آراء وتحليلات
حرب الاستنزاف الروسية ضد الكتلة الامبريالية الغربية (1/3)
صوفيا - جورج حداد | خاص العهد
لم يعد الامر يحتاج الى الكثير او القليل من التحليل والتفكير وإمعان النظر لنرى بالعين المجردة:
1ــ الطابع العالمي للحرب الاوكرانية بين روسيا من جهة، والكتلة الامبريالية الغربية ــ اليهودية بمجملها، من جهة ثانية.
2ــ الطابع الشمولي لهذه الحرب: سياسيا ــ اعلاميا ــ ثقافيا ــ ماليا ــ اقتصاديا وعسكريا، بمعنى الحرب بالاسلحة الكلاسيكية، أولا، وبكونها ثانيا تضع العالم على حافة الحرب النووية، لثاني مرة بعد ازمة الصواريخ السوفياتية في كوبا في تشرين الاول 1962.
وتحاول البروباغندا الأميركية المتعجرفة والغبيّة، وأذنابها وأبواقها في كل مكان، الإيحاء بأن مسؤولية هذه الحرب تقع على عاتق شخص ـ أو زعيم ـ واحد، يوصف بأقذع النعوت، هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ولكن الواقع ــ ومن دون أي انتقاص من زعامته واسهامه الشخصي كقائد وطني روسي حقيقي، صلب ومقدام وحكيم ــ فإن فلاديمير بوتين يخطط ويقرر ويعمل، مسترشدًا برؤية جيوبوليتيكية عالمية، من ضمن الآلية الديمقراطية الروسية ومؤسساتها الشرعية والمسؤولة (مجلس النواب، ومجلس الوزراء، والهيئات القضائية والعسكرية والاقتصادية والمالية والاجتماعية المعنية، بالإضافة الى قيادة الحزب الحاكم، وبالتوافق مع كل الأحزاب الوطنية الحقيقية الروسية الرئيسية الأخرى، الموالية والمعارضة للسلطة) وهو محاط بفريق عمل ضخم ومتخصص بجميع الشؤون، ويضم رجالًا ونساء وطنيين ومشهودًا لهم، هم من أكبر الأدمغة في روسيا والعالم، ونذكر بعضًا منهم فقط من الذين تتداول الصحافة أسماءهم:
1ــ ألكسندر دوغين، الايديولوجي الوطني الروسي، صائغ نظرية الوحدة الأوراسية الشرقية التحررية، والدور الطليعي لروسيا فيها، بوجه الكتلة الامبريالية الغربية الأطلسية ــ اليهودية.
2ــ سيرغيي لافروف، مهندس السياسة الدولية لروسيا.
3ــ ديميتري ميدفيدييف، الرئيس الروسي سابقا ونائب رئيس مجلس الامن القومي حاليا.
4ــ ميخائيل ميشوستين، رئيس مجلس الوزراء الحالي.
5ــ سيرغيي شُوْيْغُو، وزير الدفاع.
6ــ فاليري غيراسيموف، رئيس اركان الجيش.
7ــ دنيس مانتوروف، وزير الصناعة والتجارة ورئيس المجمع الصناعي الحربي.
8ــ سيرغيي ناريشكين، رئيس المخابرات الخارجية الروسية.
9ــ الكسي كودرين، وزير المالية الحالي.
10ــ إلفيرا نابيولينا، رئيسة البنك المركزي الروسي.
11ــ الكسي ميلر، رئيس قطاع النفط والغاز والطاقة.
وكل ما قامت وتقوم به روسيا وقواتها المسلحة في أوكرانيا، انما تم ويتم بنتيجة بحث معمق وتخطيط جماعي مدروس وموزون بميزان الصيدلي.
ونخلص إلى القول إن حرب الاستنزاف الحالية، ضد الكتلة الامبريالية الغربية ــ اليهودية، التي بدأتها روسيا في أوكرانيا، ليست حرب فلاديمير بوتين وسلطته، بل هي حرب الجيش الوطني الروسي، وكل الشعب الروسي بمن في ذلك جميع الأحزاب الوطنية الحقيقية، الموالية والمعارضة للسلطة، وجميع المؤسسات الدينية، أي أنها حرب وطنية جديدة، على غرار ما كانت "الحرب الوطنية" ضد الغزو النابوليوني في 1812، و"الحرب الوطنية العظمى" ضد الغزو النازي الهتلري في 1941.
وفي مجمل الخطة الاستراتيجية، السياسية والعسكرية، التي طبقتها روسيا في الأزمة الأوكرانية حتى الآن يمكن رصد المجريات التالية:
قبل الانقلاب الفاشي في شباط/ فبراير 2014، كانت روسيا قد وجهت الدعوة الى أوكرانيا للانضمام الى منظمة الاتحاد الاقتصادي الاوراسي (الذي يضم روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وارمينيا)، وكانت أوكرانيا قد قدمت طلب الانضمام الى الاتحاد الاوروبي؛ وأعلن الرئيس الاوكراني الشرعي حينذاك فيكتور يانوكوفيتش موافقته على انضمام بلاده للاتحاد الاقتصادي الاوراسي وللاتحاد الأوروبي معًا. وكانت روسيا تأمل أن تضطلع أوكرانيا بدور مميز كجسر تواصل بين الاتحاد الأوروبي، من جهة، وروسيا والاتحاد الاقتصادي الاوراسي، من جهة ثانية.
وهذا ما أصاب بالغضب الشديد القيادات اليهودية العالمية والامبريالية الأميركية والناتوية، التي كانت تعمل بشكل حثيث لادخال أوكرانيا في حلف الناتو وتحضيرها كقاعدة انطلاق لاستفزاز روسيا ومهاجمتها، بدءًا من الأراضي الأوكرانية. ولهذه الغاية أوكلت تلك القيادات ملف أوكرانيا الى الدبلوماسية الاميركية فيكتوريا نولاند (وهي من أصل اوكراني - يهودي خزري. والاسم الاصلي لعائلتها هو نودلمان أو نودلمانز). ولا بد من الملاحظة هنا أن انطوني بلينكن وزير الخارجية الأميركية هو أيضًا من أصل أوكراني يهودي ــ خزري (اشكنازي).
وقد أشرفت نولاند (او نودلمان) "بنجاح" على تنظيم ما سمي "انتفاضة الميدان" الاوروبي، الذي تعاونت فيه قوى أقصى اليمين وامتدادات التنظيمات الاوكرانية النازية القديمة (انصار ستيبان بانديرا وغيرهم)، وتمكنت في شباط/ فبراير 2014 من تحقيق الانقلاب اليميني ــ الفاشي المعادي لروسيا، على طريقة "الربيع العربي" المشؤوم، حيث رفعت جميع الشعارات الفارغة الشعبوية: "الديمقراطية" و"حقوق الانسان" و"الاستقلالية" و"السيادية" و"الحضارية الاوروبية"، لتغطية أبشع الارتكابات الفاشية والداعشية. وتم اقتحام البرلمان الاوكراني، والتنكيل بالنواب المؤيدين لاستمرار التعاون الاخوي التاريخي مع روسيا، وأجبرت الحكومة الشرعية على الاستقالة، وتم تشكيل حكومة انقلابية يمينية ــ فاشية، تحت التهديد بهراوات البيسبول الغليظة المرفوعة فوق رؤوس النواب؛ وحينها هرب الرئيس الشرعي يانوكوفيتش مع عائلته الى روسيا، معتقدًا أنه يفتح الطريق لسيطرة اليمين الفاشي على السلطة سلميًا.
ولكن في الواقع بدأ حمّام دم حقيقي وحملة مطاردة وتنكيل وقتل وحشية في الشوارع وأماكن العمل، ضد الروس والناطقين بالروسية، وحرق بيوتهم. وفي أوديسا أرسل الملياردير اليهودي ـ الخزري ايغور كولومييسكي رجال المافيات التابعة له، الذين شاركوا مع رجال الشرطة المباعين والموالين للغرب في ارتكاب مجزرة ضد مؤيدي استمرار التعاون مع روسيا، وحينما لجأ مئات الناس الى مقر قيادة النقابات في المدينة للاحتماء به، لما له من حصانة معنوية، قام الانقلابيون ورجال كولومييسكي بإحراق البناء بمن فيه من الناس الذين احرقوا وهم أحياء، والذي كان منهم ينجح في الخروج من البناء، كانت تطلق عليه النار أو يتم تحطيم جمجمته بهراوات البيسبول الاميركية ويقتل في مكانه.
ونظرا لفظاعة ومفضوحية جريمة "بيت النقابات" في أوديسا، فقد وجهت الاتهامات الى كولومييسكي. ولغسل يديها من هذه المجزرة الفظيعة اضطرت الادارة الاميركية ذاتها "لمعاقبته!" باصدار أمر بمنعه هو وأفراد عائلته من السفر الى أميركا؛ ولكن لم توقع به أية عقوبات أخرى. وقد غادر هذا الملياردير اليهودي السفاح أوكرانيا الى "اسرائيل"، حيث لا يزال الى الآن هناك، دون أن تطالب أميركا بتسليمه للقضاء الأميركي. ولكن روسيا أحالته الى القضاء الروسي. ولذا فهو لم يعد يجرؤ على العودة الى أوكرانيا، مع أن "الرئيس" اليهودي ــ الخزري فولودومير زيلينسكي هو دمية لدى كولومييسكي، وهو الذي أوصله الى الرئاسة بالتعاون مع المخابرات الأميركية.
وبالاضافة الى مافيات كولومييسكي والعصابات النازية، شاركت في انقلاب شباط/ فبراير 2014 في أوكرانيا عائلة روتشيلد المليارديرية المعروفة، والمؤسسات "الثقافية" و"المدنية" للملياردير العالمي اليهودي جورج سوروس (صاحب "الايادي البيضاء" في "الربيع العربي"، والسي آي ايه، والموساد، والمخابرات البريطانية والاوروبية الاخرى.
وردًا على الانقلاب الفاشي الموالي للغرب في كييف، والحملة الوحشية المعادية لروسيا والأوكرانيين الروس والناطقين بالروسية، قامت في مقاطعات شرق وجنوب شرق لأوكرانيا، ذات الأغلبية الشعبية من الروس والناطقين بالروسية، انتفاضة شعبية معادية للفاشية، وأجريت في شبه جزيرة القرم وحوض الدونباس (مقاطعتا غدانسك ولوغانسك) استفتاءات شعبية طالبت باعادة الانضمام الى الوطن الأم روسيا. ولكن المؤسسات البرلمانية والحكومية والقضائية والعسكرية الروسية، بقيادة فلاديمير بوتين، ولأسباب جيوبوليتيكية عليا، أيدت اعادة ضم شبه جزيرة القرم الى روسيا، إلا أنها أجّلت النظر في طلب اعادة انضمام مقاطعتي الدونباس: غدانسك ولوغانسك. ولكنها اعترفت بانفصال المقاطعتين عن أوكرانيا وتأسيس جمهورية شعبية مستقلة في كل منهما؛ بل ووقعت روسيا اتفاقيات عسكرية وسياسية واقتصادية وغيرها مع الجمهوريتين الشعبيتين الجديدتين.
وكانت القيادة الروسية تفضل الابقاء على الدولة الاوكرانية، ومن ضمنها جمهوريتا الدونباس الشعبيتان (الروسيتان)، في اطار اوكراني فيديرالي أو كونفيديرالي يتم التفاوض والاتفاق على صيغته، وأن تضطلع أوكرانيا الاتحادية المفترضة بدور حلقة تواصل ايجابي بين روسيا ومنظمة الاتحاد الاقتصادي الاوراسي وبين الاتحاد الاوروبي.
وقد جرت بالفعل مفاوضات بين روسيا ودولة أوكرانيا (كييف) لوقف القتال ومن ثم البحث عن حلول سياسية للازمة. ولكن السلطة الاوكرانية الانقلابية، المندمجة أكثر فأكثر مع الفاشست والمافيات الاوكرانية، والموالية للغرب ولـ"اسرائيل"، كانت تستغل المفاوضات الروسية ــ الاوكرانية لكسب الوقت والامعان في سياستها العدوانية ضد روسيا والروس وضد المصالح الوطنية العليا للشعب الاوكراني؛ تمامًا على الطريقة الاسرائيلية في المفاوضات الاوسلوية العقيمة مع السلطة "الوطنية" الفلسطينية.
ومنذ الانقلاب الاميركي ــ الفاشي في كييف في شباط/ فبراير 2014، وحتى 22 شباط/ فبراير 2022، تاريخ بداية التدخل العسكري الروسي في شرق وجنوب شرق اوكرانيا، مارست السلطة الانقلابية ــ الفاشية الاوكرانية الموالية للغرب سياسة عنصرية اجرامية وتدميرية فظيعة ضد الجمهوريتين الشعبيتين المستقلتين في الدونباس. واحتشد عشرات الوف الجنود الأوكرانيين التابعين للانقلابيين جنبًا إلى جنب الفصائل المقاتلة للمنظمات الفاشية كـ"القطاع الايمن" وما يسمى "فيلق آزوف"، ومارسوا مجزرة متواصلة ضد السكان المدنيين في جمهوريتي الدونباس، فكانت أرتال الدبابات تشن الهجمات المتواصلة على خطوط التماس، والمدفعية والصواريخ تقصف كل شيء، وخاصة الأسواق والساحات العامة ومحطات القطارات والباصات والمدارس والمستشفيات والمجمعات السكنية، انتقامًا من المدنيين الذين اختاروا الخروج عن طاعة الانقلابيين الفاشست وأسيادهم الامبرياليين الغربيين والصهاينة. وقد وقع الاف القتلى والجرحى ومئات الاف المهجرين جراء تلك الجرائم. واستقبلت روسيا عشرات الاف العائلات التي فقدت بيوتها واللاجئين من الاطفال والنساء والرجال الذين فقدوا اهاليهم واقربائهم، ومنحت الجميع على الفور الجنسية الروسية التي تتيح لهم الحصول على جميع حقوق المواطنين الروس في العمل والطبابة والتعليم وحقوق الامومة والمعاشات التقاعدية (مع الاعتراف بفترة خدمتهم السابقة).
وطوال تلك الفترة السوداء، تحلت القيادة الروسية بالكثير من ضبط النفس. وكانت كل من الجمهوريتين المستقلتين قد شكلت جيشها للدفاع الذاتي، الذي تطوع فيه عشرات الالوف من المقاتلين الشعبيين المصممين على الدفاع عن بيوتهم وعائلاتهم وحريتهم واستقلالهم. وقد ساعدت روسيا في تسليح هذين الجيشين الشعبيين كما يجب. ولكنها مارست نفوذها لمنع اتخاذ قرارات اندفاعية باقتحام "خطوط التماس" ومهاجمة مواقع الانقلابيين الاوكرانيين ومطاردتهم حتى كييف واقتحامها.
وخلال فصول هذه التراجيديا المأساوية، كانت تصريحات الدوائر الاميركية والناتوية تتوالى بأنه لن يجري ضم اوكرانيا الى حلف الناتو، او أقله انه لن يجري النظر قريبا في هذه المسألة. ولكن الوقائع على الارض كانت تؤكد ان كل هذه التصريحات الهوائية لم تكن سوى اكاذيب الهدف منها "تطمين" القيادة الروسية ومحاولة خداعها. اما الافعال على الارض فكانت تكذب تلك الاقوال.
في الحلقة الثانية: تفاصيل الخطة الأميركية في استخدام الداخل الأوكراني ضد روسيا
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024