آراء وتحليلات
هل اقتربت منطقة غرب آسيا من الحرب المفتوحة؟
زكريا حمودان
تعيش منطقة غرب آسيا موجة من التبدلات الجيوسياسية التي لها أبعاد كبيرة على الساحة العالمية، وتحديدًا بعد عشرات السنين من الغطرسة الأميركية على المستويين المالي والسياسي، والتي أدت لسيطرة جيو-اقتصادية كبيرة عالميًا.
لا يمكن لأحد أن يُنكر أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية نجحت في اسقاط الاتحاد السوفياتي، وتسيدت الساحة الخليجية، وفرضت سيطرتها على النفط، وأعطت الدولار سيادة عالمية غير مسبوقة، وصنعت سياسات غير محدودة، وفرضت الكيان الصهيوني كقوة إقليمية تظلم وتبطش دون تردد، وقامت بكل ما قامت به من حروب ودمار وقتل، ولكن كذلك لا يمكن لأحد أن يقول أن أميركا صاحبة كل هذه الأحداث الدموية والظالمة ما زالت تتمتع بالقوة التي يعتقدها البعض، ولا يمكن لحلفاء أميركا أن يعتقدوا أنهم ما زالوا مسيطرين على سياسات الدول وقراراتها.
واقع التبدلات بالتزامن مع ضعف الولايات المتحدة الأميركية
أحداث عديدة في منطقة غرب آسيا أدت إلى ترهل السياسة الأميركية في المنطقة مما أحدث تبدلات كبيرة بدأت نتائجها تظهر مؤخرًا، وأهم هذه الأحداث:
١- وصول الإدارة الأميركية الجديدة المتمثلة بالديمقراطيين الذين اعتادوا على الانكفاء مؤخرًا، فخرجوا من أفغانستان، وتلقوا الضربات في العراق، وفشلوا باسقاط لبنان داخليًا.
٢- الأثر السلبي للحرب الأوكرانية على السياسة الخارجية الأميركية، فبعدما تم توريط أوروبا في مستنقع العداء لروسيا، ارتدّت نتائج الصراع ايجابًا الى غرب آسيا حيث توجه الغرب نحو إمدادات الغاز ليفتش عما حرمه منه الأميركي بسبب الحرب الأوكرانية. فهُزم الكيان الصهيوني أمام تهديدات المقاومة ووقّع مشروع تعيين الحدود مع لبنان، وانفتحت الدول الأوروبية وتحديدًا فرنسا والمانيا تجاه دول الخليج الفارسي بدءًا من إيران وصولًا الى السعودية.
٣- تراجع مشروع التطبيع مع الكيان الاسرائيلي مقابل عودة التفاهمات الإقليمية بين دول المنطقة إلى الواجهة، الأمر الذي أرخى بظلاله على حماسة بعض الدول التي تحولت من دول التباهي بالتطبيع الى تلافي اظهار هذه الحالة.
٤- التحول النوعي في السياسة الخارجية السعودية، فبعد سنوات من الحرب العبثية في اليمن وسوريا والعراق، أيقنت السعودية أنها تراهن على الحصان الأميركي الذي اتضح لها أنه الحصان الخاسر.
تبدلات عديدة كان لها الأثر الكبير في تبدل سياسة منطقة غرب آسيًا وتحديدًا على المستوى الأميركي، فالضعف الحاصل على مُختلف الصُعُد بات واضحًا أنه سيولد آثارًا سلبية في المستقبل القريب، كُل ذلك يأتي بالتزامن مع تنامي قدرات الساحات المعادية للكيان الصهيوني.
تنامي جبهات المقاومة في منطقة غرب آسيا بالتزامن مع التبدلات الاستراتيجية
دخلت منطقة غرب آسيا على مستوى مقاومة العدو الإسرائيلي مرحلة جديدة في الأشهر الأخيرة بالتزامن مع التبدلات الاستراتيجية لتحالفات الدول الأساسية في المنطقة. على مستوى التبدلات الاستراتيجية يمكننا القول أن جميع هذه التبدلات تصب لصالح جبهات المقاومة على الشكل التالي:
١- حرب اليمن التي تسير على طريق الحل بات واضحًا أنها ستسمح بتشكيل جبهة بعيدة المدى ولكنها أساسية في مواجهة العدو الاسرائيلي سواء بالمسيّرات التي أثبتت نجاعتها، أو بالصواريخ الدقيقة التي تقلق العدو الإسرائيلي.
٢- جبهة الضفة الغربية تتنامى وتضرب الكيان الغاصب في العديد من الأماكن دون كللٍ أو ملل، وهي قابلة للتوسع بالتزامن مع تآكل قدرات العدو تدريجيًا.
٣- التنسيق العالي الدقة بين جبهات جنوب لبنان، قطاع غزة، وقوة النار المتاحة من الحدود السورية.
٤- تنامي قدرات محور المقاومة في العراق، وقدرته على تحريك القوة الصاروخية.
٥- جهوزية الجمهورية الاسلامية في إيران على مستوى الساحات من جهة، وعلى مستوى قدراتها الاستراتيجية العالية الدقة، بحرًا وبرًا وجوًا.
في هذا المقال قدمنا جزءا من التحولات العديدة التي يمكن أن يُكتب فيها الكثير نظرًا لأهميتها من جهة، بالإضافة إلى تطور الأحداث المتزايد من جهة أخرى. لكن نتائج هذه التبدلات لا تسمح لنا إلا أن نتوقف عند تحليلها، فالعدو الإسرائيلي تعرض لنكسات عدة من مختلف الجبهات التي ذكرناها والتي فضحت ضعفه، كما أن الأميركي تعرض لنكسات كبيرة على المستوى الاستراتيجي، مقابل أهداف كبيرة حققها الإيراني وحلفاؤه على مختلف الجبهات التي كان فيها الأميركي والعدو الاسرائيلي يتعرضان للخسائر. جميع هذه المعطيات تشير بشكل واضح الى أنَّ تشتت الساحات استراتيجيًا كان يُشكل عاملًا مساعدًا للعدو الإسرائيلي، وأننا بتنا اليوم أمام ساحات ساخنة جدًا مقابل حالة الارباك الجيوسياسية لدى الأميركي وربيبته "اسرائيل"، الأمر الذي يضع منطقة غرب آسيا أمام احتمالية حرب مفتوحة، لأول مرة يكون فيها العدو الإسرائيلي مربكًا إلى أبعد الحدود.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024