معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

التوجّه الإستراتيجي السعودي نحو سوريا
11/05/2023

التوجّه الإستراتيجي السعودي نحو سوريا

حيّان نيّوف

شكّل الدور السعودي البارز في عودة سوريا للجامعة العربية مفاجأةً من العيار الثقيل خاصةً أن السعودية ظلّت طوال ما يقارب عقدًا من الزمن واحدة من أكثر القوى الإقليمية تشددًا لجهة العلاقة مع سوريا، من دون إغفال للدور السعودي المحوري في الحرب الظالمة على سوريا وخاصة في النصف الأول من العقد الماضي.

البداية كانت من مؤتمر دافوس الذي عقد في شهر يناير مطلع العام الحالي حيث خرج وزير الخارجية السعودي "فيصل بن فرحان" بتصريح على هامش المؤتمر قال فيه  "نعمل مع شركائنا لاكتشاف طريقة للتواصل مع الحكومة في دمشق على نحو يؤدي لتحركات ملموسة باتجاه حل سياسي وإنّ ذلك سيتطلَّب بعض العمل". وكان هذا التصريح في حينها أول تصريح علني من جانب السعودية يخصّ العلاقة مع دمشق، كما أنه عكس توجهاً سعودياً جديداً كان ما يزال في مراحله الاولى، قبل أن تتوالى التصريحات السعودية المماثلة إلى حين الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية السوري "فيصل المقداد" إلى جدة عشية اللقاء الذي جمع وزراء خارجية دول الخليج مع مصر والعراق والأردن لمناقشة الملف السوري.

فما هي العوامل الرئيسية التي دفعت بالرياض لتبني هذه السياسة المستجدة تجاه دمشق؟

يمكن تصنيف العوامل والأسباب والأهداف التي وقفت خلف التحركات السعودية المفاجأة والمتسارعة نحو دمشق إلى عوامل وأهداف عدة:

• أولًا - العامل السعودي:

لم يعد خافيًا على أحد الطموح الكبير لولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" لتحويل المملكة إلى قطب إقليمي وازن يتماشى مع إمكانياتها المالية الهائلة وحجمها الجغرافي وموقعها الجيوسياسي والتي تؤهلها لتحقيق ذلك إذا ما أحسنت ممارسة اللعبة الجيوسياسية في ظل التحولات العالمية والصراع الدولي الذي بدأت ملامحه بالظهور للعلن بفعل الحرب على سوريا وما نتج عنها وما تبعها من انقسام دولي.

• ثانيًا - العامل السوري:

شكلت سوريا بموقعها الجيوسياسي الفريد حلقة وصل بين الشمال والجنوب وبين الشرق والغرب، بالإضافة إلى خياراتها الإستراتيجية المنفردة والسبّاقة للتشبيك مع محور الشرق الصاعد، ودورها المحوري في مواجهة الكيان الصهيوني كقلب لمحور المقاومة، والدور الإستثنائي الذي لعبته وما زالت في مواجهة الإرهاب الدولي الراديكالي العابر للحدود، ونجاحها في تثبيت نفسها كرقم صعب ومفتاح للتهدئة والتصعيد في الإقليم، بالإضافة إلى امتلاكها الكثير من المقومات التاريخية والديمغرافية التي أهلتها لتكون نقطة ارتكاز لا يمكن لأية قوة إقليمية أو دولية حالية أو صاعدة أن تتجاوزها، فكيف بالسعودية التي أدركت فشل السياسات السابقة للسيطرة على سوريا التي نجحت في فرض خيارات اللقاء والتشبيك معها بدلًا من الهيمنة والسيطرة؟

• ثالثًا - العامل العربي:

يشكل العمق العربي للسعودية واحدًا من أهم الروافع و الحوامل التي لا يمكنها التخلي عنها أو التحرك والبناء بدونها. وقد تسبب خطأ الخيارات الإستراتيجية السعودية أقله في النصف الأول من العقد الماضي من خلال انخراطها في "مشروع الربيع العربي" في سورية واليمن وليبيا ومصر  وتونس في انكشاف الأمن القومي العربي وجعله عرضة للتدخلات الخارجية المتعددة بالإضافة إلى تمكين تنظيم "الأخوان المسلمين" الذي تعتبره السعودية خطرا على كيانها الوجودي من التسلل والسيطرة لسنوات عديدة بقيادة تركية على العديد من العواصم العربية، وأيضا تمكين "الكيان الصهيوني" من تحقيق العديد من المكاسب في الساحة العربية سواء عبر التغلغل السياسي "اتفاقات ابراهام" أو الأمني و العسكري، قبل أن تلتفت السعودية إلى الدور السوري الذي بقي وحيدا طوال تلك الفترة في التصدي لكل تلك المخاطر التي كادت لولا سورية أن تصيب ما تبقى من العالم العربي وصولا إلى السعودية ذاتها ووضعها تحت التهديد والخطر.

• رابعاً - العامل الإقليمي:

في الحديث عن العوامل الإقليمية، فإن ذلك يشمل بشكل رئيسي عاصمتين إقليميتين لهما تأثير حقيقي في الإقليم وإن اختلفت طبيعته هما (طهران وأنقرة)، وهذا التأثير لكلا الدولتين مرتبط فعليًا بشكل أو بآخر بدمشق ويمرّ عبرها كخيار حتمي.

فيما يخص إيران فإن العلاقة التحالفية القديمة الجديدة بين إيران وسوريا ظلت راسخة وتطورت على كافة المستويات والصعد إلى الحد الذي باتت فيه دمشق ممرًا حتميًا للعلاقة العربية/الإيرانية، وتحديدًا بعد إعلان اتفاق بكين بين الرياض وطهران والذي انعكس ايجابًا على التوجه السعودي نحو دمشق، وخاصة إذا أضفنا إليه الدور الإيراني في العديد من القضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية.

وبما يخص تركيا فقد كانت سوريا وما زالت تشكل خط الدفاع الأول ضد الأطماع التركية في العالم العربي، وفي ذات الوقت تشكل الممر الحتمي لأية علاقات ايجابية وتشبيك اقتصادي وتجاري بين العالم العربي وأنقرة، هذا بالإضافة إلى لزوم الدور السوري "عربيًا وسعوديًا" في ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في الداخل التركي بعيد الانتخابات المصيرية المقبلة في تركيا بعد أيام وما سينتج عنها.

• خامسًا - العامل الدولي:

شكّل الصمود الأسطوري السوري في وجه مشروع "الربيع العربي" الجارف حجر الأساس لولادة نظام عالمي جديد بدأت ملامحه بالظهور منذ سنوات، وتبلورت مع فشل الحرب على اليمن، والفشل في المواجهة مع إيران، ثم العملية العسكرية الاستباقية الروسية في أوكرانيا، وتجلت مظاهر النظام العالمي الجديد والذي ما زال قيد التشكيل ورسم الخرائط الجيوسياسية والتحالفية في ظهور تكتلات عالمية جديدة اقتصادية وأمنية وعسكرية، كتحالف بريكس ومنظمة شنغهاي، والاتحاد الاوراسي، ومنظمة الأمن والتعاون، وكذلك تجلت مظاهره في تراجع الدولار وتحول العديد من الدول للتعامل بالعملات المحلية وسط مخاوف من انحسار دور الدولار كعملة عالمية مهيمنة، بالإضافة إلى مبادرات ومشاريع تجارية واقتصادية جديدة مثل "الحزام والطريق" الصيني، و"ممر شمال جنوب" من موسكو إلى ميناء جاهنبار الإيراني، وممر القطب الشمالي الروسي الصيني، وغيرها من المشاريع الجديدة التي تهدف للتحرر من الهيمنة الغربية الاطلسية على الممرات والمنافذ البرية والبحرية التقليدية، وترافق ذلك مع سيطرة محور المقاومة ومحور الشرق على ممرات ومنافذ سلاسل التوريد في الشرق الأوسط وبحر الصين الجنوبي وحتى المتوسط والبلطيق، أو في الحد الادنى وضع تلك الممرات ضمن تأثير نفوذها.
ذلك كله ساهم بشكل حاسم بالدفع بالسعودية للبحث عن مصالحها عبر اللجوء إلى خيارات التنويع في علاقاتها وتشابكاتها الدولية "سياسيًا واقتصاديًا وتجاريًا وتكنولوجيًا وحتى عسكريًا وصناعيًا"، بما يحقق لها ما تطمح له وهي الدولة العضوة في منظمة الدول العشرين.

بالمحصلة؛ وفي ظل كل تلك العوامل، لم يكن غريبًا أن تلعب السعودية دورًا قياديًا في عودة سوريا للجامعة العربية، ولم يكن مستغربًا أن تكون الدعوة الأولى التي توجّهها السعودية لحضور القمة العربية "بعد دعوة الجزائر رئيسة القمة الحالية"، هي للسيد الرئيس "بشار الأسد" (رئيس الجمهورية العربية السورية)، فهذا يمثل خطوة سعودية تحمل الكثير من المعاني التي تستحق الوقوف عندها.
 
إن السعودية ووفقًا لكل العوامل التي ذكرناها وإلى غيرها باتت تنظر إلى العلاقة مع سوريا من منطلق جيوسياسي استراتيجي إضافة إلى المنطلق القومي العربي، وهذا ما يستوجب البناء عليه في ما هو قادم على كل المستويات، ليس على صعيد العلاقة السورية/السعودية فحسب، بل على صعيد صيغة النظام الإقليمي الجديد، وعليه فإن أمام "السعودية وسوريا" فرصة استثنائية لإعادة صياغة العمل العربي في المرحلة القادمة، بالإضافة إلى العلاقات العربية مع النظم والتكتلات الدولية الناشئة في ظل عالم جديد يرتسم.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل