آراء وتحليلات
حين ترضخ السعودية للوقائع
خليل نصر الله
لم يكن التوجه السعودي في المنطقة قبل عام ونيّف على ما هو عليه الآن. سوريًّا كان المطلوب فك علاقات دمشق بطهران، ووقف دعم وإسناد المقاومة في لبنان وفلسطين، والسير وفق الركب العربي الساعي الى التطبيع.
يمنيًا، كان المطلوب رضوخ صنعاء للسياسات السعودية والتوجهات الأمريكية والعودة إلى الوضع الذي كان قائمًا قبل ثورة سبتمبر، أي إدارة القرار في صنعاء عبر المبادرة الخليجية ووصاية السفراء.
إيرانيًا، كان السعوديون يرفضون حتى الحديث، ويشنون حملة ضغوطات إعلامية ويدعمون توجهات عربية نحو التطبيع ومحاولة توظيفها ضد طهران، قبل أن تتورط الرياض بأحداث الشغب التي أحبطتها طهران ونجحت في تخطيها، وهي ما كانت سترتب واقعًا مختلفًا.
كل ما تقدم لم يتحقق. نجحت دمشق وحلفاؤها بقلب موازين القوى في سوريا، ونجحوا في ضرب الإرهاب الذي موّل خارجيًا، وكان للسعودية دورها الكبير، خاصة في الجبهة الجنوبية، ومشاركتها بغرفة الموك. ونجح اليمن بتخطي الصعاب، وفرض معادلات أثرت على الداخل السعودي، وعلى مشاريع اقتصادية تحتاج الى استقرار. صنعاء التي لم تكن تشكل تهديدًا ولو برصاصة ضد العمق السعودي، باتت يدها هي الطولى وتضرب حيث تريد.
وإيران التي اعتمدت سياسة مد اليد، لوحت بتدفيع الثمن لكل من تورط في عمليات التخريب داخل أراضيها، وهي تملك يدًا عليا.
إلى ذلك، أثبتت سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة عبر تغذية الحروب، ومنع وقفها وتغذية الصراعات واعتماد سياسة "فرق تسد"، أن واشنطن تبحث عن مصالحها ولو على حساب شركائها وهو ما بات واضحا بشكل أكبر بعد الحرب التي دفعت إليها وغذتها في أوكرانيا، حيث عملت على تجييش حلفائها بل والضغط عليهم لتمويلها، وبالتالي وضعهم في مواجهة روسيا، ومن ثم الصين، وهو ما يعني مزيدًا من الأزمات.
أمام ما تقدم، يمكن وصف الانعطافة السعودية منذ عام - بغض النظر عن مداها الذي يمكن أن تبلغه - نحو العمل على تبريد ساحات وإعادة قراءة تموضعها ومراعاة مصالحها ومصالح الآخرين.
وإذا ما تواصلت السياسة السعودية الحالية في التقارب مع إيران وتنفيذ المتفق عليه وتطويره، وانفتاح شامل على دمشق يتخطى العقوبات الأمريكية، فهذا يعني انتهاج الرياض سلوكًا مغايرًا سيصب في مصلحتها ومصلحة أمنها واقتصادها. ولا يختلف اثنان على أنه مصلحة عربية وإسلامية قد يعزز من استقرار المنطقة.
أهم ما يمكن التوقف عنده هو رضوخ الرياض للوقائع، بعيدًا عن سياسة المكابرة التي جلبت الويلات لها، وأضرت باستقرارها واستقرار المنطقة.
وهي سلكت توجهات كانت تنادي بها سوريا، عبر تشبيك العلاقات العربية - العربية وكذلك العلاقات العربية - الاسلامية بعيدًا عن تدخل كل دولة بالقرارات السيادية لدولة أخرى.
في التقارب انتصار للجميع، مع ضرورة دفع فاتورة التخريب عبر سياسات تساعد في ردم آثار الماضي، وهو ما يجب مراقبته في المرحلة المقبلة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024