطيع خوض حرب واسعة بشكل منفصل وبالتالي فإن تحركات العدو مرهونة بعدم التصادم مع الإدارات الأمريكية وخطوطها الحمراء والتي تتمثل في عدم العبث بالصنم الديمقراطي المزعوم داخليا وعدم توريط أمريكا في حرب إقليمية خارجيا.
وربما يكشف مقال مئير بن شبات، وهو رئيس معهد مسغاف للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية، والذي شغل منصب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي ورئيس مجلس الأمن القومي بين عامي 2017 و 2021 ، وقبل ذلك لمدة 30 عامًا في جهاز الأمن العام (الشاباك)، جانبا كبيرا مما يفكر به الكيان الصهيوني في المرحلة الراهنة، وخاصة أن ممارسات العدو على الأرض تكاد تتطابق مع توصيات المقال.
يقول مئير إنه بالنسبة لـ "إسرائيل" ، فقد تم تحقيق الأهداف الرئيسية في الساعات الأولى من العملية في غزة، والآن يجب أن تحول تركيزها إلى هدفين إضافيين: الأول التأكد من أن رد (الإرهابيين) من غزة لن يعوض المكاسب التي حققتها "إسرائيل"، والثاني استخدام النيران لمواصلة ضرب (الجماعات الإرهابية) في قطاع غزة.
وتحت عنوان "كيف يجب أن تتصرف إسرائيل" يقول مئير: "تعظيم دفاعنا بحيث يكون عدد الوفيات ضئيلاً: هذا مهم لسببين، الأول حرمان العدو من النجاح والتأكد من أن العدو بعد انتهاء العملية يظل مهزومًا وخاليًا من الإنجازات، والتركيز على الجهاد الإسلامي في فلسطين والاستعداد لدخول حماس القتال. على حماس أن تفكر ملياً قبل أن تنضم إلى المعركة، لكن إذا التقطت "إسرائيل" إشارات إلى أنها على وشك القيام بذلك، فعليها أن تتخذ موقفاً استباقياً من خلال استهداف قادتها ومبانيها."
وينصح مئير بتقويض قدرات الخصوم وقادتهم لضمان نهاية سريعة للقتال، وأنه يجب على "إسرائيل" استخدام قوتها الكاملة في البداية. لن تؤدي التدريجية إلا إلى استغراق هذه العملية أكثر من اللازم.
كما ينصح بوقف تسليم البضائع والشحنات الأخرى إلى قطاع غزة من "إسرائيل" ومصر (باستثناء الإمدادات الإنسانية الأساسية) للضغط على حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، وبتركيز النيران على الجبهة الجنوبية مع مراقبة التهديدات على الشمال، وعلى "اسرائيل" أن تفترض أن حماس ستحاول إرسال رد من الشمال لجعلها تقاتل على جبهتين وتغرقها في الاشتباك مع حزب الله.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024