معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

الانتخابات النصفية الأميركية: تنافسٌ على استخدام الخطاب العنصري ضد "السود"
18/10/2022

الانتخابات النصفية الأميركية: تنافسٌ على استخدام الخطاب العنصري ضد "السود"

د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي

مع احتدام التنافس بين الجمهوريين والديمقراطيين في الأسابيع الأخيرة قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي المقرر اجراؤها في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، لجأ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وحزبه الجمهوري اليميني، الى تسعير خطابهم العنصري البغيض، وافراغ أحقادهم بحق الأمريكيين أصحاب البشرة السمراء، في محاولة لاجتذاب الناخبين الإنجيليين والمتطرفين والمتعصبين البيض.
 
وبخلاف ما تدّعيه الولايات المتحدة، باحترامها لقيم الإنسان والتزامها بحقوقه الأساسية، وعدم التفرقة بين مواطنيها على أساس الجنس واللون، إلا أن سجلها الأسود الحافل بالممارسات العنصرية والعبودية، يدحض ويفضح هذه المزاعم، بالرغم من أن ظهور حركة الحقوق المدنية في امريكا، ساهم في مرحلة ما، في التخفيف من حدة التصريحات العنصرية التي كانت تقابل سابقًا بالادانة (الصورية الدعائية) من كلا الطرفين الجمهوري والديمقراطي، لكن يبدو أن هذا يتلاشى الآن، بحسب المراقبين، مع  بروز الترامبية المتوحشة التي أصبحت تلقى رواجًا كبيرًا في المجتمع الأمريكي الذي هو بالأصل عنصري بامتياز.

ما هي أبرز مظاهر الخطاب العنصري للجمهوريين؟

لا يخفى على أحد أن الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، نجح في حشد واستقطاب جمهور كبير من المتطرفين والمتعصبين والانجيليين وألهب مشاعرهم، بالاعتماد على تصريحاته وخطبه ونداءاته العنصرية المتكررة، وقد تلقف السياسيون، خصوصًا الجمهوريين اليمنيين منهم هذا السلوك، فعمدوا الى استنساخه في محاولة لتحصيل نقاط ضد منافسيهم الديمقراطيين.

وتبعًا لذلك استحضر الجمهوريون في حملاتهم الانتخابية، حقدهم الدفين المجبول بالعنصرية والذي تجلى من خلال التصريحات التي أطلقها عدد من أعضاء الكونغرس الجمهوريين ضد السود والتي جاءت على الشكل التالي:

ـ خلال تجمع حاشد للجمهوريين في ولاية نيفادا في 8 تشرين الاول/ أكتوبر الجاري، أشار السيناتور تومي توبرفيل (جمهوري) الى أن "السود مجرمون". كما وصف الديمقراطيين بأنهم "مؤيدون للجريمة"، وتابع "يريدون الجريمة، لأنهم يريدون السيطرة على ما حصلتَ عليه. يريدون السيطرة على ما لديك. إنهم يريدون تعويضات لأنهم يعتقدون أن الأشخاص الذين ارتكبوا الجريمة مدينون بذلك".

ولإيضاح العلاقة بين الجريمة والديمقراطيين، لا بد من الاشارة الى أنه كان هناك نقاش حول تقديم تعويضات لأحفاد ذوي البشرة السمراء المستعبدين في الولايات المتحدة في البلاد منذ عقود. ويبدو أن السيناتور تروبرفيل يربط السود بالجريمة بهدف التحريض على قضية التعويضات في ولايته التي تعد ساحة معركة يقاتل فيها الجمهوريون للحصول على مقعد واحد في مجلس الشيوخ، من المحتمل مع هذا المقعد أن يتمكنوا من تحصيل الأغلبية في المجلس.

ـ بعد يوم واحد، أي في 9 تشرين الاول/ أكتوبر وفي ولاية أريزونا، استندت النائبة مارجوري تايلور غرين (جمهورية من ولاية جورجيا) إلى نظرية "المؤامرة البديلة" في اجتماع حاشد لجمهور ترامب لدعم مرشح الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ، بليك ماسترز، وجمهوريين آخرين. حينها قالت غرين للحضور "هناك خمسة ملايين من الأجانب غير الشرعيين المؤيدين لجو بايدن، على وشك ان يأخذوا وظائفكم وأماكن أطفالكم في المدارس، وهم قادمون من جميع أنحاء العالم، ليستبدلوا ثقافتكم".
الجدير بالذكر أن نظرية "المؤامرة البديلة" تدّعي أن النخب يستوردون المهاجرين "ليحلوا محل" البيض، "وهذا ليس رائعًا بالنسبة لأمريكا" وفقًا للجمهوريين.

ـ في ولايتي أوهايو وأريزونا، استخدم المرشحون الجمهوريون لمجلس الشيوخ، لغة مشابهة لغرين. ففي ولايتي ويسكونسن ونورث كارولينا، واجه المرشحون الديمقراطيون لمجلس الشيوخ، وابلًا من الإعلانات عن الجريمة التي تتضمن لقطات للمتهمين السود.
بالمقابل انخرط بعض الديمقراطيين ــ الذي يخفون حقيقة نظرتهم الدونية التمييزيّة تجاه الأعراق الأخرى ــ في لعبة الخطاب العنصري، حيث برزت فضيحة خاصة بهم في لوس أنجلوس، بعدما أدلى أعضاء مجلس المدينة الديمقراطي وزعيم عمالي بتصريحات عنصرية.
 
ماذا عن لغة ترامب وخطابه العنصري؟

في وقت مبكر من هذا الشهر، استخدم ترامب لغة عنصرية في الإشارة إلى "إيلين تشاو"، وزيرة النقل (تايوانية المولد) السابقة في إدارته ــ زوجة زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل (جمهوري من كنتاكي) ـــ  واصفا إياها بـ "كوكو تشاو" في استهداف غير مباشر لزوجها ماكونيل.
الأدهى، أن هذه السخرية العنصرية، قوبلت بصمت نسبي من قبل الجمهوريين المتحمسين لتجنب الاصطدام مع الرئيس السابق قبل انتخابات التجديد النصفي.

وتعقيبًا على ذلك، كشف السيناتور ريك سكوت (جمهوري من فلوريدا) خلال مقابلة على شبكة "سي إن إن"، انه عندما طُلب منه الرد على الهجوم على زوجة ماكونيل، قال "إن الرئيس يحب أن يعطي الناس ألقابًا". وبعد الضغط عليه، أكد أنه من غير المقبول أبدًا أن تكون عنصريًا.

لماذا يستخدم الجمهوريون السودَ لمهاجمة الديمقراطيين؟

إثارة النعرات العرقية الأكثر دقة في الإعلانات التي تركز على الجريمة، تشكل إحدى الأدوات الأكثر رواجًا التي يستخدمها هؤلاء المرشحون الجمهوريون مع الجماعات المتطرفة، لمهاجمة الديمقراطيين باعتبارهم متساهلين مع الجريمة.

بالمقابل، فإن الديمقراطيين يعتبرون ضعفاء بشأن هذه القضية، وبالنظر إلى ارتفاع جرائم القتل في العديد من المدن الكبيرة التي يقودها الديمقراطيون، الأمر الذي يستغله الجمهوريون، ويقولو إنهم يسلطون الضوء ببساطة على مشكلة تؤثر على جميع الأمريكيين.

أما أبرز تلك الاعلانات، فهي التي تلك واجهت "شيري بيسلي"، وهي قاضية سابقة في المحكمة العليا في نورث كارولينا ترشح نفسها لمجلس الشيوخ الأمريكي، وقد تم ضخ ما لا يقل عن مليوني دولار من هذه الإعلانات الهجومية التي اتهمتها بالتساهل مع الجريمة. وفقًا لتحليل "أد. إمبكت" (شركة امريكية كبرى متخصصة بالإعلانات)، أحد هذه الإعلانات كان دفع ثمنها نادي المحافظين لـ Growth PAC، وهي تعرض لقطة لرجل أسود متهم باعتداء جنسي، ويلوم "بيسلي" على عدم اخضاعه لنظام المراقبة. (في عام 2019، انضمت "بيسلي" إلى أغلبية أعضاء المحكمة في الحكم بأن الجناة لا يمكن أن يخضعوا لمراقبة نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) مدى الحياة لمجرد أنهم ارتكبوا جرائم متعددة. كما استهدفت إعلانات مماثلة تظهر لقطات مجردة للمتهمين السود، المرشح الديمقراطي لمجلس الشيوخ مانديلا بارنز في ولاية ويسكونسن.

بالنسبة للمراقبين للمشهد الانتخابي، إن مثل هذه الإعلانات مصممة لتفعيل التحيز العنصري بمهارة وإثارة الغضب والخوف، والذي غالبًا ما يكون أكثر فاعلية من الرسائل العنصرية العلنية.

في المحصلة، يأمل قادة الحقوق المدنية، في أن تتحسن البيئة السياسية بعد الانتخابات النصفية، لكنهم قلقون من أن كل هجوم عنصري جديد يزيد من تراجع الالتزام بالمعايير والضوابط الاخلاقية لدى المتنافسين، في بلد يفتقد سياسيوه الى الأخلاق الانسانية، وبات القتل والجريمة وسيلتهم المثلى لنشر ديمقراطيتهم المزعومة.

الانتخابات النصفية في أميركا

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل