آراء وتحليلات
الإرهاب يتمدد إلى أفريقيا والعالم
سركيس أبوزيد
في الوقت الذي استعد فيه العالم للاحتفاء بالقضاء على جيوب تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، خرجت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، بتقرير متشائم يقول: "إن "داعش" لم يُھزم بعد، وإنما عاد إلى طبيعته الأصلية كتنظيم إرھابي دموي، لا يسيطر على أرض وبشر، لكنه يشكل بالتأكيد تھديدا للعالم الحر بواسطة ھجمات خطيرة جديدة". وذكر تقرير نشره موقع "واللا" الإلكتروني في تل أبيب أن تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، تشير إلى أن "داعش" يضم ما بين 150 إلى 200 ألف ناشط في أنحاء العالم.
وضمن السياق نفسه، تتعامل الأجھزة الأمنية اللبنانية المختصة بجدية مع معلومات استخباراتية إقليمية "تحدثت عن عملية "إعادة تصدير" للإرھابيين الأجانب من سوريا، عبر المطارات التركية ودول في أوروبا الشرقية، حيث يعاد تنظيم ترحيل من تبقى من ھؤلاء الى دول جديدة بعد أن رفضت دولھم، وخاصة الأوروبية، استقبالھم.
وكان مسؤول بارز في الحكومة العراقية حذّر نظيره اللبناني من وجود ضغوط أميركية وأوروبية على دول المنطقة، ومنھا العراق، لقبول محاكمة عناصر "داعش" الأجانب المعتقلين لدى قوات "قسد" في سوريا. ولفت الى أن الرفض العراقي قوبل بعروض وإغراءات من قبل الأوروبيين والأميركيين بتمويل مشاريع استثمارية. ووفقا للمعلومات، حذر المسؤول العراقي نظيره اللبناني من موجة ضغوط مرتقبة على لبنان لنيل حصته من ھؤلاء تحت عناوين شتى ووفق مغريات ترتبط بالمساعدات المالية والديون.
وأكدت مصادر أمنية لبنانية أن الأجھزة باتت في أعلى مستويات الاستنفار لمراقبة المعابر الحدودية البرية والجوية الشرعية وغير الشرعية لمنع تسلل ھؤلاء الى الأراضي اللبنانية. ويجري تعاون وثيق مع دول إقليمية معنية في ھذا الملف، وتجري مطابقة اللوائح الإرھابية وتقاسم المعلومات ساعة بساعة كي لا يتم استغلال أي ثغرة تسمح لھؤلاء بدخول الأراضي اللبنانية.
يحدث هذا الأمر في الوقت الذي تركز فيه الأنظار على الساحة الليبية التي تعد وجهة رئيسية لهذا التنظيم، فعلى رغم مضي تسع سنوات على سقوط نظام معمر القذافي ما زالت ليبيا غارقة في الفوضى والعنف والمجھول.
فبعد سنة من تسلم السراج رئاسة الحكومة، تمكن في العام (2016) من تحقيق إنجاز عسكري مھم، تمثل في تمكن القوات الموالية لحكومته من طرد مسلحي تنظيم "داعش" من مدينة سرت.
لكن، مؤخراً أطلق المشير حفتر القائد العام للجيش الوطني ھجوما جديدا يستھدف ھذه المرة طرابلس، مقر حكومة الوفاق الوطني، التي يترأسھا خصمه فايز السراج، وتحظى بدعم المجتمع الدولي، بحجة محاربة الإرھاب وطرد الإرھابيين، ولأنه يشتھر أيضا بكونه العدو اللدود للإسلاميين. تضارب المواقف الدولية يشي بصدام مرتقب حول ليبيا، فھناك عوامل كثيرة تعرقل التوصل الى تسوية، أبرزها: انقسام الخارطة الليبية بحكم الواقع العسكري الميداني الى أربع مناطق جيو ـ سياسية تتباين معالمھا بحسب القوة المسيطرة عليها:
- الغرب الليبي، وعاصمته طرابلس الغرب، تتمركز فيه حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، بدعم من الميليشيات المسلحة، غالبيتھا إسلاموية.
- الشرق، وعاصمته بني غازي ويسيطر عليه الجيش الوطني بقيادة المشير حفتر، وينال اعتراف ودعم دول خارجية عديدة.
- مناطق متفرقة في وسط ليبيا وجنوبھا يسيطر عليھا "داعش" الذي يملك في ليبيا أكبر قاعدة عسكرية بعد أن خسر دولته وأسطورته في سوريا والعراق. ويحتمي "داعش" بالصحارى الشاسعة ويتعاون مع عصابات إجرامية دولية متعددة.
وثمة من يتوقع عودة "داعش" للظھور بقوة أكبر من السابق، لأنه أقام قواعد ومخابئ في الصحارى يصعب الوصول اليھا يستعملھا للعودة للشمال عبر الخلايا التي يحتفظ بھا قرب طرابلس.
فبعد الحرب على الإرھاب في الشرق الأوسط، وتحديدا على تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، اتجهت الأنظار نحو القارة الأفريقية على أنھا الساحة الجديدة للحرب على الإرھاب، خصوصا أنھا واحدة من أكثر مناطق العالم فقرا، ما يجعلھا بيئة خصبة لنمو وانتشار التنظيمات الإرھابية.
وقد تحولت أفريقيا بالفعل إلى مركز للحرب على الإرھاب، وھي الآن في قلب الإعصار وفي صدارة الاھتمام الدولي. وھذه الحرب تجري على 4 جبھات رئيسية ھي: الصومال، وحوض بحيرة تشاد، والساحل، وأبرز الجماعات المتشددة في أفريقيا:"بوكو حرام"، و"حركة الشباب الصومالية"، و"الدولة الإسلامية في أفريقيا الغربية"، و"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب"، و"تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى"، وتنظيم "داعش".
في الواقع، تشكل القارة الإفريقية ساحة للصراع بين القوى العالمية بحثا عن موطئ قدم في قارة لا تزال خصبة للاستثمار، وبحثا عن نصيب من ثرواتھا الھائلة التي لا تزال نائمة تحت باطن الأرض، كالنفط والغاز واليورانيوم والذھب، كل ذلك يجعلھا في مرمى التنظيمات الإرھابية الساعية لضرب المصالح الغربية، خصوصا أن ھذه التنظيمات تستغل موقع القارة على ممرات تھريب المخدرات من أميركا الجنوبية نحو أوروبا، للدخول في شبكات التھريب من أجل تمويل أنشطتھا الإرھابية.
لكن، إرهاب "داعش"، ولد في المقابل إرهاباً آخر متمثلاً "بالتطرف المسيحي"، وهو ما أصاب مؤخراً نيوزيلندا، البلد الأكثر ھدوءا وأمانا في العالم، ويقطنه خمسة ملايين نسمة، بينھم فقط واحد في المئة مسلمون، ھذا البلد شھد أبشع ھجوم إرھابي نفذه شاب عنصري أسترالي في مسجدين في مدينة "كاريست تشيرس" وراح ضحيته نحو خمسين شخصا بالإضافة الى إصابة عدد مماثل بجروح.
تنظيم "داعش" الإرھابي سارع الى استغلال ھجوم نيوزيلندا وأطلق دعوات عبر منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي للانضمام للتنظيم .
بعد ھجوم المسجدين في نيوزيلندا حصلت ردة فعل في العالم الإسلامي تجاوزت عبارات التنديد والإدانة وأطلقت تحذيرات وتنبيھات الى نتائج مثل ھذا الھجوم الذي يشكل مؤشرا خطيرا لجھة تصاعد خطاب الكراھية ومعاداة الأجانب، وانتشار ظاھرة "الإسلاموفوبيا" في الكثير من بلدان أوروبا. أما في الدول الغربية، فقد سمعنا تنديدا وبأقسى العبارات بھذا الإرھاب المروع وإدانة له، ما عكس القلق العميق لتنامي ظاھرة الإرھاب المسلح المستند الى خلفيات وتبريرات دينية، والحاجة الى تغيير الطرق المعتمدة في مواجھته.
في ضوء ھذه المتغيّرات في مسار الإرھاب الكامن والمتفشي والآخذ في الاتساع، يصبح التغيير ضروريا في طرق مواجھة الإرھاب المتعدد الأشكال المتنقل بين العنف الدموي والعنف السياسي. وإذا كان دور المرجعيات والمؤسسات الدينية مھما ومطلوبا وأساسيا في وأد التطرف في مھده قبل أن يتحول الى "إرھاب دموي، فإن كل ذلك لا يكفي إذا لم تكمله خطوات وإجراءات عملية ھي شأن الحكومات والدول والمنظمات الدولية .
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024