آراء وتحليلات
البرازيل 2022: بولسونارو رجل "CIA" يمهد للفوضى.. الانتخابات مزوّرة مسبقًا
د. علي دربج باحث ومحاضر جامعي.
يتوجه البرازيليون اليوم الى صناديق الاقتراع، وبيدهم مفتاح الخلاص لانقاذ بلادهم من براثن ديكتاتورية اليمن المتطرف المتمثل بالرئيس جايير بولسونارو، الذي عاث خرابا وفسادا بلدهم، وحوّله الى مسرح للجريمة المنظمة، وساحة للعصابات بعدما شرّع استخدام السلاح، حتى ان ارتكابات وأفعاله تخطت حدود دولته، وهددت الطبيعية البشرية بأسرها من خلال جرائمه بحق رئة العالم (اي غابات الأمازون)، التي شهدت في عهده، تدهورا خطيرا في حالتها، بعدما تم القضاء على حوالي 20 بالمائة من غاباتها واشجارها( بتواطئ من بولسونارو نفسه).
فالتقديرات الامريكية السنوية الأخيرة، تؤكد ان اعمال التخريب وقطع للغابات الجارية، هي الأسوأ منذ 15 عاما، حيث كان بولسونارو، قد تعهد بإدخال التعدين وقطع الأشجار وغيرها من الصناعات إلى الأمازون.
لكن مهلا، قد تكون جميع هذه الموبقات والصفات التي يحملها بولسونارو صاحب السلوك المتفلت من الضوابط والأخلاق الانسانية في كفّة، والقواسم المشتركة التي تجمعه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب (اشهر شخصية فضائحية في امريكا) في كفة أخرى.
بولسونارو حرض الغوغاء على الاحتجاج ضد القضاء والكونغرس بشعارات مناهضة للديمقراطية. لقد رفض قبول هزيمة ترامب لفترة طويلة. وأشاد ابنه السيناتور بمثيري الشغب اليمينيين الذين هاجموا مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني/ يناير. وعلق بولسونارو قائلا بأن "الانتفاضة كان يمكن أن تنجح إذا كان المتظاهرون مسلحين بشكل أفضل".
من هو بولسونارو ومن أوصله الى رئاسة البرزايل؟
كان بولسونارو، وهو ضابط سابق في الجيش، عضوًا هامشيًا في الكونغرس البرازيلي، يسعى لفترة طويلة للحصول على الرئاسة، وحقق حلمه في عام 2018 عندما سُجن المرشح الأوفر حظًا آنذاك لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، في اعقاب قرار مسيس للمحكمة العليا البرازيلية، قضت فيه، بعدم أهلية لولا للانتخابات الرئاسية في تشرين الأول/ اكتوبر من نفس العام، على اثر اتهامه بقضايا فساد ملفقة (كما ظهر لاحقا غداة تبرأته في العام 2019).
لطالما عبّر بولسونارو عن إعجابه بالديكتاتورية العسكرية حتى خارج حدود البرازيل. فخلال زيارته لشيلي، امتدح ديكتاتورية بينوشيه، مما تسبب في إحراج مضيفيه التشيليين.
ومع تسلمه رئاسة البلاد، أسقط الرئيس بولسونارو بمفرده الصورة العالمية والإقليمية للبرازيل من خلال سياساته وخطابه الانعزالي. لقد شوه صورة بلاده، وأثار غضب القادة الأجانب بتعليقاته المبتذلة، لا سيما مهاجمته للنساء.
علاوة على ذلك عطل بولسونارو عملية التكامل الإقليمي، ونفر بلدان أمريكا اللاتينية الشقيقة. وقام بتحويل البرازيل إلى منبوذة عالميا. وخفض ايضا، المبادرات المتعددة الأطراف لوزارة الخارجية البرازيلية، وتجاهل سياسات التضامن التقليدية، بين بلدان الجنوب، التي انتهجتها الحكومات السابقة.الاكثر خطورة، ان بولسونارو، قام بتسييس القوات المسلحة وعسكرة الحكومة المدنية. وقد ضم عدة آلاف من الأفراد العسكريين في مختلف مستويات الحكومة المدنية. فيما الهدف من فعل ذلك، هو استخدام هؤلاء المسؤولين العسكريين لدعمه من الداخل. فضلا عن ذلك، أفسد بولسونارو النظام الديمقراطي والمؤسسات والمعايير الديمقراطية للبرازيل بشكل منهجي.
ما هي إنجازات الرئيس لولا؟
يمتاز بولسونارو بشخصيته الميالة نحو الاجرام، ففي مقابلة صحفية مع قناة بثتهTV Band البرازيلية في عام 1999، قال ان "الانتخابات لن تغير أي شيء في هذا البلد". وأضاف "سوف يتغير فقط في اليوم الذي تندلع فيه الحرب الأهلية هنا ونقوم بالعمل الذي لم يفعله النظام العسكري ، قتل 30 ألف شخص. إذا قتلنا بعض الأبرياء ، فلا بأس ، لأن الأبرياء يموتون في كل حرب ".
كان لولا، وهو زعيم نقابي سابق، رئيسًا لفترتين من عام 2003 حتى عام 2010 ، عندما ساعدت برامجه الاجتماعية، التي تم تمويلها إلى حد كبير من خلال طفرة السلع الإقليمية، في انتشال الملايين من الفقر.
يثير لولا الإعجاب ليس في البرازيل فقط بل وخارجها. ولا يشبع المتحدث الساحر، "وحش" المنصات الجماهيرية كما يصفه الاعلام الغربي، من مخاطبة الحشود وعناقها، وقد ترك بصمته على نصف قرن من الحياة السياسية في البرازيل.
عندما كان رئيسًا، تحدى لولا، هيمنة الولايات المتحدة والسياسات النيوليبرالية التي فرضها إجماع واشنطن في أمريكا اللاتينية. وتنافس مع الولايات المتحدة على القيادة في أمريكا اللاتينية، وشكل لها نداً شرسا.
حاول لولا، إعادة رئيس هندوراس مانويل زيلايا إلى السلطة، حيث كان أطيح به في انقلاب دعمته الولايات المتحدة في عام 2009. اما اكثر ما أغاظ واشنطن، هو ان لولا نسف، مع الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، والرئيسة الارجنتينية "كريستينا فيرنانديز دى كيرتشنر، المبادرة الأمريكية لتشكيل منطقة التجارة الحرة للأمريكيتين في مار ديل قمة بلاتا للأمريكتين 2005.
اكثر من ذلك، اتخذ لولا مبادرات لتحقيق التكامل الإقليمي لأمريكا اللاتينية من خلال تشكيل جماعة دول أمريكا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي، واتحاد أمم أمريكا الجنوبية. وهذه كانت تهدف إلى إعطاء قوة جماعية للمنطقة التي من خلالها يمكن مقاومة الهيمنة الأمريكية.
وليس هذا فحسب، رفع لولا الصورة الإقليمية والعالمية للبرازيل، وعمل مع الآخرين من أجل عالم متعدد الأقطاب، وتحدي الأحادية للولايات المتحدة.
كيف ساعدت الـ CIA بولسونارو للوصول الى الحكم في العام 2018.
شكل بولسونارو نقطة تقاطع مع السياسة الامريكية التي لطالما تجاوزت المنطق والقوانين والأعراف الدولية. فالأمريكيين، كان لديهم سبب بالاتيان ببولسانور، لكن لا علاقة له بالديمقراطية أو البرازيل.
في الواقع كانت واشنطن آنذاك، تريد مساعدة بولسونارو في هزيمة لولا ، لأنهم يعتبرون لولا تهديدًا لمصالح الولايات المتحدة.
لهذا السبب، عمل مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووكالة الأمن القومي، ووكالة المخابرات المركزية مع المدعي البرازيلي سيرجيو مورو الذي تدرب في الولايات المتحدة، على تلفيق فضيحة فساد عرفت بملف "لافا جاتو" وتمكنوا من وضع لولا في السجن، ومنعه من خوض الانتخابات الأخيرة. فيما كوفئ مورو، من قبل بولسونارو الذي عينه لاحقا وزيرا للعدل.
كيف كانت علاقة بولسونارو بواشنطن والـ CIA؟
يعد بولسونارو أول رئيس برزايلي موالي للولايات المتحدة. خلال زيارته إلى الولايات المتحدة عام 2019 ، غرد: "لأول مرة منذ فترة ، يصل رئيس برازيلي مؤيد لأمريكا إلى عاصمتها".
اثناء الزيارة، في تصرف لافت ونادر، قام بزيارة بولسونارو بزيارة غير عادية لمقر وكالة المخابرات المركزية. وكانت هذه الخطوة غريبة حقا. إذ لا يوجد رئيس أجنبي يذهب إلى مكتب وكالة المخابرات المركزية.
وفقًا للبروتوكول الدبلوماسي ، كان ينبغي أن يكون مدير وكالة المخابرات المركزية هو الذي كان يجب أن يدعوه وليس العكس. بعد الزيارة ، وصف بولسونارو في تغريدة على "تويتر"، وكالة المخابرات المركزية بأنها "واحدة من أكثر وكالات الاستخبارات احتراما في العالم". وفي تموز 2021 ، زار رئيس وكالة المخابرات المركزية برازيليا، وأجرى محادثات مع بولسونارو.
اما ذروة انصياعه لامريكا، فقد تمثلت باجباره الدبلوماسيين البرازيليين على التصويت مع الولايات المتحدة، على قرارات الأمم المتحدة التي صوتت البرازيل ضدها أو امتنعت عن التصويت عليها في الماضي. وهذا ما جعل الأمريكيين سعداء للغاية به. إذ لم يكن بوسع أحد أن ينفذ أجندة أمريكا ضد البرازيل أفضل من بولسونارو. لذا فإن الأميركيين، من الطبيعي انهم يريدون فوز بولسونارو وخسارة لولا.
يشير بولسونارو وترامب، إلى بعضهما البعض، على أنهما حلفاء ورفاق، خاضوا نفس المعارك ضد المؤسسة الليبرالية الغربية. فقد صعد كلاهما إلى السلطة وسط موجة من الغضب المناهض للنظام. ايضا، كانوا يعتمدون على الدعم الدائم من الناخبين الإنجيليين وبعض النخب التجارية. كذلك اكتسبوا سياسيا من خلال انتشار المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي، واعاقوا العمل العالمي الجماعي بشأن تغير المناخ، وانتابهم الغضب، بسبب القيود التي فرضتها عمليات الإغلاق ايام كورونا .
يهدد بولسونارو وأبناؤه (الذين يصفهم البرازيليون بالفاشيين) بشن هجمات على غرار واشنطن العاصمة إذا خسر بولسونارو الانتخابات. وطلبوا من مؤيديهم شراء الأسلحة والاستعداد. لتسهيل ذلك .
ما هو موقف واشنطن من بولسونارو في انتخابات 2022؟
يعرف الأمريكيون اللاتينيون من تجربتهم السابقة، كتاب الطبخ الأمريكي، الذي كان (وما زال) يحتوي على وصفات للانقلابات وزعزعة استقرار الحكومات الديمقراطية غير الصديقة لهم، إضافة الى دعمهم للديكتاتوريات العسكرية في المنطقة.
وفقًا لتقارير وسائل الإعلام، خلال قمة الأمريكتين في حزيران الماضي، طلب بولسونارو من الرئيس جو بايدن المساعدة لهزيمة لولا، وذكر أن لولا "خطر على المصالح الأمريكية". صوّر بولسونارو نفسه على أنه حامي المصالح الأمريكية في البرازيل. بعد هذه الواقع اصبح من الواضح سبب دعوة الأمريكيين لبولسونارو الديكتاتوري (بحسب توصيف الغربيين)، ومنحه صورة فوتوغرافية في لوس أنجلوس مع الرئيس بايدن.
فلدى كل من بولسونارو والولايات المتحدة أجندة مشتركة لهزيمة لولا. لكن لولا يتقدم في استطلاعات الرأي، ومن المرجح أن يفوز على الرغم من مزيج من الحيل القذرة لوكالة المخابرات المركزية وعشيرة بولسونارو.
جعل بولسونارو البرازيل غابة سلاح. فبحسب معهد Igarapé "ومنظمات المجتمع المدني" الأخرى تبين أن عدد الأسلحة الصغيرة التي يملكها المدنيون قد تضاعف ثلاث مرات تقريبًا بين عامي 2018 و 2021 .
ما هي حظوظ كل من لولا وبولسونارو للفوز بالرئاسة؟
تظهر آخر استطلاعات الرأي أن بولسونارو يتخلّف عن منافسه الرئيسي وخصمه لولا بهامش كبير. حيث حافظ لولا على تقدمه في نوايا التصويت بفارق 14 نقطة على بولسونارو.
وعليه، إذا فاز لولا، بأكثر من 50 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى اليوم الأحد ، فسيكون ذلك كافياً لتأمين الرئاسة دون الحاجة إلى جولة ثانية مباشرة ضد بولسونارو.
على المقلب الاخر، يشير الخبراء، انه في حال فوز لولا، فإن هذا الفوز لن يمر مرور الكرام، خصوصا ان بولسونارو قرأ الكتاب الإرشادي لملهمه ترامب. فلأكثر من عام، سخر بولسونارو من عمليات الانتخابات البرازيلية وشكك في نزاهة الاقتراع الوشيك. ولهذا (وعلى خطى ترامب) يصر بولسونارو على أن نظام التصويت الإلكتروني في البلاد معرض للخطر، ويشكك به على الرغم من أن بولسونارو نفسه انتخب أيضا من قبل نفس النظام.
المقلق بالنسبة للبرزايليين، ان بولسونارو كان قد قال مرارًا وتكرارًا أن أي هزيمة انتخابية لن تكون إلا بسبب التزوير ـ وهي نتيجة لن يقبلها أنصاره أبدًا، وانطلاقا من هذه النقطة، يلوح بولسونارو باستخدام القوة في حال خسارته الانتخابات.
وبينما يعتقد عدد قليل من المحللين أن كبار الضباط في البلاد سيؤيدون اغتصابا مناهضا للديمقراطية للسلطة، قد يكون لدى بولسونارو تكتيكات أخرى في الاعتبار، مثل استدعاء مؤيديه للنزول إلى الشوارع، او إحداث اضطراب، خصوصا إذا كانت هناك جولة ثانية، او يمكنه محاولة تقويض النتائج أو فرض حالة الطوارئ حتى يتمكن من تأجيل الجولة الثانية حتى العام المقبل".
تم تسريع نحو 40 مرسومًا وقواعدًا رئاسية مؤيدة للأسلحة النارية. كما تسجل أكثر من 40 ألف جريمة قتل سنويًا في البرازيل، معظمها مرتبط بالسلاح.
من هنا، توقع ماريو براغا، المحلل في شركة الاستشارات الدولية Control Risks، أن البرازيل "قد تشهد عدم استقرار سياسي في الأشهر المقبلة"، ولكن ليس بالضرورة "تمزق ديمقراطي".
في المحصلة، حتى لو لم يتمكن بولسونارو من قلب النتائج أو إحباطها، فيمكنه اختيار رفض ترك منصبه. ولا يزال احتمال تنظيم حدث برازيلي على غرار 6 كانون الثاني/يناير الامريكي، حيث قد يسعى أنصار بولسونارو ـــ الذين يغذيهم عداء شبه وجودي ضد لولا وحزبه اليساري ــ الى مقاطعة التصديق القانوني على الأصوات في برازيليا، كما فعل أتباع حليفه ترامب..
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024