آراء وتحليلات
مُخدّر "الفنتانيل" يغزو الولايات المتحدة بكميات كافية لقتل كل الأميركيين
د. علي دربج باحث ومحاضر جامعي.
تشهد الولايات المتحدة، هذه الايام، طفرة غير مسبوقة في استهلاك المخدرات الاصطناعية "الفنتانيل"، بعدما اصبح الملايين من الأميركيين مدمنين على هذا الصنف من حبوب الألم الموصوفة، بحسب الارقام والإحصاءات الصادرة عن الجهات الرسمية في امريكا.
وعلى الرغم من الجهود التي تقوم بها إدارة مكافحة المخدرات، لمكافحة صناعة المواد الأفيونية، لكن تدخل الكارتلات المكسيكية بالشراكة مع المافيات والعصابات في الداخل الامريكي، ادى الى ملء الفراغ، وشكل معضلة ومصدر قلق كبيرين للجهات الامنية في واشنطن.
ما هو مخدر "الفنتانيل"؟
يُعدّ "الفنتانيل" صنفا من المخدرات الاصطناعية، وهو أقوى بـ 80 إلى 100 مرة من المورفين، وهو اكثر فاعلية بـ 40 إلى 50 مرة من الهيروين.
يعود انتشار استخدام "الفنتانيل" الى عدة عوامل، وفي مقدمتها ان تجار المخدرات الأمريكيين الذين لطالما اعتمدوا لعقود على المخدرات النباتية مثل الهيروين والكوكايين والماريجوانا، أصبحوا يواجهون صعوبة او احيانا استحالة في الحصول عليها، كون زراعة الخشخاش وتحويله إلى مواد أفيونية، تستغرق شهورًا وتتطلب مساحات واسعة من الأراضي الزراعية.
وللاستعاضة عن ذلك، يلجأ هؤلاء التجار حاليا، إلى استخدام المواد الكيميائية في المختبرات السرية، لتصنيع مسحوق وحبوب "الفنتانيل" لتلبية الطلب المتزايد باستمرار في الولايات المتحدة، الذي تحتاج عملية إنتاجه بضعة أيام فقط.
ماذا عن الكميات التي اجتاحت الولايات المتحدة مؤخرا؟ وما هو عدد الوفيات الناجمة عنها؟
قبل أيام كشفت إدارة مكافحة المخدرات أنها ضبطت أكثر من 379 مليون جرعة قاتلة من "الفنتانيل" غير القانوني هذا العام، حيث تواصل منظمات تهريب المخدرات المكسيكية (بالتعاون مع العصابات والمافيات في الداخل الأمريكي) إغراق امريكا، بالمواد الأفيونية الاصطناعية الرخيصة المسؤولة عن أعداد قياسية من الوفيات الناجمة عن الجرعات الزائدة في الولايات المتحدة.
وأوضحت الوكالة أنها صادرت خلال العام الحالي أكثر من "4536" كلغم من مسحوق "الفنتانيل"، و50.6 مليون قرص "فنتانيل" مصنع وموزع بطريقة غير قانونية، وما يبعث على الصدمة أن هذا الرقم، وهو ضعف عدد الأقراص المضبوطة في عام 2021، عندما توفي أكثر من 107 آلاف أمريكي بسبب تعاطي جرعات زائدة من المخدرات، ووفقًا لبيانات الصحة العامة الأمريكية، كان سبب ثلثي هذه الوفيات هو "الفنتانيل".
الأكثر اهمية في كل ما تقدم، هو ما كشفته مديرة إدارة مكافحة المخدرات "آن ميلغرام" من أن المضبوطات التي سجلتها الوكالة هذا العام تحتوي على ما يكفي من هذه المادة المخدرة "لقتل الجميع في الولايات المتحدة"، البالغ عدد سكانها حوالي 330 مليون نسمة.
ليس هذا فحسب، فقد وجد تحقيق نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأسبوع الماضي، أن "الفنتانيل" غير القانوني، اضحى السبب الرئيسي للوفاة بالنسبة للأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و49 عامًا، حيث ارتفعت الجرعات الزائدة القاتلة من "الفنتانيل" بنسبة 94 بالمائة منذ عام 2019. فهذا العقار يودي الآن بحياة عدد أكبر من الأرواح في الولايات المتحدة، مقارنة بحوادث السيارات، أو عنف باستخدام السلاح أو حالات الانتحار.
أكثر من ذلك، فأرقام إدارة مكافحة المخدرات التي صدرت قبل أيام، لا تمثل في الواقع، الا عددا ضئيلاً فقط من حجم "الفنتانيل" غير القانوني الذي اكتشفته وكالات إنفاذ القانون هذا العام.
كما ان الإحصاءات، لا تشمل المضبوطات التي أحصتها هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية، على طول الحدود الجنوبية، حيث اكتشفت السلطات أكثر من 14 ألف رطل من "الفنتانيل" غير القانوني - وهو رقم قياسي - خلال السنة المالية التي انتهت في 30 ايلول/ سبتمبر الماضي.
علاوة على ذلك، صادرت هيئة الجمارك وحماية الحدود في الشهر الماضي، أكثر من 2,900 رطل من المخدرات على طول الحدود المكسيكية، وهو أعلى إجمالي لشهر واحد على الإطلاق، وفقا للأرقام الرسمية.
كيف يتم تهرب هذا الصنف من المخدرات؟
منذ تموز/ يوليو الماضي، تضاعف حجم "الفنتانيل" ــ الذي يتم ضبطه عبر حدود المكسيك ــ شهرياً عما كان عليه في نفس الشهر من العام السابق، وهو ما تسبب بتدهور تعاون الولايات المتحدة في مكافحة المخدرات مع المكسيك.
ولهذه الغاية، يعمل المهربون على صناعة هذا العقار على شكل أقراص مصممة لتشبه حبوب الألم التي تُصرف بوصفة طبية، أو مزج "الفنتانيل" في نوع خليط البودرة الذي يبحث عنه متعاطو المواد الأفيونية الساعون للحصول على جرعات أقوى. كما يقوم بعض تجار المخدرات في الولايات المتحدة أيضًا، بربط اصناف اخرى مثل "الميثامفيتامين" و"الكوكايين" والعقاقير غير المشروعة الأخرى، بمسحوق "الفنتانيل" لتعزيز الفاعلية وجذب المزيد من العملاء.
اللافت، ان صغر حجم عقار "الفنتانيل" يجعل تهريبه أسهل بكثير، فالمواد الأفيونية الاصطناعية قوية جدا، لدرجة أن إمدادات عام من مسحوق "الفنتانيل" النقي لسوق الولايات المتحدة، تناسب أسرّة شاحنتين صغيرتين.
وانطلاقا من ذلك، تقدر السلطات الأمريكية أنها تصطاد فقط من 5 إلى 10 في المائة من "الفنتانيل" غير القانوني الذي يعبر الحدود الجنوبية، بشكل أساسي في الشاحنات التجارية، وسيارات الركاب التي تصل إلى المعابر الرسمية.
من هنا، أصدرت إدارة مكافحة المخدرات تنبيهات الشهر الماضي، تحذر، من أن 6 من أصل 10 أقراص "فنتانيل" غير قانونية، تباع في شوارع الولايات المتحدة تحتوي الآن على جرعة قاتلة من العقار، بعدما كان الرقم العام الماضي، 4 من كل 10 أقراص.
وفي هذا السياق اوضح عملاء أمريكيون وآخرون في الخطوط الأمامية للأزمة، أن كارتلات المخدرات في امريكا، عززت فعالية أقراصها استجابة لطلب السوق الذي يستهلك جرعات أقوى.
وليس بعيدا عن ذلك، اشارت إدارة مكافحة المخدرات الامريكية، الى إن حبوب الفنتانيل التي تُباع في شوارع الولايات المتحدة غالبًا ما "تُصنع لتبدو متطابقة مع الأدوية الموصوفة الحقيقية - بما في ذلك "OxyContin" و"Percocet" و "Xanax" - ولكنها تحتوي فقط على مواد مالئة وفنتانيل" ، محذرة الأشخاص من محاولة شراء أي من تلك الأدوية القانونية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
واشارت الادارة الى إنها بدأت في تقديم إحصاء يتم تحديثه بانتظام لمضبوطات "الفنتانيل" لتتبع كمية المخدرات التي تصادرها الوكالة.
في الختام، ما يلفت الانتباه، ان المجتمعات التي تعاني من العنصرية، كأصحاب البشرة السوداء والملونة في الولايات المتحدة، فتكت بها آفة المخدرات بنسب كبيرة، إذ أصاب الوباء الشباب بسرعة مقلقة، وقتلت السود والأمريكيين الأصليين (الهنود الحمر) بشكل غير متناسب في السنوات الأخيرة. ففي عام 2020، زادت معدلات وفيات الجرعات الزائدة بنسبة 44 بالمائة للسود، و 38 بالمائة للأمريكيين الأصليين.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024