آراء وتحليلات
معركة جمهورية ـــ ديمقراطية ضد المساعدات الأميركية لأوكرانيا
د. علي دربج - باحث محاضر جامعي
شيئًا فشيئًا، تقل حماسة قسم كبير من المشرّعين في الكونغرس الأمريكي للدعم السخيّ والأسبوعي تقريبًا الذي تقدمه الولايات المتحدة للنظام الاوكراني، في محاولة لإلحاق خسارة كبيرة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهزيمة جيشه.
جديد هذا الجدل القائم منذ فترة هو تصعيد الجمهوريين نبرتهم الاعتراضية خصوصًا بعد سيطرتهم على مجلس النواب، بسبب سياسة العطاء دون مقابل التي تنتهجها ادارة الرئيس جو بايدن مع كييف بحيث لم تعد تقتصر الاعتراضات على الخطابات الرنانة أو التصريحات الانتخابية، بل تمت ترجمتها الى مشاريع قوانين في محاولة لفرض رقابة على المساعدات المالية والعسكرية الخارجة من أمريكا باتجاه أوكرانيا.
ما هي الاجراءات التي اتخذها الجمهوريون للحدّ من المساعدات الأمريكية لاوكرانيا؟
الأسبوع الفائت، خطا الجمهوريون خصوصًا اليمينيين منهم، خطوات غير مسبوقة بشأن المساعدات المفتوحة لكييف، حيث احتشدوا لدعم قرار كانت قدمته النائبة مارجوري تايلور غرين (جمهورية من ولاية جورجيا) للتدقيق في المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية لأوكرانيا.
ومع أن هذا القرار الذي جرى عرضه أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، جرى ابطاله بأغلبية 26 صوتا (للديمقراطيين) مقابل 22 صوتا (للجمهوريين) بسبب وحدة الديمقراطيين الذين ما زالوا يسيطرون على اللجنة - اعتبروا أن الإجراء يخاطر بإرسال رسالة إلى أوكرانيا مفادها أن دعم أمريكا للحرب موضع شك ـــ لكنه عُدّ بالمقابل إشارة قوية إلى إدارة بايدن، بأنها ستواجه عندما تتغير السيطرة على مجلس النواب العام المقبل، تدقيقًا أكثر صرامة بشأن دعمها للمجهود الحربي لكييف.
وتبعًا لذلك، قال النائب جريجوري ميكس من نيويورك العضو الديموقراطي الأعلى في اللجنة: "هذا ليس الوقت المناسب للانقسام.. لقد صمدنا مع الناتو والاتحاد الأوروبي وحلفائنا. دعونا لا نقع في هذا الفخ".
وردًا على ذلك، رفض الجمهوريون هذه الحجة، وأيدوا قرار غرين، التي تحولت بسرعة من عضو هامشي في مجلس النواب إلى صاحبة نفوذ يعتد به في الحزب.
في السياق ذاته، توعّد النائب مايكل ماكول من تكساس وهو أكبر عضو جمهوري في اللجنة - خلال تقديمه لمحة عن المعارك القادمة في الكونغرس ــ قائلا يجب على الإدارة أن تستعد لـ "المسؤولية والمساءلة".
ليس هذا فحسب، حذر ماكول ادارة بايدن قائلا "لقد انتهى عصر كتابة الشيكات على بياض"، مرددًا عبارة كان استخدمها النائب كيفين مكارثي (جمهوري من كاليفورنيا) في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والذي يسعى لأن يصبح رئيس مجلس النواب التالي. ومع أن مكارثي أوضح لاحقًا أنه يدعم المساعدات لأوكرانيا، لكنه لم ينف نيته ممارسة المزيد من الإشراف على المساعدات التي خصصها الرئيس بايدن لاوكرانيا، وتبلغ قيمتها عشرات المليارات من الدولارات.
على ماذا ينص القرار الذي تقدمت به النائب غرين بشأن المساعدات لاوكرانيا؟
يتطلب القرار الذي تبنته غرين من السلطة التنفيذية أن تحيل إلى الكونغرس جميع الوثائق والاتصالات المتعلقة بالمساعدة الأمريكية لأوكرانيا في موعد لا يتجاوز 14 يوما بعد تاريخ اعتماد هذا القرار.
ومع أن غالبية الجمهوريين اليمينيين أيّدوا القرار، لكن المفاجأة أن النائب غرين حصلت على دعم المعتدلين أيضًا، بما في ذلك النائبان ماكول وبيتر ميجر من ميشيغان.
أما الأكثر أهمية، فهو أنه بالرغم من الإطاحة بالقرار بالتصويت، فإن غرين لم تستسلم، وأعلنت أنها ستعيد تقديمه في الكونغرس المقبل بمجرد أن يحصل الجمهوريون على الأغلبية. وقد غردت بعد التصويت قائلة "نتولى المسؤولية في كانون الثاني.. هذا التدقيق سيحدث!".
علاوة على ذلك، صحيح أن الجمهوريين المتشددين على اقتناع تام بأن دعمهم لهذا القرار لن يسترد أي تمويل حالي أو مستقبلي لأوكرانيا، لكن هدفهم الأساس هو فرض وتعزيز المساءلة والشفافية عند مقاربتهم القضية الأوكرانية. وبناء على ذلك قال النائب تيم بورشيت من ولاية تينيسي: "لدينا مليارات ومليارات الدولارات التي تتدفق إلى بلد آخر".
بالمقابل، يرى الديموقراطيون أن أولويات الجمهوريين بعيدة عن الواقع الاوكراني الذي يعاني من الهجمات الصاروخية الروسية التي تنهمر على البنية التحتية الأوكرانية، معتبرين أنه سيكون هناك متسع من الوقت للنظر في الشفافية والمساءلة. فالكلمة الآن برأيهم للميدان وليست للمساءلة.
ماذا يقول استطلاع الرأي عن موقف الجمهوريين من المساعدات لاوكرانيا؟
التصويت على قرار النائب غرين جاء بعد انخفاض مستمر في دعم المساعدات لأوكرانيا بين الجمهوريين، وفقًا لاستطلاع حديث للرأي، إذ أظهر الاستطلاع الذي أجراه مجلس شيكاغو للشؤون العالمية، وكان صدر الاثنين الماضي، أن 55 بالمائة من الجمهوريين يؤيدون إرسال مساعدات عسكرية، مقارنة مع 68 بالمائة في تموز الماضي، و80 بالمائة في آذار/ مارس الماضي، فيما فضل نصف الجمهوريين تقديم مساعدات اقتصادية لأوكرانيا الشهر الماضي، مقارنة بنحو ثلاثة أرباع في آذار/ مارس، وفقا لنتائج مجلس شيكاغو.
أما على المستوى الشعبي، فقد وجد المسح أنه مع دخول الحرب الروسية في أوكرانيا شهرها العاشر، وعدم ظهور نهاية في الأفق، انقسم الأمريكيون حول ما إذا كان ينبغي لواشنطن أن تحث أوكرانيا على التوصل إلى تسوية سلمية وشيكة مع روسيا، إذ قالت أغلبية - 40 في المائة - إن على الولايات المتحدة أن تواصل مستوياتها الحالية من الدعم لأوكرانيا إلى أجل غير مسمى، في حين يفضل 53 بالمائة من الديمقراطيين هذا النهج.
اللافت أن هذه الأرقام تظهر تراجعًا في تأييد الأمريكيين للمساعدات مقارنة مع تموز/ يوليو الماضي، حيث قال 58 بالمائة من الأمريكيين إن على الولايات المتحدة مساعدة أوكرانيا طوال المدة التي تستغرقها الحرب، حتى لو كان ذلك يعني ارتفاع أسعار الغاز والغذاء للمستهلكين الأمريكيين. بينما الآن، يقول 47 بالمائة إن على واشنطن دفع كييف للتوصل إلى تسوية سلمية قريبًا، وهذا يعني انخفاضًا واضحًا في نسبة الدعم لأوكرانيا.
الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة كانت أعلنت عن 25 نوعًا من المساعدات العسكرية لأوكرانيا منذ آب/ أغسطس 2021. وشملت حزمة الشهر الماضي البالغة 400 مليون دولار، كمية من الأسلحة والذخائر ومعدات إضافية.
وبذلك، يكون إجمالي المساعدة العسكرية (فقط) الأمريكية لأوكرانيا، قد وصل إلى ما يقرب من 20 مليار دولار منذ تولى الرئيس بايدن منصبه. إضافة الى المساعدات العسكرية، أرسلت الولايات المتحدة الشهر الحالي 53 مليون دولار للمساعدة في إصلاح الأنظمة الكهربائية في أوكرانيا، والتي تعرضت لأضرار جسيمة من الضربات الصاروخية الروسية في الأسابيع الأخيرة.
في الختام، بات جليًا أن الانقسام بين الديمقراطيين والجمهوريين بشأن المساعدات لكييف سيبلغ ذروته مع بدء العمل التشريعي في الكونغرس العام المقبل، وسيكون مفتوحًا على كافة الاحتمالات.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024