معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

هل قررت واشنطن فعلًا خفض وجودها العسكري في المنطقة لصالح شرق آسيا؟
24/03/2023

هل قررت واشنطن فعلًا خفض وجودها العسكري في المنطقة لصالح شرق آسيا؟

شارل ابي نادر

تفاجأ أغلب المتابعين للاتفاق الإيراني - السعودي بسهولة سلوكه - حتى الآن- دون عرقلة جدية أو فاعلة من الأميركيين، خاصة أنه حصل برعاية وعناية صينية خالصة.

وحيث كان الطرفان السعودي والايراني قد أعربا عن حسن نية والتزام واضح وقرار صادق بالتوصل لاتفاق، على الأقل يتضمن علاقات دبلوماسية ولو بالحد الأدنى، يبدو أن الأمور بين الطرفين ستتجاوز كثيرًا هذه العلاقات لتنسحب بالاضافة الى علاقات اقتصادية وسياسية واسعة بينهما، إلى ايجاد حلول وتسويات جدية لأغلب ملفات المنطقة، والتي كانت تعقيداتها مرتبطة إلى حد كبير بالعلاقة التي كانت غير متوازنة أو غير صحية بين الدولتين.

من ناحية أخرى، من الواضح أنه بمجرد أن ينطلق مسار الاتفاق، سيكون صعبًا على الأميركيين لاحقًا إعادته إلى الوراء، ليس لأنهم غير قادرين بالمطلق، بل لأن كلًّا من الطرفين الاقليميين المؤثرين، يدرك جيدًا أن مصلحتهما الفعلية تكمن في علاقات سويّة وجيدة وقوية بينهما.

فما هي حقيقة الموقف الأميركي من الاتفاق؟

من خلال متابعة أكثر من معطى مرتبط بالموقف الأميركي وبسياسة واشنطن حاليًا، يمكن ملاحظة التالي:

أولًا: قدّم مؤخرًا وزير الحرب الأميركي لويد أوستن، خطابًا مطوّلًا أمام الكونغرس بهدف حث الأخير على الموافقة على طلب إدارة الرئيس جو بايدن للميزانية المالية لعام 2024 للبنتاغون، والتي يطلق عليها "الميزانية التابعة للاستراتيجية"، والتي تركز بشكل واضح ونافر على إدارة المنافسة الاستراتيجية للبلاد مع الصين.

وفي شهادته أمام مجلس النواب ذكّر أوستن الكونغرس بأنّ الولايات المتحدة تمتلك أقوى سلاح بحرية في العالم، مشدّدًا على الخطر الذي تمثله الصين من خلال سرعة تطويرها لجيشها وبحريتها، وذلك في رد غير مباشر على بعض التصريحات الأخيرة بشأن القدرات البحرية الصينية، ومدى تأثيرها على تفوق البحرية الأميركية.

ثانيًا: قال مسؤولون أميركيون إن الولايات المتحدة سترسل طائرات هجومية قديمة من طراز "A-10" لاستبدال طائرات مقاتلة أكثر تطورًا في الشرق الأوسط كجزء من جهود البنتاغون لنقل مقاتلات أكثر حداثة إلى المحيط الهادي وأوروبا لردع الصين وروسيا. وحسب تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، يعد نشر طائرات "A-10"، المقرر إجراؤه في أبريل (نيسان)، جزءًا من خطة أوسع تدعو إلى الاحتفاظ بقوات بحرية وبرية متواضعة في منطقة الشرق الأوسط".

انطلاقًا من هذين المعطيين في نظرة المسؤولين الأميركيين ناحية الخطر الصيني، والذي يستوجب رفع موازنة الدفاع لمواجهته، أو لناحية نقل قدرات جوية أميركية من الخليج ومنطقة الشرق الاوسط الى شرق آسيا، يمكن استنتاج وتلمس بعض العناصر من استراتيجية واشنطن الجديدة، والتي تقوم على تخفيف تواجدها العسكري في الشرق الاوسط والتركيز شرقًا، وذلك بعد عدم وقوفها عقبة في وجه الاتفاق السعودي الإيراني.

من ناحية أخرى، وبنفس المقاربة تقريبًا، من خلال العودة إلى موقف السعودية تحديدًا من التواجد العسكري الأميركي في المنطقة وفي الخليج بنوع خاص، فإن جميع المتابعين لمسار العدوان على اليمن، ولما نتج عنه لاحقًا من عمليات استهداف استراتيجية يمنية لمواقع ولمنشآت حيوية سعودية واماراتية، من ضمن عمليات الردع ردًا على العدوان  وعلى الحصار على اليمن، لا بد من التذكير بالصراخ السعودي الذي ارتفع طالبًا من الأميركيين تعزيز قدراتهم في المملكة ومحيطها أكثر، وخاصة بالقاذفات النوعية وبمنظومات الدفاع الجوي الفعالة، وذلك بعد أن عجز السعوديون بمفردهم عن مواجهة تلك الموجات الردعية اليمنية، وأدركوا خطورة استمرار هذا المسار من العمليات على بلادهم ومقدراتهم وأمنهم القومي والاقتصادي والاستراتيجي.

من هنا، وجد الطرفان الأميركي والسعودي حاجة كبرى وضرورة حيوية واستراتيجية لتهدئة الأمور في المنطقة، والابتعاد عن الاحتكاكات والاشتباكات الخطيرة التي لن يكون للرياض ولحلفائها جميعًا في الخليج، القدرة على مواجهتها والتعامل معها بنجاح وحدهم، في ظل وضع متوتر وغير مستقر عسكريًا وأمنيًا، وبنفس الوقت، في ظل غياب تواجد فاعل عسكري للأميركيين، والذين أصبحت تقوية جبهتهم شرقًا بمواجهة الصين وروسيا أمرًا حيويًا وضروريًا وإجباريًا.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات