آراء وتحليلات
تآكل خط الدفاع الأوكراني... متى ينهار؟
عمر معربوني / خبير عسكري خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
أصبح الجيش الروسي مطلع العام الحالي أمام تحديات ميدانية كبيرة جدا، ففي حين نجحت العمليات الأولى مع بداية العملية العسكرية الروسية من تحقيق الصدمة بالحركة والنار، ما سمح بسيطرة روسية واسعة على كامل جمهورية لوغانسك وعلى 55 % من جمهورية دونيتسك وعلى حوالي 70 % من مقاطعة زاباروجيا وعلى 65 % من مقاطعة خيرسون، إلا أن هذه العمليات اصطدمت بصلابة الدفاع الأوكراني، لا بل تعرضت لتحد كبير، هو الإخفاق بالمحافظة على المناطق التي سيطر عليها الجيش الروسي غرب نهر الدنيبر في مقاطعة خيرسون، وكذلك التراجعات الواسعة على جبهة خاركوف حيث بلغ حجم التراجع إلى حدود جمهورية لوغانسك ، وتحديدا على جبهة كريمينيا بعد خسارة نقاط تموضع مهمة جدا في ايزيوم وليمان وكراسني ليمان ومدينة كوبيانسك .
استدعت هذه التراجعات استدعت عمليات تقييم كبيرة ألزمت القيادة العسكرية الروسية باعتماد أنماط قتال مختلفة بهدفين محددين:
1 امتصاص زخم الهجمات الأوكرانية واستنزافها.
2 تنفيذ عمليات هجوم تكتيكية على كامل خط الدفاع الأوكراني على جبهة دونيتسك.
في الهدف الأول استطاع الجيش الروسي على مدى الشهور الثلاثة الفائتة أن يمتص كافة الهجمات الأوكرانية، والتي لم تتوقف على طول خط الجبهة من كريمينيا شمالا حتى اوغليدار في الجنوب الغربي لجبهة دونيتسك، ما الحق خسائر كبيرة بالقوات الأوكرانية التي اعتمدت على التفوق بعنصر المشاة حيث لا تزال النسبة 6 جنود الوكرين مقابل جندي روسي واحد، مع تفوق ناري روسي كان العامل الأبرز في إحباط العمليات الهجومية الأوكرانية، وكذلك في تحقيق الجيش الروسي لسلسلة من الاختراقات لخط الدفاع الأوكراني الذي يصفه الأوكراني بخط القلاع التي يصعب خرقها أو السيطرة عليها.
في منتصف شهر كانون الثاني/ يناير من السنة الحالية، كنا أمام تطور مهم جدا، وهو سيطرة الجيش الروسي على مدينة سوليداد، الواقعة شمال مدينة أرتيوموفسك (باخموت)، وكان لهذه السيطرة تداعيات سلبية على القوات الأوكرانية، وتحديدا في جبهة مدينة أرتيوموفسك، والتي يمكن التأريخ للمعركة الحقيقية فيها بعد سيطرة الجيش الروسي على ضواحي المدينة الشمالية، وتحقيق التماس مع المدينة من الشرق وكذلك سيطرة الجيش الروسي على ضاحية كليشيفكا في الجنوب الغربي للمدينة.
ببساطة، وعلى عكس الكثير من الخبراء، أسجل اعتراضي على تأريخ بدء العمليات الهجومية على المدينة ب 8 أشهر، وذلك لسبب واضح وهو أن السيطرة على الضواحي الشمالية والشرقية والغربية الجنوبية للمدينة كان جزءا من معركة السيطرة على المدينة، خصوصا أن المناطق المذكورة هي بمثابة تلال وهضاب محصنة بشكل جيد، ودون السيطرة عليها كان من الصعب على الجيش الروسي تحقيق أي سيطرة على أحياء المدينة التي وصلت السيطرة فيها إلى 75 % من بينها غالبية المنطقة الصناعية شمال المدينة.
وعلي عكس الكثير الذين يرون أن السيطرة على أرتيوموفسك استغرق وقتا طويلا، أؤكد رأيي أن ما بعد أرتيوموفسك سيكون أسهل بكثير على الرغم من إبقاء الجيش الروسي لوتيرته البطيئة في التقدم بالنظر إلى مسألتين:
1 عدم رغبة القيادة الروسية بسقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى الروس ما يترك تأثيرا على معنويات الجيش والداخل الروسي.
2 استكمال السيطرة على خط الدفاع الأوكراني الحالي في جبهة دونيتسك، وأعني بذلك مدن سيفرسك وافدييفكا ومارينكا واوغليدار افدييفكا التي بات وضعها يشبه وضعية مدينة أرتيوموفسك والشمال والغرب على الرغم من المحاولات الأوكرانية لمنع ذلك من خلال تنفيذ الهجمات المضادة المتكررة.
انطلاقا من التطورات الحالية يمكن القول إن ثلاثة أشهر من العمليات أدت حتى اللحظة إلى سيطرة روسية مقبولة على أجزاء مهمة من خط الدفاع الأوكراني، والذي يبدو متآكلا في أرتيوموفسك ومارينا وافدييفكا، وكذلك في اوغليدار، وسيستغرق برأيي بعض الوقت حتى نراه منهارا، ولهذا بدأت القوات الأوكرانية منذ شهر بتنظيم خط دفاع بديل لخوض معركة الدفاع عن مدن سفيرسك وكراماتورسك وسلافيانسك، لأنها بكل تأكيد الأهداف الطبيعية القادمة للجيش الروسي، إضافة إلى تخوف الجيش الأوكراني من تمكن الجيش الروسي من تثبيت نقاط ارتكاز تمكنه في العمليات القادمة من التوجه غربا نحو دنيبرو بيتروفيسك، وهو ما يتناغم مع تصريحات المسؤولين الروس بضرورة تنفيذ عمليات قد تصل إلى كييف ولفوف ، وهي بمثابة شريط أمان، لكن الموضوعية تقتضي أيضا الاعتراف بأن تحقيق هذه الأهداف قد يستغرق وقتا طويلا، لا يقل عن سنتين، وهو ما تستعد له روسيا على المستويات كافة الاقتصادية والعسكرية والشعبية، لأن المعركة باتت بشكل واضح معركة قدرات بين روسيا من جهة والناتو من جهة أخرى يمثل فيها الجيش الأوكراني قوات مشاة جيش الناتو.
حلف شمال الاطلسيخاركوفكييفلفوف
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024