آراء وتحليلات
هل يفجر ملف النازحين السوريين قنبلة التوطين في لبنان؟
محمد الحسيني
حمل رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون ملف النازحين معه إلى القمة العربية في دورتها الثلاثين في تونس، وأخذ حيّزاً مهماً من كلمته التي ألقاها في افتتاح أعمالها، وكان لافتاً وجود الوصي على هذا الملف الوزير محمد داود صالح الغريب ضمن الوفد الرسمي، وهو الذي غُيّب عن مؤتمر بروكسل المخصّص للبحث في إيجاد حلول لقضية النازحين السوريين وتسهيل عودتهم إلى بلدهم سوريا. وألقى الرئيس عون ورقة النازحين في وجه المجتمعين العرب النائمين معظم الوقت على كراسيّهم، ليقول لهم إن هذا الملف ليس مشكلة ثنائية محدودة ومحدّدة بين طرفين هما لبنان وسوريا كما يدّعون، بل هو مسؤولية الكثير من الحاضرين الذين وقفوا وراء إشعال نار الفتنة في سوريا، ولا يزالون يدعمون تسعير أوار الحرب فيها، وبالتالي هم مسؤولون عن تبعات هذه الحرب التي يعاني منها لبنان في شتى المجالات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية.
قمة تونس وهزالة العرب
لم تكن هزالة قمة تونس مفاجئة على مستوى الارتقاء بهموم والقضايا العربية، على غرار ما درجت عليها قمم العرب التي باتت ترفع لواء العداء لإيران مقابل الدعوة للتطبيع المباشر مع "إسرائيل"، وهو ما برز بشكل وقح في كلمتي السعودية والبحرين، وما التنديد بقرار واشنطن الاعتراف بالقدس عاصمة لكيان العدو والاعتراف بالسيادة الاسرائيلية على الجولان المحتل، إلا موقف لفظي أتى بشكل لازمة لغوية تنحصر بحدود كتابة حروفها في بيان إعلامي، ولا يجد له أي ترجمة فعلية على الأرض. وحده الرئيس عون ـ في ظل غياب صوت العروبة بشغور المقعد السوري ـ أعلى الصوت مطالباً العرب بالانصراف إلى حل مشاكلهم بدل الغرق في الانقسامات، فتضيع قضية فلسطين ويرقص العدو على أجساد مئات الآلاف من الضحايا العرب الذين قتلتهم أيدي "إخوانهم" العرب بأسلحة وبتوجيه أمريكي ـ إسرائيلي.
عون: لا للتوطين
لبنان هو الأشد قلقاً من المشاريع التي تحضّر للمنطقة، كما عبّر الرئيس عون، ولا سيما في إصرار المجتمع الدولي على إبقاء النازحين السوريين في لبنان الذين يقارب عددهم مليونا ونصف المليون نازح، على الرغم من معرفته بالظروف السيئة التي يعيشون فيها، فلو كان المجتمع الدولي حريصاً على سلامتهم فلماذا لا يسهّل عودتهم إلى المناطق السورية التي أضحت آمنة بمعظمها؟ لا بل إن ما يجري حالياً هو دفع دولي، مع تواطؤ وانسياق لبناني داخلي، لتأمين مستلزمات بقاء النازحين السوريين في أماكن انتشارهم في المناطق اللبنانية، وتوفير مقوّمات استدامة وجودهم حيث هم، فضلاً عن توفير فرص العمل لهم وتزويدهم ببطاقات خاصة بما يشبه "مستند إقامة" باتجاه تثبيتهم وتكريس عناصر استقرارهم، وهذا ما يقود إلى افتراض منطقي بأن الهدف الذي يجري التحضير له هو تمهيد الأجواء التي تسمح بتوطينهم في مخيمات أو في أماكن مغلقة، على غرار اللاجئين الفلسطينيين، ولبنان لن يقبل قطعاً بأي شكل من أشكال التوطين، كما أكد الرئيس عون.
قانون العفو ذريعة ساقطة
وعلى الرغم من النظرة القلقة للمسيحيين في لبنان إزاء النازحين السوريين من منطلق الإخلال بالميزان الديمغرافي ـ الطائفي والخوف من تحويل التجمّعات الإسكانية للنازحين إلى بؤر توتر أمنية، إلا أن التعاطي مع هذه القضية بكلّيته ينطلق من دوافع وطنية ـ سياسية تأخذ بعين الاعتبار مصلحة النازحين أنفسهم، ويتجلّى ذلك في تنظيم عمليات العودة الطوعية لهم بإشراف جهاز الأمن العام اللبناني وبدعم ومساعدة من قبل حزب الله، فإن استقرار سوريا والسوريين يقود بالضرورة إلى استقرار لبنان، والذريعة التي يرفعها فريق 14 آذار بشأن إصدار العفو العام من قبل الحكومة السورية هي ذريعة ساقطة وذرّ للرماد في العيون، فالسفارة السورية في بيروت تعجّ يومياً بهؤلاء ممن يأتون لإتمام معاملاتهم الرسمية ومتابعة شؤونهم وفق الإجراءات المعمول بها في السفارات، في حين أن المساعدات العينية والمادية من المؤسسات الدولية ما زالت تقدّم للنازحين مباشرة من دون المرور بالقنوات الرسمية للدولة اللبنانية، وفي هذا اتجاه صريح إلى تشجيعهم للبقاء حيث هم بدل أن يتم تقديم المساعدات لهم في بلدهم لتحفيزهم على العودة.
هل يدفع لبنان ثمن الحل السياسي؟
إن التعاطي مع ملف النازحين السوريين لا يشبه بأي شكل من الأشكال ملف اللاجئين الفلسطينيين، فالدولة السورية مستعدة لاستقبالهم في أي وقت واستيعابهم في قراهم التي ينتمون إليها، وتعتبر أن عودتهم تسهم في دورة إعادة إعمار البلد، وبالتالي لا يحق للمجتمع الدولي ـ ومعهم بعض أطراف الداخل اللبناني ـ المتاجرة بهذا الملف وعرقلة عودتهم إلى بلادهم، وهذا يشير إلى أن هؤلاء يتّجهون إلى تكريس معادلة موازية لملف اللاجئين الفلسطينيين، حيث إن الفلسطينيين لا يستطيعون العودة إلى فلسطين لوجود كيان محتلّ على أراضيها، كما أن السوريين لا يستطيعون أيضاً العودة إلى سوريا لأنها خاضعة لنظام احتلال، على حد زعمهم، وهنا تكمن الخطورة التي تستبطنها صرخة التحذير التي أطلقها الرئيس عون بربط عودة النازحين بالحل السياسي، وجعل النازحين رهائن لاستعمالهم أداة ضغط على سوريا وأيضاً على لبنان للقبول بما قد يفرض من حلول، فأي تسوية مستقبلية في المنطقة وفق هذه المعادلة لا بد أنها ستأتي على حساب لبنان، الذي لم يعد قادراً على تحمّل الأعباء الضاغطة عليه من كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024