معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

الجبهة الداخلية للعدو في مرمى معادلات المقاومة
06/10/2022

الجبهة الداخلية للعدو في مرمى معادلات المقاومة

إيهاب شوقي

 

رغم المواقف الشجاعة والنبيلة للمقاومة التي تقدم دومًا المصلحة العامة على المصالح الذاتية، إلا أن السجالات الداخلية في لبنان تستمر وتستمر معها حملات التشكيك التي خرجت لتغير الحقائق الساطعة بانتصار إرادة المقاومة وتستبدلها بأطروحات ساذجة ومغرضة توحي بأن المقاومة أعطت شرعية لتنازل الدولة عن خطوط للترسيم كانت من حق لبنان!

ورغم كل ذلك، فإن المقاومة ترفّعت عن السجالات ولم تطلب من أحد جزاء أو شكورًا، ولكنها سعت فقط لإثبات فشل الرهانات على أمريكا، وفشل الاستقواء بها وبذيولها، وأن إرادة المقاومة وقدراتها وجمهورها الذي يشكل بيئة حاضنة صلبة، يتكفلون بهزيمة العدو ومَن وراءه وإجبارهم على الهرولة لتدارك الأزمات وتجنب المواجهات.

وهنا لا بد من بعض التوضيحات لبعض النقاط التي بلورتها المستجدات، وبعض نقاط أخرى يجدر التأكيد عليها:

1- للمرة الأولى ورغم كل السجالات الداخلية، تصبح الجبهة الداخلية اللبنانية أكثر وحدة من الجبهة الداخلية للعدو الصهيوني، وهو ما ينبغي أن يغرس الثقة ويتم البناء عليه في العديد من الملفات الأخرى.

2- للمرة الأولى أيضا، يصبح لبنان هو صاحب المبادرة والفعل، ويصبح الكيان المؤقت هو المتلقي والمنوط به التعامل مع معادلة المقاومة.

3- كان لافتا من طبيعة السجالات داخل الكيان الصهيوني حجم الارتباك السياسي، واللافت أنه قد طرحت للمرة الأولى شعارات التخوين والتفريط والاتهامات بالجبن والخضوع للمقاومة، وهو انتقال من مرحلة الخلافات السياسية حول الرؤى الأمنية والاقتصادية إلى مرحلة من الخلافات الشخصية المتعلقة بالتخوين وهو حدث نادر ربما لم يحدث منذ اغتيال "اسحق رابين" والذي قاد عملية أوسلو وحاول إقناع الصهاينة بضرورة اتفاق مع الفلسطينيين بعد تنامي الانتفاضات والمقاومة رغم كونه من كبار مجرمي الحرب الصهاينة، وهو ما ينذر باحتمالات تجدد للاغتيالات ومزيد من التمزق الصهيوني الداخلي.

4- المقاومة صرّحت كثيرًا بأنها غير معنية بــ"الترسيم" لأنها لا تعترف بحدود مع الكيان الذي لا تعترف به من الأصل، وكل ما أقدمت عليه المقاومة هو خطوة على طريق انتزاع حقوق لبنان المغتصبة والمعطلة بفعل الحصار، وأوكلت للدولة اللبنانية تعيين الحدود كإجراء عملي يسمح بالبدء في حلحلة الاقتصاد اللبناني وإنقاذ الدولة والشعب من الانهيار الاقتصادي.

أما قضايا الحدود والخطوط فهي ليست على أجندة المقاومة، بينما على أجندتها الاستراتيجية هدف التحرير وزوال الكيان والتفاهم على الحدود مع فلسطين الحرة من النهر إلى البحر.

والمتابع لسجالات الكيان وحجم الاعتراف الصهيوني بمدى فاعلية مبادرة المقاومة وتهديداتها وجديتها، لا بد من أن يستخلص أمرين رئيسيين:

الأول: هو أن لغة القوة هي اللغة المناسبة للتعامل مع الصهاينة والأمريكيين، حيث لا يفهم هؤلاء سوى القوة والجدية بينما يفترسون الضعفاء أو ذوي الشعارات الفارغة غير المستندة الى المصداقية.

الثاني: أن الكيان أوهن من بيت العنكبوت وأنه مهما بلغت قوته وتهديداته إلا أنه ضعيف أمام أصحاب الحق المستند الى قوة وأن المقاومة كفيلة بالحفاظ على الحقوق وردع هذا الكيان.

يبقى هنا أن نقول إن الأمر لم ينجز بعد وإن المعادلات لا تزال باقية حتى لو أنجز الهدف، وذلك لأسباب دولية، وأسباب تتعلق بالكيان المؤقت:

- فيما يتعلق بالأسباب الدولية، نرى أن المسار الراهن هو مسار للتصعيد يشهد معارك صفرية، ولا أفق فيه لتسويات واحترام متبادل لحدود القوى، بل قد يشمل معارك مفتوحة لا تعترف بالجغرافيا السياسية، وهو ما ينذر بانعكاسات على الإقليم وخاصة في مجال الطاقة، إضافة إلى إعادة توظيف المرتزقة والثورات الملونة، وهو ما ينذر بإعادة توظيف الفتن الداخلية في بلدان محور المقاومة كبديل عن المواجهة المباشرة وكلفتها، وهو ما يستوجب الحذر والاستنفار.

- وفيما يتعلق بالعدو، فإن المعركة الانتخابية وما تشمله من سجالات ومزايدات، جاء ملف كاريش وملف "الترسيم" على أجندتها، بل وفي صدارة عناوينها، قد يحمل ذلك معه نذر تراجع، إذا ما وجد لابيد مستقبله السياسي مهدد، وقد يفضل الكيان خيار الحرب لتوحيد جبهته، بدلا من تجنب الحرب الذي يمزق الجبهة الداخلية، وهو ما يستوجب أيضا الحذر والجهوزية.

ولعل نتنياهو الذي يلوح بأن مصير الاتفاق سيكون مثل الاتفاق النووي وأنه سيتراجع عنه بدعوى عدم قانونيته، يوضح جانبا من جوانب غدر العدو وهنا لا بد من أن يعلم نتنياهو وغيره جيدا أن معادلة المقاومة باقية ولا تسقط بالتقادم.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات