معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

 ايران ترفع نسبة تخصيب اليورانيوم.. أي دلالات وأبعاد؟
24/11/2022

 ايران ترفع نسبة تخصيب اليورانيوم.. أي دلالات وأبعاد؟

شارل ابي نادر  

ربما كان انسحاب أميركا من الاتفاق النووي مع ايران متوقعًا، بعد أن وضعت واشنطن مبررات وادعاءات واهية تتجاوز بنود الاتفاق، وصوّبت على نقاط لم يرعها الأخير، مثل تطوير ايران لقدراتها العسكرية التقليدية ومن ضمنها الصواريخ الباليستية، أو التصويب على تعاظم النفوذ الايراني في المنطقة، والتي وضعها الرئيس السابق دونالد ترامب تحت عنوان "مخالفة روح الاتفاق ". ولكن، ما لا يمكن تفسيره هو أن تضغط واشنطن على ايران وتلاحقها ليلًا نهارًا، كي تلتزم ببنود الاتفاق الذي انسحبت هي نفسها منه وأدارت ظهرها لبنوده والزاماته، على الأطراف التي وقّعته.

هذه الازدواجية الأميركية في التعامل مع القرارات والاتفاقات الدولية لم تعد مقتصرة على سلوك واشنطن فحسب، بل انسحبت على الدول الغربية التي تدور في فلكها (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، والتي توصّلت عبر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى اصدار قرار يأمر إيران بالتعاون على نحو عاجل مع تحقيق الوكالة، في ما اعتبرته الأخيرة مخالفات ايرانية لمسار برنامجها النووي - والمحدد ببنود الاتفاق النووي الذي انسحبت منه واشنطن -  ومنها ادعاء مفتشي الوكالة المذكورة بوجود آثار لمادة اليورانيوم في 3 مواقع غير معلنة، أو غير مُصرّح عنها مسبقًا للوكالة من قبل منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، وذلك بالرغم من مضمون ما صرّح به يوم الجمعة الماضي رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي بأن "الوكالة الدولية للطاقة الذرية على علم بجميع نشاطات طهران"، وذلك بعد يوم من مطالبة مجلس محافظي الوكالة بتفسير لوجود آثار لليورانيوم في المواقع الثلاثة التي اعتبرها غير معلنة.

أمام هذه القرارات الغربية (العشوائية)، والمُظهَّرة بقرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، اتخذت ايران قرارًا برفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60 بالمئة في منشأة فوردو النووية، وذلك باستخدام أجهزة طرد مركزي "آي آر-6" الأكثر فعالية من تلك التي كان يسمح بها اتفاق عام 2015 (آي آر-2)، والذي حدد حينها نسبة التخصيب بـ3.67 حد أقصى، بعد أن كانت  ايران قد توصلت قبل الاتفاق المذكور إلى نسبة تخصيب 20 %، لتعود وتطلق مسار رفع التخصيب بعد انسحاب الأميركيين من الاتفاق.

وحيث تُعتبر - علميًا - مدة الوصول من نسبة تخصيب منخفضة لليورانيوم (تحت الـ 5%)، إلى نسبة 20% ومن ثم إلى 60 %، هي المرحلة الأصعب من مراحل التخصيب، والتي تستغرق الوقت الأكبر مع الحاجة إلى عدد كبير من أجهزة الطرد المركزي، فإن الوصول الى نسبة تخصيب 90 % من نسبة 60%، يعتبر سهلًا جدًا ويتحقق بوقت قصير نسبيًا، ليكون قرار ايران اليوم بالوصول إلى هذا المستوى من التخصيب (60 %) بفترة قد لا تكون بعيدة، وذلك تبعًا لفعالية مسار عمل أجهزة الطرد المركزي قرارًا حساسًا، يُسهّل ويُقرِّب بشكل أكيد عملية الوصول إلى مستوى تخصيب اليورانيوم بدرجة 90 %، وهي النسبة المطلوبة والكافية للتوصل إلى امتلاك قنبلة نووية.

في الواقع، ومن خلال متابعة مسار عملها وارتباطاتها بالأجهزة المخابراتية الغربية - الأميركية تحديدًا - لا يمكن اعتبار الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلاّ وسيلة من وسائل استهداف ايران والدول غير الصديقة للأميركيين، روسيا وكوريا الشمالية نموذجًا، وقرار الوكالة وتعاملها الفظ وغير العادل مع ايران رغم تعاون الأخيرة معها بكل شفافية، هو عنصر من عناصر مناورة استهداف ايران، مثله مثل مناورات استهدافها بتوتير ساحتها الداخلية واستهداف أمنها وتحريض مواطنيها على حكومتهم  وعلى مرجعياتهم السياسية والدينية، تمامًا أيضا مثل مناورة تقييد وعرقلة تطورها العلمي عبر اغتيال علمائها، وتمامًا أيضًا مثل مناورة الضغوط الاقتصادية والحصار والعقوبات التي تتعرض لها الجمهورية الاسلامية في ايران منذ انتصارها، لتصبّ كل هذه المناروات في اتجاه تحقيق هدف واحد وهو استهداف الثورة وتغيير النظام.

وعليه، تأتي قرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول برنامج ايران النووي والمتزامنة مع ما تتعرض له حاليًا الساحة الايرانية من حوادث وأعمال إرهابية مخططة ومدبرة خارجيًا، كمحاولة من الغرب المهيمن والموجه لعمل الوكالة المذكورة لاستغلال هذه الحوادث الأمنية - الارهابية واستغلال الاستهدافات الدموية لرجال الأمن الايرانيين، للضغط على طهران بالسير بتوجهاتهم والرضوخ لشروطهم على اعتبار أن ايران لن تستطيع مواجهة ضغوط الداخل مع ضغوط الخارج، وسوف تبحث عن طريقة أو وسيلة لكي تنجو بنفسها بمواجهة سيل الحوادث الخطيرة التي يتعرض لها نظامها اليوم.

من هنا، وأمام هذه السياسة العدائية الواضحة تجاه ايران، والتي تجاهر بها واشنطن وحلفاؤها أو (أتباعُها)، كان لا بد لطهران من اتخاذ أي إجراء يحصن موقعها وموقفها، فجاء قرار رفع نسبة التخصيب الذي كانت قد حذرت الغرب من حتمية الوصول لاتخاذه في حال تابع الأخير تجاهها سياسة الضغوط القاسية اقتصاديًا وسياسيًا، وفي حال واصل استعمال وتحريف الدور المناط أمميًا بالوكالة الدولية للطاقة الذرية للضغط على طهران، بهدف ارغامها على القبول بشروطه غير العادلة وغير المتكافئة للعودة إلى الاتفاق النووي وتجاوز مطالبها المتعلقة بتأمين ولو الحد الأدنى من الضمانات الضرورية التي تحفظ وتصون الاتفاق النووي، وبشكل نهائي.
 
وأخيرًا، يبقى الوصول إلى نسبة تخصيب 60% لليورانيوم بالنسبة لايران، مرحلة ذات طابع علمي مجرد، لا مفاعيل عسكرية خطرة لها، ما لم تتطور إلى مرحلة تخصيب اليورانيوم بدرجة 90%، والمنتجة للقنابل والرؤوس النووية، ولتكون فقط مرحلة الـ 60%، مرحلة ذات طابع ردعي أو تحذيري لتنبيه وتذكير الغرب بامكانيات وقدرات إيران فيما لو أرادت تفعيل هذه القدرات، ولدفعه لإيجاد الطريق الأنسب واقناع واشنطن اذا استطاع بالسير نحو الحل الطبيعي والعادل للملف النووي الإيراني، وحتى أن نسبة التخصيب الأخيرة (90%) تبقى دون مفاعيل تقنية - عسكرية خطيرة، اذا لم يواكبها ويرعها قرار بتصنيع وامتلاك القنبلة النووية، الأمر الذي يبقى غير وارد بالنسبة للقيادة الإيرانية.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات