آراء وتحليلات
70 ألف ليرة سعر صيرفة... آثار وتداعيات
علي رسلان(*)
كعادته، ومن دون سابق انذار. وبعد أن ترك السوق السوداء، التي هو رائدها، تفعل فعلها وتوصل سعر صرف الدولار إلى أكثر من 92 ألف ليرة، أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بياناً استنادا إلى المادتين 75 و83 من قانون النقد والتسليف، أعلن فيه أن المصرف المركزي سيتدخل بائعًا الدولار الأميركي النقدي وشاريًا الليرة اللبنانية النقدية على سعر 70.000 ل. ل. للدولار ابتداء من 2 آذار/ مارس 2023، وسيلبي كامل الطلب للأفراد والشركات بأسقف محددة بمليار ليرة للأفراد و 10 مليارات ليرة للشركات.
لا شك أن هذه الخطوة أدت إلى انخفاض سعر الصرف في السوق السوداء بنحو 10 آلاف ليرة دفعة واحدة، وهذا أمر متوقع ويحصل في كل مرة يتدخل رياض سلامة بهذه الطريقة، إلا أن مسألة ديمومتها، تبقى رهن إشارة الحاكم، ومزاجيات المصارف، مع العلم أن حاكم مصرف لبنان قادر على الاستمرار بها، خصوصاً أنه كان يجمع الدولار من السوق السوداء عندما كان سعره 40.000 ل.ل.، واستمر على هذا المنوال حتى سعر 92.000 ل.ل.، وهو برفع صيرفة إلى 70.000 ل.ل.، اعتمد معدل وسطي يضمن عدم تحقيق خسائر كبيرة، وبذلك يستطيع في الأيام المقبلة أن يخفض سعر منصة صيرفة، ليجر السوق السوداء إلى حيث يريد، وليس كما كان يحصل وحصل من جر السوق السوداء لسعر صيرفة إليها، وإذا ما أراد الحاكم، فإنه قادر على تحقيق التوازن المطلوب بين السوق السوداء وصيرفة، وبذلك يتمكن من تحديد السعر المناسب لسعر الصرف، في سلسلة اجراءات متتابعة ومدروسة للوصول إلى سعر صرف رسمي موحد، وبالتالي تلبية أحد شروط صندوق النقد الدولي.
ويساهم الإجراء الجديد في سحب جزء من الكتلة النقدية الهائلة بالليرة الموجودة في السوق والتي وصلت إلى حدود 90 ألف مليار ليرة، وهذا الأمر من شأنه أن يضبط سعر الصرف إلى حد ما، إن لم يقم الحاكم بسحبها من السوق، ومن ثم إعادة ضخها لشراء الدولار من السوق السوداء، وبالتالي الحيلولة دون تحقيق الاستقرار المنشود.
إلا أن الوصول للتوازن في ظل الظروف الاقتصادية والنقدية الحالية، ليس بالأمر السهل، لأن الحلول الجزئية لن تنفع من دون رؤية اقتصادية شاملة ومتكاملة، تضع الخطوط العريضة والتفصيلية للحل، وتنطلق في تطبيقها وفقا لأهداف معلنة وجدولة زمنية محددة ودقيقة، تبدأ بمعالجة أسعار الصرف المختلفة، وتوحيد سعر الصرف، وتحديد مصير ودائع المواطنين، وتحديد الخسائر، وسبل تعويضها، وتفعيل خطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، بالإضافة إلى تعزيز الجباية الضرائبية لا زيادتها، من خلال مكافحة التهرب الضريبي، والفرض على التجار والمستوردين دفع الضرائب بالسعر الواقعي للدولار، بالتزامن مع إطلاق عجلة القطاعات الانتاجية المحلية، من خلال خطة تحفيزات واعفاءات ضريبية مدروسة، مما يؤدي إلى خفض الاعتماد على الاستيراد، وبالتالي الحفاظ على احتياطات العملات الأجنبية في المصرف المركزي.
انخفاض سعر الصرف في السوق السوداء، سينعكس انخفاضا في أسعار السلع كافة، خصوصا المحروقات، وهذا الأمر جيّد من حيث المبدأ، إن التزم تجار المواد الغذائية بالتسعير بالدولار، وليس كما كان الأمر عليه سابقاً، حيث كان التسعير بالليرة يخضع لأسعار صرف يحددها التجار بحجة حماية رأسمالهم. في المقابل فإن رفع سعر صيرفة، سيكون كارثيا على فواتير الكهرباء، فرسم العداد وبدل التأهيل سيرتفع إلى 700.000 ل.ل. كحدٍ أدنى، هذا قبل أن يصرف المستهلك أي كيلوواط، يضاف إليها سعر استهلاك الكيلوواط مع الضريبة على القيمة المضافة، فإذا كان 10 سنتات فإنه سيكون حوالي 10.000 ل.ل. و27 سنتا سيكون 25000 ل.ل. للكيلوواط الواحد، لتصدر فواتير 4 ساعات كهرباء بمبالغ هائلة، قد لا يتحملها الكثير من المواطنين.
ورفع سعر صيرفة يطرح مسألة فواتير شهرَي تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر، التي أعدتها مؤسسة كهرباء لبنان على سعر صيرفة +20% السابقة أي على أساس 52.300 ل.ل.، فإن ذلك سيكلف المؤسسة خسائر بحدود 40%، وهذا الأمر سيكون مسماراً في نعش خطة الكهرباء المتعثرة أصلا، والتي اتخذت من صيرفة+ منطلقاً لإعادة برمجة وضعها المالي وإعادة التوازن إلى حساباتها.
إلى جانب الكهرباء، سيشهد المواطنون ارتفاعا بأسعار الاتصالات الخليوية والانترنت، فبعد أن كانت الأسعار تُحتسب على سعر صيرفة 45.400 ل.ل.، فإنها ابتداءً من يوم 2 آذار/ مارس 2023 ستُحتسب على سعر 70.000 ل.ل.، بارتفاع أكثر من 35% من سعرها الحالي، أي أن البطاقة التي كان سعرها بحدود 200.000 ل.ل. ستصبح بـ 300.000 ل.ل.، وكذلك الأمر بالنسبة لباقات الانترنت المختلفة، وأسعار المخابرات والرسائل وغيرها.
وعليه، إن استمرت الأمور بالطريقة التي سارت فيها مع البيانات والتعاميم السابقة، وإن لم يتم ضبط مسألة ضخ الدولار عبر صيرفة كي لا تذهب إلى جيوب المنتفعين والمحظيين، دون غيرهم، وإذا ما استمرت إدارة الأزمة بإجراءات ترقيعية كما حصل خلال السنوات الثلاث الماضية، فإن الوضع الاقتصادي مرشح إلى مزيدٍ من التدهور، والانهيار سيبقى متواصلا.
(*) صحافي اقتصادي
الدولاررياض سلامةالليرة اللبنانيةمصرف لبنان
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024