آراء وتحليلات
بين الميثاقية والدستورية.. أين الدستور؟
هاني ابراهيم
كثيرة هي المصطلحات والتعابير التي تستعمل في الحياة السياسية اللبنانية، إلا أن أكثر ما يواجهنا في هذا الاطار لا سيما عند التعرض للمسائل القانونية والاستحقاقات الدستورية هو مصطلح "الميثاقية".
ظهر هذا المصطلح وارتبطت به وبوجوده قانونيّة ودستوريّة كل خطوة تعتبر مخالفة للدستور أو "العيش المشترك" في المحطات الدستورية من استشارات نيابية، تكليف وتأليف الحكومات إلى الاجتماعات الحكومية ورئاسة الجمهورية، لا بل وصولًا إلى التعيينات في وظائف الفئة الأولى، ما جعل من هذا العنوان معيارًا أساسيًا لكل ما هو دستوري أو مخالف له تحت عنوان وتعبير "ميثاقي".
ولكن ما هي الميثاقية؟ وهل من مكان لها عندنا في الدستور المكتوب؟ ومتى ظهر هذا العنوان في لبنان لأول مرة؟ وما علاقة ذلك بالتركيبة المجتمعية للبنان؟ وهل هذا هو المعيار الأساس لها؟
بالرغم من علمنا المسبق بأن المعنى السياسي للكلمة هو الغالب لكن لا ضير من معرفة الميثاقية لغويًا، والتي عرفت بالوِثاق، أي القيد الشديد، فيما المعنى الأهم في هذا المجال ما ذكر في القرآن الكريم من أن الميثاق هو عقد مؤكد بيمين كما هو ظاهر في القرآن الكريم في سورة آل عمران آية 81: "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين".
أما في لبنان فترانا ننجر إلى المستنقع السياسي الذي يأخذك الى أكثر من اجتهاد وأبعد من رأي فيما خص هذا المصطلح والمعيار للدستور في لبنان.
أكثر الآراء الدستورية والقانونية تذهب باتجاه واحد ألا وهو أن المصطلح "ميثاقي" غير موجود في الدستور وليس هناك من نص مباشر يشير إلى هذه الكلمة لكي نعتبرها الزامية باستثناء بعض النصوص التي تشير إلى كيفية تقسيم الوظائف والفئات بين مكونات المجتمع اللبناني، وبناء على هذا التوجه يؤخذ الأمر حينها على أساس أنه ميثاقي أو غير ميثاقي.
وبما أن هذا المصطلح ارتبط بالدستور، وجدنا بالبحث بأن هذه العبارة ظهرت مكتوبة وللمرة الأولى بخطاب للرئيس رياض الصلح في البيان الوزاري الذي تلي أمام مجلس النواب بتاريخ 7 تشرين الاول/ أكتوبر من العام 1943 أمام المجلس النيابي. إلا أنه قد أشير إلى هذا الأمر وبصورة غير مباشرة من خلال دستور عام 1926 عندما نصت احدى مواده على أنه "بصورة مؤقتة والتماسًا للعدل والوفاق تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وبتشكيل الوزارة دون أن يؤول ذلك إلى الإضرار بمصلحة الدولة"، بالاضافة الى توزيع التمثيل النيابي أيضًا وصولًا إلى الجمهورية الثانية من عام 1989 أو ما يعرف بوثيقة الوفاق الوطني "الطائف" حيث كانت النسب على الشكل التالي % 54 للمسيحيين مقابل % 45 للمسلمين.
والجدير بالذكر هنا أن هذه المادة استمرت طوال عهدي الانتداب والاستقلال على قاعدة "توزيع عادل للمراكز والمناصب بين المسلمين والمسحيين كطائفتين رئيسيتين" حيث إن دستور عام 43 لم يغيّر أيّا من المواد 9 و 10و 95 ودستور عام 1926.
فكان التغيير الحاصل في عدد السكان وانقلاب الموازين الديموغرافية، وتم التوافق في الطائف على اعتماد المناصفة في كل المناصب والمراكز الى أن خضعت للتعديل في دستور 1989 ليصبح نصها كما يلي: "تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكل الوزارة".
جرى تثبيت هذا التوافق في مواد دستورية صريحة توّجتها الفقرة (ي) من مقدمة الدستور التي تقول بـ "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك".
وقد يسأل سائل أين هي الميثاقية في هذا الاطار؟ إن مجرد الاتفاق على المناصفة على التوزيع يعني أن مخالفة ذلك يؤدي الى خلل في تطبيق الدستور وبالتالي يعتبر غير ميثاقي.
واذا ما أردنا الغوص والبحث حول الأسباب الموجبة لهذه المواد، نجد أنه لا يوجد ما يشبهها في دساتير أي من البلدان الأخرى، حيث إن التركيبة المجتمعية للبنان المنقسم الى قسمين مسلم ومسيحي السبب المباشر وراء محاول تنظيم سير العمل الدستوري والتنظيم المجتمعي والوظيفي لهذا البلد الذي نعلم جميعًا كيفية تركيبه وكيف تم جمع أقضيته بعد اتفاقية سايكس بيكو المشهورة.
كل ما تم ذكره يأخذنا الى ما نصت عليه المادة 65 من الدستور من وجوب "اتخاذ قرارات مجلس الوزراء بالتوافق بينهم، وفي حال التعذر فبالتصويت بأكثرية الحضور". وهو أمر بديهي في البلدان الديموقراطية لجهة الاعمال والقرارات التي تؤخذ في المؤسسات الدستورية.
لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل تمت اضافة المواضيع التي تحتاج الى موافقة ثلثي أعضاء الحكومة الى هذه المادة بهدف عدم الاستفراد بالقرارات من أي جهة من الجهات.
وبالرغم من كل هذه الاحتياطات تفرّدت حكومة فؤاد السنيورة الأولى لتتميز بخرق هذه المادة وتجاوزها عندما اتخذت قرارات بمواضيع حساسة ومحورية خلال استقالة وزراء من طائفة وازنة في لبنان ما يعني فقدان هذه المؤسسة الدستورية التي اسمها مجلس الوزراء "شرعية ميثاق العيش المشترك".
لذا نرى أن الممارسة العملية تناقض الديموقراطية القائم عليها النظام السياسي في لبنان فهل الميثاقية اللبنانية تتناقض مع الديمقراطية اللبنانية، أم أنها مكملة لها؟
إن الميثاقية وحسب تفسيرات واجتهادات العديد من المعنيين والسياسيين تفرض اجماع المذاهب على تأييد أي قرار حتى يصبح نافذًا، في حين أن الديمقراطية تفرض حصول أي قرار سيتخذ على النسبة المحددة في الدستور، إما على أكثرية النصف أو الثلثين في حالات معينة ليتم اقراره ويصبح نافذًا.
جاء الميثاق الوطني ليمثل تكملة للدستور وتصحيحًا له في أكثر من اتجاه، حيث ثبّت أولًا صيغة المشاركة في السلطة بين الطوائف لا سيما المناصب الثلاث الأولى في الدولة وهي رئاسة الجمهورية، ورئاسة مجلس النواب ورئاسة مجلس الوزراء، وثانيًا، هوية لبنان ذي الوجه العربي، ودعا ثالثًا إلى أن لا يكون لبنان للاستعمار مقرًا أو ممرًا لما لذلك من دلالات جيواستراتيجية.
لذلك فإن الديموقراطية في لبنان هي الديموقراطية التوافقية، والتي تحتاج إلى اجماع بين مكونات المجتمع اللبناني التعددي لكي يكون أي قرار فيه نافذًا، وبالتالي تصبح الميثاقية هي محور القرار في لبنان وهي مكملة للديمقراطية القائمة على الأكثرية والأقلية ما جعل من لبنان بلدًا يتميز بالفرادة عن باقي الدول.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024