آراء وتحليلات
زيارة الأسد لعُمان.. كسر للحصار العربي أم رفع نهائي له؟
عبير بسّام
يترقب الجميع نتائج الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى البلد العربي الذي يقع في شبه الجزيرة العربية "سلطنة عُمان". وقد يكون ملفتاً أن يكون توجه الرئيس الأسد عند بداية كسر الحصار العربي، باتجاه الجزيرة العربية مرة أخرى وليس باتجاه مصر أو الجزائر أو الأردن أو العراق. يعتبر الجميع أن الزيارة تأتي في إطار "رفع" الحصار على سوريا، والذي اخترقته عدة دول عربية منذ كارثة الزلزال التي ألمت بسوريا منذ السادس من شباط/ فبراير الحالي، ولكن هل الأمر كسر آنيّ للحصار أم رفع له؟
بات من المعروف والثابت أن الزلزال الذي ضرب سوريا قد فتح الآفاق أمام الأخوة العرب من أجل التوجه نحو كسر الحصار على سوريا، ولكن علينا الانتباه الى أن الزلزال قد يكون سرع بهذا الأمر أو أنه خلق مبرراً هاماً له، ولكنه ليس السبب الوحيد، فنحن سمعنا بانفتاح مصري وأردني مؤجلين، وبانفتاح عراقي كاد يبدو بأنه بلا أفق بسبب العلاقة العراقية ــ الأميركية، والتي لم يتخلص العراق بعد من تبعاتها منذ العام 2003 وحتى اليوم. وفي الحقيقة، أن ما عرقل العراق عن المبادرة ما قبل الزلزال في التوجه والانفتاح نحو سوريا هو ما عرقل جميع الدول العربية الأخرى، فنحن كنا نترقب المحادثات والزيارات مع مصر والأردن، بحسب مصادر خاصة، منذ زيارة الرئيس الأسد للإمارات عام 2022، ولكن الأميركي أراد غير ذلك، وبخاصة ادارة الرئيس الأميركي جو بايدن.
هناك خاصية تتعلق بعُمان، فالعلاقة معها تختلف عن باقي الخليج العربي والمقصود هنا السعودية وقطر والإمارات، التي موّلت ودعمت المجموعات الإرهابية المسلحة في سوريا، وكانت جزءاً من غرف إدارة العمليات الإرهابية العسكرية في الأردن أو في تركيا. ليس الأمر نكئاً للجراح، ولكنه اعتراف بحقيقة الدور العُماني، الذي حاول أن يبقى خارج اللعبة الدولية في سوريا، وأن يلعب على الدوام دور وسيط محايد. فعُمان لم تقطع علاقتها مع سوريا يوماً ولم تتدخل في الشؤون الداخلية للدولة السورية، وحتى أن سفارتي البلدين لم تغلقا وبقيتا تعملان طوال الاثنتي عشرة سنة الماضية. وكان وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي أول وزير عربي يتوجه إلى سوريا في العام 2019 بعد أن أعلنت كل من الإمارات والبحرين إعادة فتح سفارتيهما في دمشق.
زيارة الرئيس الأسد الأخيرة وصفت بأنها "زيارة عمل"، وفي انتظار ما سيتمخض عن هذه الزيارة من علاقات تجارية، بالأخص، مع سوريا هناك الكثير مما يقال في الانفتاح العربي على سوريا وخاصة ما بعد الزلزال. الكارثة التي تعرضت لها سوريا زحزحت تحرك العرب نحوها بشكل يمكن القول عنه أنه إيجابي، فقد تحرر كل من ملك الأردن عبد الله بن الحسين والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من مقاطعة الرئيس السوري وقاما بمكالمته الهاتفية، وقدما التعازي للرئيس الأسد بسقوط ضحايا الزلزال، وحتى السعودية أرسلت طائرة مساعدات عينية ومالية للدولة السورية ولضحايا الزلزال في إدلب وحلب، أي مناطق تواجد الدولة ومناطق الإرهابيين.
ولهذا مؤشراته الهامة خاصة بعدما أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان السبت الماضي في كلمته في مؤتمر ميونيخ، أن الإجماع في العالم العربي على ضرورة اتباع نهج جديد يتطلب مفاوضات مع دمشق لمواجهة الأزمات الإنسانية بما في ذلك الزلزال. ولهذا دلالات كبيرة، لأن الأزمات الإنسانية لا تتعلق بالزلزال فقط وخاصة أنه سمى أزمة اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان ووجوب وضع حل لها، وبأمور أخرى تنتظر أن تتوضح في الأيام المقبلة. وقال الوزير السعودي إن هناك حاجة لنهج آخر ولكنه ما زال "قيد الصياغة" وأن هذا سيجري من خلال الحوار مع حكومة دمشق في وقت ما وبطريقة "تحقق الأهداف". وهذه الأهداف ما تزال بحاجة للتوضيح، خاصة وأن السعودية تتجه في الوقت الراهن إلى توقيع اتفاق تطبيع مع الكيان الصهيوني، وهنا مربط الفرس!
وبالعودة لزيارة عُمان اذ لها دلالات أخرى، ومنها أن كل من السعودية وقطر غير راضيتين عن تولي الإمارات دفة المباحثات مع سوريا، وقرار زيارة عُمان لا بد أنه تم بتنسيق مع السعودية وحتى مع الولايات المتحدة، لأن السعودية تعتبر أن الإمارات قد خذلتها في اليمن، بعد ضربة الجيش اليمني لدبي، وقطر تعتبر أن الإمارات قد خذلتها في سوريا منذ أن فتحت سفارتها فيها في العام 2018 بعد تحرير حلب، ناهيك عن العلاقة التي توجت بزيارة الرئيس الأسد لأبو ظبي، اذ تجد السعودية أن من الأفضل أن يفتح الباب للسياسة من خلال بوابة عُمان.
وهنا لا يمكننا أن ننسى أهمية ما فعلته كل من الجزائر والعراق منذ اليوم الأول الذي ضرب فيه الزلزال تركيا وشمال سوريا بإرسال المساعدات لسوريا متجاوزين جميع القرارات الأميركية والسعودية بالذات. قرار قوض قوة الدولتين الأخيرتين في التحكم المباشر بالعلاقة العربية مع سوريا. هذا في كسر الحصار، أما عند الحديث عن رفع الحصار العربي، على الأقل، فلا يمكننا أن نبني على مفاعيله إلا إذا ترافق ذلك مع عودة التبادل التجاري المعلن مع دمشق وعودة تدفق القطع الأجنبي أو العربي إلى البنوك السورية. وإذا كانت زيارة الرئيس الأسد لعُمان، زيارة عمل، كما وصفت، فلا يمكن تقريشها إلا عبر عودة دخول الدواء أو على الأقل المواد الأولية لتصنيعه، وفتح الباب أمام دخول قطع الغيار للآليات وآليات البناء وغيرها من المواد التي تحتاجها دمشق في إعادة إعمار ما هدمه الزلزال والحرب، وعودة حركة الطيران بينهما إلى ما كانت قبل 2011، وفتح باب التبادل الاقتصادي أمام الشركات السورية العامة قبل الخاصة، وما غير ذلك فكلام بكلام.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024