معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

 اتهامات ترامب وتأثيراتها المحتملة على الانتخابات القادمة
31/12/2022

 اتهامات ترامب وتأثيراتها المحتملة على الانتخابات القادمة

عبير بسّام

لا يمكن أن يكون اليوم كما البارحة بالنسبة للولايات المتحدة، وخاصة بما يتعلق بالديمقراطية والأداء الديمقراطي للكونغرس الأميركي، لأن اتهام دونالد ترامب بالتآمر في الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني/ يناير 2021 متعدد الجوانب ويظهر انكباب الكونغرس على العمل لإدانة ترامب. وترامب محق حين يصف مطاردة معارضيه في السلطة له بأنه شيء يشبه "صيد الساحرات"، حين كانت محاكم التفتيش تطارد النساء اللواتي تغضب عليهن الكنيسة أو بالأحرى "السلطة" فتتهمهنّ بالسحر والشعوذة ويتم حرقهن.

مطاردة ترامب تظهر إفلاس كلٍّ من الديمقراطيين وبعض من الجمهوريين. فبعد نتائج الانتخابات النصفية، التي قرأ منها وبوضوح مزاج الشارع الأميركي وخسارة الديمقراطيين الأغلبية في الكونغرس، ليس هناك من أمل حقيقي لمعارضي ترامب. فالرئيس الأميركي الحالي والمرشح الديمقراطي لانتخابات 2024 جو بايدن لم يستطع تحقيق أي من الوعود التي أطلقها خلال حملته الانتخابية. ومن يتابع التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي سيجد أن هناك استياء كبيراً، من سياسته في استقدام المهاجرين ودفع التكاليف الباهظة لإسكانهم وتوزيعهم في مختلف الولايات الشمالية الأميركية، في وقت تزداد فيه معاناة البلاد من التضخم والغلاء. هذا إضافة إلى ضعف أداء بايدن في المحافل العامة، والتي أظهرته كرئيس متهالك.

وبالنسبة للجمهوريين فهم منقسمون، اذ يعتبر البعض أن ترامب بات عبئاً عليهم وأما البعض الآخر فلا يستطيع تجاوز الحقيقة، وهي أن شعبية ترامب ما تزال كبيرة بين قاعدة الجمهوريين. وبالنسبة للبعض سيشكل التقرير إن أقر العمل به، رافعة لترشح أمثال ليزا ديك تشيني المناوئة لترامب، التي أعلنت عن نيتها للترشح، رغم أنها خسرت أمام هارييت هايغمان مرشحة ترامب في ولاية وايومنغ، أو لربما سيمكن التقرير الجمهوريين من ترشيح الأكثر شعبية اليوم في داخل تنظيم الحزب، حاكم فلوريدا الحالي رون دوسانتيز.

خلال الانتخابات النصفية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، نصبت العديد من الفخاخ لمرشحي ترامب، لتحميله مسؤولية خسارة المقعد في مجلس الشيوخ. إذ إنه من المعروف أن أي مرشح يدقق في تاريخه وماضيه بهدف البحث عن ثغرات، ولكن تم إهمال هذه التحقيقات مع مرشح ترامب هيرش ووكر في جورجيا. اذ اتضح أن خسارة ووكر وفوز رافاييل وارنوك المنافس الديمقراطي، كان بسبب دفع ووكر تكاليف الإجهاض لصديقة سابقة، شهدت ضده أمام الإعلام، من أجل التخلص من حمل لم يرغب به كلاهما، وبذلك فهو خالف دعواته لمنع الإجهاض. وبخسارة ووكر خسر الجمهوريون تفوقهم في مجلس الشيوخ أمام الديمقراطيين، علمًا أن الفرق بين المرشحين في الأصوات كان 1% فقط لصالح وارنوك، وأن الاثنين هما من الأفارقة الأميركيين.

منذ شهر تقريباً بدأت الحملة الانتخابية الرئاسية في أمريكا. فكل من بايدن وترامب أعلنا ترشيح نفسيهما. ويبدو أنها ستكون حملة قاسية، خاصة مع الأوضاع السيئة التي تمر بها البلاد، ويبدو أن ترامب لديه شعبية شعبوية وليست نخبوية، وهذا النوع من الشعبوية لم تشهده الولايات المتحدة الأميركية منذ أيام جون كنيدي. غير أن الساسة الأميركيين من الحزبين الديمقراطي والبعض من الجمهوريين قد اتفقوا على هدف واحد، وهو الوقوف كحجر عثرة أمام ترشح ترامب. فقد فضح ترامب دور الديمقراطيين، وخاصة منافسته في انتخابات 2016 هيلاري كلينتون، في تأسيس تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق وسوريا، وأعلن خطط بلاده بكل صلافة، بالتفرد في حكم العالم من جديد عبر الخروج من جميع الاتفاقيات الدولية.

بالنسبة للديمقراطيين، لا خيار أمامهم اليوم إلا بإعادة ترشيح جو بايدن، بعد أن أعلن ترشحه لفترة رئاسية ثانية. إنجاز ذلك والفوز بالانتخابات القادمة يحتاج إلى عمل دؤوب لم يعد الوقت يسمح به، وخاصة فيما يتعلق بتحسين الواقع الاقتصادي المنهار في أمريكا في ظل الحرب المشتعلة في أوكرانيا والتي غرقت فيها واشنطن حتى أذنيها ولم يتبقَّ سوى دخولها المباشر فيها لتشتعل في عهد بايدن حرب عالمية أخرى، وأمريكا غير قادرة على ذلك لوجستياً وميدانياً، والمعطيات تقول أنه في حال حدث ذلك فسيكتب لها خسارة عظيمة.

ولم يبق أمام الديمقراطيين سوى سياسة الهروب إلى الإمام إذا ما أرادوا ربح الانتخابات في 2024، لذا فقد جاء تقرير الكونغرس حول أحداث 6 كانون الثاني/ يناير 2021 مبنياً على أساس اتهام ترامب بقضايا إهمال واجبه في حماية الأمن ومبنى الكونغرس والتحريض على الهجوم، وجاء في التقرير توصيات بالدفع نحو محاكمته بقضايا تتعلق بالأمن وحماية الديمقراطية الأميركية والدستور وهي مخالفات كبرى قد تجعل ترامب غير مؤهل للترشح للرئاسة في 2024، أو في أي وقت آخر، وبالتالي فقد يؤدي ذلك إلى تنحية منافس جمهوري هام من طريق بايدن المتهالك.

وهذا يعني أن اتهام ترامب بأحداث 6 كانون الثاني/ يناير 2021 أو اتهام شركاته بالتحايل الضريبي، في حال تمت محاكمة ترامب ووجد مذنبا فستكون المرة الثانية التي يفعلها الديمقراطيون لربح معركة انتخابية. اذ كانت الأولى في زمن نيكسون وتورطه بفضيحة ووترغيت، حيث حوكم في آب/ أغسطس 1974، وربح الديمقراطيون الانتخابات، وقام ردفورد بعدها بإصدار عفو عام عن نيكسون ولكن الأخير خرج ذليلاً من سباق الرئاسة، فهل يستطيع الديمقراطيون فعلها ثانية؟

اقترحت مجموعة من أعضاء مجلس النواب الديمقراطيين مؤخراً مشروع قانون لمنع ترامب من تولي منصب حكومي، كما أوصت لجنة التحقيق بمنع ترامب من تولي منصب حكومي أو فيدرالي مستقبلي، مستشهدة بالبند الرابع عشر من الدستور المعدل بالمادة 3، والذي ينص على أنه لا يجوز لأي شخص أقسم بالدفاع عن الدستور وكان متورطاً في "تمردٍ أو تمردَ" أن "يشغل أي منصب، مدني أو عسكري، في الولايات المتحدة".

ولكن بحسب ما نشر في "ناشونال ريفيو" في 30 كانون الأول/ ديسمبر فقد أسقطت اللجنة المختارة أمر الاستدعاء الذي أصدرته سابقاً بحق الرئيس السابق ترامب حتى تختتم تحقيقاتها. وفي تعليقه على الأمر قال ترامب: "ربما فعلوا ذلك لأنهم يعرفون أنني لم أفعل شيئاً خاطئاً، أو لأنهم كانوا على وشك الخسارة في المحكمة، أو لربما كان تورط مكتب التحقيقات الفدرالي في تزوير الانتخابات له دور في قرارهم. على أية حال، أمر الاستدعاء ولد ميتاً!". غير أن هزيمة الديمقراطيين إن حدثت في 2024 على الرغم من تقرير الكونغرس ستشكل ضربة مؤلمة لهم.

وعندها ستكون أموال دافعي الضرائب في أميركا قد صرفت على أمر لا طائل منه، وسيتحمل هؤلاء مسؤولية أعمالهم بالتأكيد.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات