آراء وتحليلات
"عشرة الفجر" وتحطيم أوهام "إسرائيل الكبرى"
إيهاب شوقي
عشرة أيام فصلت بين عودة الامام الخميني(قده) والإعلان الرسمي لسقوط نظام الشاه الفاسد والخائن، كانت كفيلة بالإعلان عن أكبر تحول استراتيجي نجح في القضاء على حلم "اسرائيل الكبرى".
كان المخطط هو القضاء التام على فكرة المقاومة والإذعان الكامل لواقع الاحتلال بعد خروج أكبر جيش عربي من المعادلة العسكرية، وهو الجيش المصري، ومعه خروج مصر السياسي من الصراع بعقد معاهدة للسلام المزعوم، لتكون قاطرة لتطبيع شامل مع الكيان، وتحويل مصر من قاطرة للتثوير والمقاومة، إلى قاطرة للتطبيع والتفريط.
وكان المسرح الاستراتيجي معدا لهذا السيناريو. وكما كشف مدير جهاز الموساد الأسبق أفراييم حليفي، فإن اللقاءات بين المسؤولين الإسرائيليين والسعوديين قديمة وتعود إلى سبعينيات القرن الماضي. كما كشفت الوثائق علاقات المغرب بالكيان لدرجة تسريب مناقشات القمة العربية بالرباط ونقلها للعدو كبث مباشر.
وكما تناولت التقارير السودانية عرض ممثلي حزب الأمة السوداني رغبتهم في تطوير علاقتهم مع "إسرائيل"، انطلاقا من هواجس تمدد نفوذ النظام الناصري في مصر نحو السودان في حوض نهر النيل واحتلال السودان لمكانة في ما سمي بعقيدة المحيط الإسرائيلية في مواجهة صعود مصر الناصرية، وهي عقيدة رسم ملامحها رؤوفين شيلواح، الأبُ المؤسس لوكالة الاستخبارات الوطنية الإسرائيلية (الموساد)، واحتلال الموساد بشكل سري لمنتجع سياحي على البحر الأحمر، ليشكل واجهة لعملية تهريب نحو 18 ألف إثيوبي إلى فلسطين المحتلة.
وكذلك تمكن الكيان الإسرائيلي في السبعينيات من الحصول على عدد من الجزر الأثيوبية جنوب البحر الأحمر، قبل استقلال إريتريا التي عززت علاقتها مع الكيان الإسرائيلي. وكانت علاقات الشاه رضا بهلوي بمثابة رمانة ميزان للكيان كمدخل لآسيا وجمهورياتها المسلمة، تضاف للعلاقة مع الاتراك والعلاقات السرية مع المخابرات السعودية لتحاصر العراق وسوريا.
تصور الكيان أنه تخلص من الدول العربية الكبرى، بعضها بالتطبيع، والبعض بالعزلة والبعض بالاتصالات السرية والتنسيق الاستخباراتي المستتر، وتصور أنه بعزله لهذه الدول فإنه سيقضي على المقاومة، تارة بمنع الدعم عنها، وتارة بتشجيع نزعة التفريط والسلام المزعوم، فما كان من الثورة الإسلامية إلا أن قلبت الطاولة على هذه التدابير، وأحدثت تحولًا استراتيجيًا على محاور متعددة.
فقد عرقلت الثورة طموحات العدو الجيوستراتيجية في آسيا والخليج، كما أعطت أملًا ودعمًا لحركات المقاومة والتحرر الوطني لتشكل سهمًا في خاصرة الكيان.
كما أوقفت الثورة مشروع التطبيع والاعتراف بالعدو، بعد أن أعطت زخمًا للصامدين والمتمسكين بالثوابت، وشكلت إحراجًا لدول كانت تستعد للاعتراف بالعدو بذريعة أنه أصبح أمرًا واقعًا بعد خروج القوى العربية الكبرى من الصراع.
ولذلك كان رأس هذه الثورة مطلوبًا، وشنت الحرب عليها بجميع أشكالها، سواء العسكرية أو الاقتصادية أو الثقافية، ناهيك عن فرض حالة من العزلة والتشويه والدعايات الكاذبة.
ومع كل هذا الاستهداف، يمضي قطار الثورة في طريقه داعمًا للمقاومة، وراسمًا لمعادلات الردع، وواعيًا لجميع الفخاخ عبر التحلي بالبصيرة والحكمة والجدية في الرد.
لقد كان اللقب الذي حظيت به هذه الأيام العشرة، وهو "عشرة الفجر"، لقبًا واقعيًا ومعبرًا عن انطلاقة وضوء جديد للمقاومة ومعسكرها بعد ظلمة حالكة من التفريط والإعداد لتصفية القضايا والثوابت، وهو فجر للتحرير ستكون ثمرته زوال العدو كما أزيلت أحلامه بتشكيل "اسرائيل الكبرى".
إن فجر المقاومة هو غروب شمس الاستعمار، لاختلاف التوقيت والموقع وعدم وجود أفق مشترك في خارطة الأرض، وهو مصداق لطبيعة الصراع الوجودية بين المقاومة والاستعمار.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024