آراء وتحليلات
اتفاق طهران الرياض ونفط كردستان: خسائر وانتكاسات صهيونية متوالية
بغداد عادل الجبوري
خلال فترة زمنية قصيرة لم تتعد العشرة أيام تعرض الكيان الصهيوني إلى ضربتين قاصمتين، تمثلت الأولى بالاتفاق الإيراني السعودي الذي رعته الصين، والقاضي بعودة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين بعد قطيعة امتدت لسبعة أعوام، في حين تمثلت الضربة الثانية بقرار المحكمة التجارية الدولية في باريس بعدم شرعية تصدير النفط العراقي من إقليم كردستان عبر تركيا دون موافقة وإشراف الحكومة الاتحادية من خلال شركة تسويق النفط الوطنية العراقية (سومو).
وبالنسبة للضربة الأولى، ففي الوقت الذي كان الكيان الصهيوني يحث الخطى لإقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع السعودية، بعدما قام بذلك مع كل من الإمارات والبحرين قبل عامين، وكسر بعض الحواجز مع دول عربية أخرى مثل عمان والسودان، وجد أن السعودية تعيد ترتيب أوراقها مع إيران، التي تعد الخصم والعدو الأول للكيان الغاصب، الذي ما ترك فرصة إلا واستغلها ليضعفها ويحاصرها، وكان يأمل أن يفضي اتفاق للسلام مع السعودية على غرار اتفاقياته مع مصر والأردن والإمارات والبحرين، إلى زيادة محاصرة إيران وإغراقها بالمشاكل والأزمات.
وقد بدا واضحا القلق والإحباط والانكسار الإسرائيلي حيال إنهاء القطيعة بين طهران والرياض من خلال تصريحات مختلف الساسة الصهاينة وأصحاب الرأي ووسائل الإعلام هناك، ولعل التعبير الأكثر قربا إلى الواقع، هو ذلك الذي أوردته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، حينما قالت "إن اتفاق استئناف العلاقات بين الرياض وطهران، يعتبر بمثابة بصقة في وجه تل أبيب". هذا في الوقت الذي تعرض رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى حملة انتقادات حادة ولاذعة جدا ومطالبات باستقالته وتنحيه من المنصب، حيث وصف رئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت الاتفاق الإيراني السعودي بأنه "فشل مدو، وينبع من الدمج بين الإهمال السياسي والضعف العام ونزاع داخلي في الدولة". بينما عده رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست يولي أدلشتاين ب "السيئ جدا لإسرائيل"!.
أما بالنسبة للضربة الثانية، المتمثلة بمنع تصدير النفط العراقي من إقليم كردستان عبر تركيا دون موافقة وإشراف الحكومة الاتحادية في بغداد، فقد كانت هي الأخرى مؤلمة جدا وقاصمة لتل أبيب، لا سيما وأنه بحسب العديد من المصادر، يذهب القسم الأكبر من النفط المصدر من الإقليم إلى الكيان الصهيوني وبأسعار مخفضة مقارنة بالأسعار في الأسواق العالمية، وان تل أبيب تعتمد بنسبة 70 % من استهلاكها على النفط العراق المصدر إليها بطرق غير قانونية من قبل إقليم كردستان. وبصدور حكم المحكمة التجارية الدولية، فإن كل عمليات التصدير ستخضع لإشراف ورقابة مباشرة من شركة تسويق النفط الوطنية العراقية (سومو).
وفي حزيران/ يونيو من عام 2014 كشفت مجلة "فوربس" الأميركية بيع نفط كردستان العراق إلى إسرائيل، مع ظهور ناقلة تحمل النفط من ميناء جيهان ترسو في مدينة عسقلان. كما نشرت صحيفة "فاينانشال تايمز" تقريرا في شهر آب/ أغسطس من عام 2015، يفيد بأن "إسرائيل" استوردت قرابة 77 % من إمداداتها النفطية من إقليم كردستان العراق. وأشار التقرير إلى أن جميع صادرات نفط الإقليم عبر ميناء جيهان تركي اتجهت إلى إسرائيل، وبلغت قيمة المعاملات نحو مليار دولار.
ووفقا لموقع "درو ميديا" الكردي، فإن حكومة إقليم كردستان العراق باعت خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر من عام 2022، أكثر من 12 مليون برميل من النفط، ذهب منها حوالي 4.5 ملايين برميل إلى الكيان المؤقت، فيما بيعت الكميات الأخرى لكل من كرواتيا وإيطاليا وتايوان والصين ورومانيا.
من جانبها، أكدت بيانات لشركة "كليبير داتا" الأميركية المختصة بتعقب شحنات النفط العالمية، "أن نحو نصف النفط الخام المستخرج من حقول النفط الكردية في عام 2017، وصل إلى إسرائيل".
ولم تخف الأوساط والمحافل السياسية والاقتصادية ووسائل الإعلام الصهيونية قلقها الكبير إزاء ذلك. وفي هذا السياق، ذكرت القناة 12 الإسرائيلية، "أن إسرائيل كانت لسنوات تستورد النفط الذي تزودها به الحكومة الكردية من شمال العراق عبر خط أنابيب يصل إلى ميناء جيهان في تركيا، ومن هناك في ناقلات إلى الأراضي المحتلة، وأنه اعتبارا من يوم السبت (1 نيسان/ أبريل)، سيتم إغلاق خط الأنابيب بسبب أن الحكومة في بغداد أكدت على أن الأكراد ليس لديهم الحق في بيع النفط بشكل مستقل، وهذا سيؤدي بشكل واضح إلى قطع الأعمال التجارية مع إسرائيل".
وأشارت أوساط مختلفة إلى "أن القرار العراقي تسبب بإزعاج سلطات الاحتلال وسيؤثر سلبا في حصولها على النفط الخام من حقول إقليم كردستان، لا سيما أن إسرائيل احتلت في عام 2017 المرتبة الأولى في العالم في استيراد النفط الخام من إقليم كردستان العراق".
تأتي هذه التطورات والمستجدات المقلقة للكيان الصهيوني، متزامنة مع احتجاجات وتظاهرات حاشدة في تل أبيب ومدن أخرى، باتت تهدد وجود ذلك الكيان، لاسيما في ظل الخلافات والتقاطعات العميقة والحادة بين زعاماته وقواه السياسية والدينية والاجتماعية المختلفة، ناهيك عن تزايد التأزم في العلاقة بينه وبين الولايات المتحدة الأميركية، التي تعد الحليف الاستراتيجي الأقرب والداعم الأول له منذ تأسيسه قبل خمسة وسبعين عاما.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024