آراء وتحليلات
مؤشرات جديدة لفشل المشروع الصهيوني
إيهاب شوقي
تنقسم بعض الآراء داخل النخب العربية حول القوة الفعلية الراهنة للعدو الإسرائيلي، فبينما يرى المنتمون لمعسكر المقاومة أن العدو في مسار الهبوط والزوال، يرى البعض الآخر أن الأمر لا يزال مبكرًا وأن العدو يحتفظ بقوته وأن المقاومة تبالغ في إبراز ضعف العدو على أسس غير واقعية.
ولأن هذه الخلافات قد تؤثر على قطاعات جماهيرية بشكل سلبي، حيث تضعف من معنويات الشعوب وتوحدها وفقدانها للأمل في الخلاص من الاستعمار وتضعف ثقتها في قواها الحية وقدرتها على التحرر الوطني، فإن الأمر بحاجة فعلية لمناقشة ولتوضيح الكثير من الأمور.
أولا: لعل الآراء التي تتهم المقاومة بالمبالغة في تشخيصها تستند إلى الضعف الرسمي العربي ومسار التطبيع الخائن أكثر مما تستند إلى قوة ذاتية للعدو، كما تستند إلى العدوان المتكرر للعدو على سوريا وغياب رد عملي على العدو وتثبيت قواعد للاشتباك تردعه.
وهنا ينبغي توضيح أن الأنظمة التي تطبع مع العدو لا تنطلق من واقعية سياسية تعترف بقوة العدو واستحالة هزيمته، بل تنطلق من زمالة في نفس المعسكر الأمريكي، وتنطلق من ربط مصيرها بمصير المشروع الأمريكي بالمنطقة وخصومتها مع المقاومة ومع نزعة التحرر الوطني لدى الشعوب لأنها تشكل خطرا على عروشها.
كما أن الوضع المعقد والمتشابك في سوريا والتي تمثل عقدة للصراعات وملتقى لجبهات الصراع الدولي والإقليمي، يعطل تشكيل معادلات رادعة تقليدية، لأن سوريا تحولت إلى كيان أكبر من دولة وحدود إلى كيان يشكل جبهة كبرى لا يمكن إدراج قواعد اشتباك تقليدية بها، بل الواقع يفرض قواعد اشتباك دولية متعددة الأطراف تتطلب تنسيقا كبيرا وردودا بالغة الدقة والحساسية، وهو ما ينبغي العمل على إعداده وعدم السماح للعدو باستغلال التعقيدات لتصوير تفوق وهمي، وهو ما نظن أنه يتم الإعداد له والعمل عليه بجدية كبيرة.
ثانيا: فائض القوة الخارجي لأي "دولة" لا بد من أن ينطلق من فائض قوة داخلي، والكيان المزعوم لا يتمتع بهذا الفائض الداخلي، بل يشهد تراجعًا ضخمًا في القوة الاقتصادية وترديًا للخدمات، كما يشهد واقعًا سياسيًا غير مسبوق في هشاشته وانقساماته، ويشهد انكشافًا أمنيًا كبيرًا يجعل أجهزة الأمن في حالة استنفار دائم، ناهيك عن الانكشاف الاستراتيجي وانعكاساته على الوضع الداخلي.
ولعل الفشل المتكرر في تشكيل حكومة مستقرة والتبديلات المتتابعة لمقاعد القوى السياسية يعكس حجم الارتباك الجماهيري والتفسخ المجتمعي وغياب رؤية موحدة للكيان وقادته ومستوطنيه. ولا شك أن سيطرة التطرف على أي كيان هو انعكاس مباشر لليأس والفشل في فرض أمر واقع على وسط محيط مقاوم لا يكف عن المطالبة بحقوقه ويرفض الإذعان والاستسلام.
وبرصد مسار الصراع الدولي الراهن، فإن المدقق يراه يصب في صالح القوى الحية وقوى المقاومة ولا يصب في الصالح الصهيوني وذلك لعدة أسباب:
1- تحولت المعركة الدولية من معركة لتعديل موازين القوى وضبط النظام العالمي وإعادة صياغة قواعده لنظام متعدد الأقطاب، إلى معركة وجودية، وباتت التهديدات بحرب عالمية واستخدام الأسلحة النووية تصريحات متداولة بعد أن كان مجرد التلويح بها من الخطوط الحمراء.
وفي هذه المعركة الوجودية اصطف العدو اصطفافًا صريحًا مع أمريكا وفشلت كل محاولات التأرجح أو مجرد الانحياز الآمن، بل بات العدو الاسرائيلي طرفا في المواجهة مع روسيا.
كما اصطفت ايران والمحور في معركة تغيير النظام العالمي، حيث هناك تحالفات باتت وثيقة مع روسيا وطائرات من دون طيار إيرانية يعترف العدو بأنها غيرت مسار الهجوم المضاد في شرق أوكرانيا.
ومن أحدث مصاديق الاصطفاف والدخول لمرحلة جدية في الصراع، هو قرار العدو الإسرائيلي نقل الأسلحة إلى أوكرانيا لمواجهة الطائرات من دون طيار، ومن المعروف رسميًا، أنه يُحظر توريد هذه الأسلحة إلى أوكرانيا، لكن الحكومة الإسرائيلية غضت الطرف عن صفقة بين الجيش الأوكراني وشركة إسرائيلية تعمل في تطوير وإنتاج نظام متقدم مضاد للطائرات من دون طيار، وقد تم إبرام الصفقة رسميًا بين الجانب الإسرائيلي وبولندا، حيث يتم إرسال أنظمة القتال بالفعل إلى أوكرانيا، وهذا يعني الاشتباك المباشر بين العدو الإسرائيلي وفريق القوى الصاعدة الساعية لتغيير وضبط النظام العالمي.
2- انتقال محور المقاومة إلى المبادرة، وهو ما حدث بملف الطاقة وتحديدا معادلة "كاريش"، وتطوير القوات الجوية الإيرانية لأسراب هجومية من طراز سوخوي 35 والكشف عن الصواريخ الهجومية اليمنية وتصاعد المقاومة الشعبية في سوريا والعراق وفشل أمريكا في تحديد هوية المقاومة التي تستهدف وجودها في سوريا في حقل العمر والتنف وعلى الحدود العراقية، إضافة إلى تدشين انتفاضة مسلحة بالضفة، وهو ما يعني أن مسار المقاومة في تصاعد هجومي وهو مؤشر على توازنات جديدة للقوى لم تعد بها قوى المقاومة مردوعة أو مكتفية بتثبيت المعادلات، بل تكتسب في كل يوم أراضيَ جديدة بمسار معادلات اكثر تقدما.
إن الرسالة الواجب وصولها للجماهير هي أن المعركة الوجودية مع العدو حتمية وموقوتة، وإن كانت ليست نزهة بل لها كلفتها، إلا أن الثقة بقدرات المقاومة ومحورها يجب أن تكون متوفرة وكبيرة، وأن النصر مكفول للمقاومة وأن زوال العدو ليس شعارًا ولا يتطلب معجزة، بل يكفي أن يوقن الكيان وشعبه أن المشروع الصهيوني فاشل وغير ذي جدوى وليس له وجود آمن، وهو ما شكل الصورة بأن الزوال ربما سيكون على هيئة تسارع للمستوطنين والمغتصبين إلى المطارات لترك هذا الكيان وإخلاء الأرض لأصحابها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024