معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

بعثة عسكرية روسية في فنزويلا.. وأسباب التوتر الاميركي
30/03/2019

بعثة عسكرية روسية في فنزويلا.. وأسباب التوتر الاميركي

شارل ابي نادر

لا شك أن التوتر المتعلق بالأزمة الفنزويلية يتصاعد. ورغم احتواء السلطة الفنزويلية للاشتباك السياسي الداخلي الى حد ما، وحصر امتداداته الداخلية قدر الامكان حتى الآن، والذي نتج عن خلق الولايات المتحدة الأميركية معارضة هجينة، قادها رئيس مجلس النواب خوان غوايدو ضد الرئيس الشرعي نيكولاس مادورو على خلفية اتهامات بتجاوز الدستور، فإن هذا التوتر المتصاعد بدأ يأخذ طابع الاشتباك الدولي الخطر، بعد ردة الفعل العنيفة للرئيس الأميركي دونالد ترامب حول وصول بعثة عسكرية روسية الى كاراكاس، وطلبه سحبها، مع التهديد باستخدام كافة الخيارات المتاحة.

فما هي بالتحديد أسباب التوتر الأميركي من البعثة العسكرية الروسية في فنزويلا؟ وأي دور ممكن أن تلعبه هذه المجموعة العسكرية "الرمزية" في الصراع الدولي حول فنزويلا؟

حسب المعطيات المتوفرة، فإن عدد هذه البعثة العسكرية الروسية التي وصلت الى كاراكاس لا يتجاوز المئة عنصر بين خبير ومستشار من رتب مختلفة. واللافت في بعض هذه المعطيات ايضا، أن من بين هؤلاء الخبراء من خدم في سوريا والتحق مباشرة من هناك مع البعثة. والتصريحات الرسمية الروسية والفنزويلية وضعت مهمة هذه البعثة في اطار تنفيذ اتفاقات عسكرية رسمية بين الدولتين، ومن غير الواضح اذا كانت هذه الاتفاقات قديمة تعود الى ما قبل الأزمة، أم أنها وقِّعَت خلالها وبسببها.

مبدئياً، 100 عسكري روسي، مهما كانت قدراتهم العسكرية، هم غير مؤهلين لإحداث تغيير أو فارق فعلي، من حماية أو مدافعة ضد أي تدخل عسكري أميركي مرتقب، فيما لو تم اتخاذ هكذا قرار ، والارجح، حتى لو ذكر الرئيس ترامب في تعليقه على الموضوع ان كل الخيارات مفتوحة لحمل البعثة العسكرية الروسية على الانسحاب من فنزويلا، أن خيار التدخل العسكري الأميركي يبقى الأبعد بين كافة الخيارات، وأسباب ذلك هي:

أولاً: الرئيس ترامب بطبيعته، وقد صرح بذلك في أكثر من مناسبة، يفضل الابتعاد عن استعمال القوة العسكرية (المكلفة ماديا)، وهو يذهب دائماً باتجاه الخيارات الأخرى، والتي تكون موجعة ايضا، مثل العقوبات الاقتصادية والضغوط  الديبلوماسية، وقد برهن ذلك في أكثر من ملف.

ثانياً: لصعوبة الخيار العسكري، حيث جغرافيا فنزويلا صعبة ومعقدة، والرئيس الفنزويلي يتمتع بدعم واسع من الجيش وأجهزة الأمن، ومن قبَل حاضنة شعبية كبيرة وواسعة، وايضا من قبل مجموعات شبه عسكرية مسلحة (دفاع شعبي).

ثالثاً: أيضاً، طريقة التدخل الخارجي في الازمة، والانقسام الدولي حولها، بين معسكرين متقابلين قويين، روسي وصيني وايراني مع عدة دول فاعلة من جهة، وأميركي مع حلفاء أقوياء من أوروبا واميركا الجنوبية والوسطى من جهة اخرى، تُعقِّد امكانية التدخل العسكري وتجعلها حساسة وخطيرة.

انطلاقا من استبعاد الخيار العسكري حتى الآن، واستنادا الى مسار الأمور كما حصلت في طريقة افتعال الأزمة أميركيا، من خلال ايجاد ثغرة دستورية والعمل عليها لتكوين معارضة داخلية مدعومة وبقوة من الخارج، ثم العمل على توسيعها (المعارضة) باستغلال العامل الاقتصادي والمادي والاجتماعي، بالتزامن مع فرض عقوبات اقتصادية قاسية، مع حجز أموال الدولة الفنزويلية الموجودة في الخارج، اضافة لمناورة محاولة ادخال مساعدات (مشبوهة) من دول مجاورة تخاصم فنزويلا، مثل البرازيل وكولومبيا، يمكن الاستنتاج ان الخيار الأكثر احتمالاً في التدخل هو قيام الولايات المتحدة الاميركية بمناورة خلق الفتنة والتوتر الداخلي والعمل على تفعيله، والانطلاق منه لتغيير سياسي، ولا توجد مشكلة طبعاً (بالنسبة للاميركيين) اذا كان دموياً.

هذه المناورة الأميركية أو المدفوعة والموجهة أميركياً، ستقوم على خلق وتوسيع الفتنة والتوتر الداخلي، وهذا لا يمكن أن يحدث الا عبر اجراءات توجيه المعارضة وادارتها من الخارج، وتنظيم تحركاتها من الداخل، حيث إن أي فتنة داخلية عنيفة، وخاصة مثل تلك التي ساهمت الولايات المتحدة الاميركية باحداثها، وما أكثرها عبر العالم، لا يمكن أن تقوم بمعزل عن اجراءات توجيه معارضين داخليا، وتأمين تواصلهم مع الخارج، ودفع هؤلاء لمواجهة رجال الامن والجيش، خلال عمليات الشغب العنيفة، والتي تؤدي الى صدام قاس، ومع توجيه بعض المعارضين المدربين على هكذا اعمال عنف، والمختصين اصحاب الخبرات بجرّ واستدراج الاجهزة العسكرية والامنية الى استعمال العنف، والذي يتحول الى عنف دموي، رغما عن تلك الاجهزة.

 هذا الحراك يحتاج عمليا الى ادارة فنية وتقنية عمادها الاتصالات ووسائل التواصل شبه العسكرية، من اجهزة اتصال الى اجهزة تنصت، الى أجهزة تشويش وعتاد الكتروني، لبث اخبار كاذبة وتحوير الاتصالات الهاتفية الى مضمون مختلف بطريقة فنية، وقد رأينا نموذجا قريبا من ذلك في الحراك الاجتماعي الشعبي الذي حصل في بعض مدن ايران منذ فترة غير بعيدة، حيث تبين وجود ثغرة فنية في اتصالات خارجية اقليمية ودولية ساهمت في توتير الاوضاع  وخربطة التواصل.

هنا، يمكن أن نستنتج سبب التوتر الاميركي من البعثة العسكرية الروسية، والتي سيكون دورها مساعدة الدولة الفنزويلية لمواجهة مناورة الفتنة الداخلية، من خلال العمل على كشف وتعطيل المناورة الالكترونية الفنية في الاتصالات والتشويش والتنصت وما شابه، وحيث ان الروس يملكون خبرات غير بسيطة في هذا المضمار، وخاصة انهم اكتسبوا هذه الخبرات في سوريا  من تواجدهم المشترك مع القوات الاميركية، فان مهمة البعثة العسكرية الروسية في فنزويلا سوف تقوم على افشال المناورة الاميركية المرتقبة لخلق الفتنة وتوتير الاوضاع الداخلية في فنزويلا، بالاضافة طبعا لتقديم صورة واضحة ودقيقة لحكومتها في موسكو عن مسار تطور الامور في الشارع الفنزويلي من الميدان مباشرة.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات