آراء وتحليلات
الليثيوم والصناعات العسكرية: الصين تتحكم بأميركا والعالم
د. علي دربج ـ باحث ومحاضر جامعي
في العقدين الماضيين، كثّفت الشركات المملوكة للصين استثماراتها في استخراج ومعالجة ما يسمى بـ "المعادن الاستراتيجية" في أمريكا اللاتينية ـ بما في ذلك الليثيوم والنيكل ـ والتي تعرّفها الولايات المتحدة بأنها "non-fuel metals"، وهي ضرورية للأمن الاقتصادي والقومي للولايات المتحدة.
كما تقوم تلك الشركات المملوكة بتعميق استثماراتها في الموارد المعدنية الأخرى في ذاك الجزء من العالم - بما فيها النحاس وخام الحديد، والذهب - والتي، على الرغم من عدم تعريفها بأنها "استراتيجية"، إلا أنها تعمل كأساس تكنولوجي لمجموعة من المستهلكين، إضافة الى استخداماتها المتعددة في الطاقة النظيفة، والتقنيات العسكرية.
ما هو موقع الصين العالمي على صعيد الاستثمار في الليثيوم؟
تعد الصين موطنًا لما لا يقل عن 85% من قدرة العالم على معالجة خامات الأرض النادرة، وتحويلها إلى مواد يمكن لمصنعي المواد التكنولوجية استعمالها في صناعاتهم، وفقًا لشركة الأبحاث Adamas Intelligence.
ومع استمرار ارتفاع الطلب على "الليثيوم" والمعادن الهامة الأخرى - بسبب الاتجاه الدولي المتزايد نحو تقنيات الطاقة النظيفة خصوصا بطاريات "الليثيوم ـ أيون(*)" القابلة لإعادة الشحن - استغلت الصين الفرصة لتأمين حصتها من موارد "الليثيوم" العالمية، وتكريس نفسها رقما صعبا لا يمكن مزاحمته في هذا المجال.
وبناء على ذلك، سرّعت بكين جهودها لتوسيع نفوذها في "مثلث الليثيوم" تمهيدا لحملة أوسع بهدف بناء شبه احتكار او السيطرة على سوق الليثيوم العالمي، خصوصا وان إنتاج "الليثيوم" العالمي، قفز العام الماضي بنسبة 21 بالمائة، مدعومًا بارتفاع الطلب على بطاريات "الليثيوم أيون" القياسية في الصناعة.
الصين ودول "مثلث الليثيوم" العالمي
يمثل "مثلث الليثيوم"، الذي يضم الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي، حوالي 56% من إمدادات "الليثيوم" العالمية، وبين عامي 2018 إلى 2020 ، استثمرت الصين ما يقرب من 16 مليار دولار في مشاريع التعدين في مثلث "الليثيوم"، ومن المرجح أن تستمر في الاستثمار في تلك المنطقة. وفي حال استحوذت بكين على العديد من عمليات تعدين الليثيوم في الأرجنتين وتشيلي وبوليفيا، عندها يصبح بمقدورها السيطرة على عمليات الليثيوم الإقليمية والعالمية.
الاستثمارات الصينية في الأرجنتين
تعد الأرجنتين رابع أكبر منتج في العالم لمعدن البطاريات بعد أستراليا وتشيلي والصين، استنادًا إلى بيانات المسح الجيولوجي الأمريكية. وتسمح المشاركة الاقتصادية للصين في صناعة تعدين الليثيوم في الأرجنتين، بتأسيس مركز أقوى في سوق الليثيوم العالمية، مما يقوض عمليات التعدين الأمريكية المستقبلية داخل المنطقة.
وتمتلك الأرجنتين 21 بالمائة من احتياطيات الليثيوم العالمية، وقد وقعت كل من شركة Ganfeng Lithium الصينية، ووزارة التعدين الأرجنتينية، في 17 ايار/ مايو 2021، مذكرة تفاهم، لتأمين التطوير المدعوم من الصين لمصنع تصنيع بطاريات الليثيوم في مقاطعة جوجوي الارجنتينية.
وفي 4 شباط / فبراير 2022 ، أعلنت "شركة زيجين للتعدين" المملوكة للصين، عن خطط لاستثمار 380 مليون دولار لبناء مصنع جديد لتكرير الليثيوم في مقاطعة كاتاماركا الشمالية في الأرجنتين.
وفي 11 تموز/ يوليو الماضي أعلنت "شركة جانفينج ليثيوم ـ اكبر منتجات لمركّبات الليثيوم في الصين" أنها ستشتري شركة التعدين الارجنتينية "Lithea" في صفقة قدرت بـ 962 مليون دولار، بحسب موقع Mining Weekly (متخصص بصناعة التعدين).
وفي 28 تموز/ يوليو الماضي ايضاً، أعلن وزير الصناعة الأرجنتيني دانيال شيولي أن شركتي التعدين (Ultra Argentina SRL) و (Zangge Mining) ستستثمران حوالي 290 مليون دولار أمريكي في صناعة تعدين "الليثيوم" في البلاد وعلى مرحلتين:
1ـ 40 مليون دولار في استكشاف وتطوير مشروع (Laguna Verde Lithium) في مقاطعة كاتاماركا الشمالية الغربية.
2ـ توظيف نحو 250 مليون دولار لبناء مصنع لمعالجة كربونات "الليثيوم" في المنطقة.
ماذا عن الاستثمارات الصينية في الليثيوم في تشيلي؟
لم يختلف أو يقل اهتمام الصين بتشلي كمنتج لليثيوم، عن نظيرتها الارجنتينية. تملك تشيلي 20 % من إنتاج التعدين العالمي من الليثيوم ـ بحسب "رويترز".
في 4 تشرين الاول/ أكتوبر 2018 ، منحت محكمة مكافحة الاحتكار في تشيلي " شركة التعدين الصينية (Tianqi Lithium)، الحق بالاستحواذ على 24 بالمائة، من منافستها التشيلية شركة "سوسيداد كيميكا إي مينيرا دي تشيلي" (SQM) ، في صفقة قدرت بحوالي 4.07 مليار دولار. وعليه من شأن هذه الصفقة ان تمكن بكين من الحفاظ على هيمنتها الاقتصادية داخل صناعة تعدين الليثيوم التشيلية.
ما يجدر معرفته ان شركة SQM في تشيلي، تدير واحدة من أكبر عمليات إنتاج "الليثيوم" في العالم. ففي 14 كانون الثاني/ يناير 2022 ، منحت وزارة التعدين في تشيلي لشركة Build Your Dreams الصينية، عقدًا بقيمة 61 مليون دولار، واستنادا لهذا العقد، سيصبح بمقدور الصين استغلال 80 ألف طن من "الليثيوم". أما الأكثر أهمية فهو ان هذا التوسع الأخير الذي يمثل 1.8%، من احتياطيات الصين المعروفة من "الليثيوم"، فضلا عن انه سيزيد من هيمنة الموارد الصينية في أسواق "الليثيوم" العالمية، حيث كانت استوردت بكين لوحدها في العام 2021 حوالي 39 % من "الليثيوم" التشيلي.
ما هو حجم استثمار الصين لـ"الليثيوم" في بوليفيا؟
امتد التعاون الاقتصادي لبكين في صناعة التعدين الى بوليفيا الدولة التي تمتلك أكبر احتياطيات غير مستغلة من "الليثيوم" في العالم يقدر بـ 21 مليون طن، بحسب "الفايننشال تايمز".
اضافة الى ذلك، تعهدت بوليفيا في 18 ايلول/ سبتمبر 2016 ، بتصدير 10000 طن من "الليثيوم" المعالج، إلى الصين بحلول عام 2021.
اكثر من ذلك، كانت بوليفيا منحت في 17 ايار/ مايو 2018، شركة هندسية صينية، 96 مليون دولار لتطوير مصنع لكربونات "الليثيوم". وفي 6 شباط/ فبراير 2019 ، بدأت شركة "الليثيوم" الحكومية البوليفية (YLB) Yacimientos de Litio مشاريع مشتركة مع مجموعة Xinjiang TBEA الصينية.
ونتيجة لذلك، استحوذت مجموعة TBEA على نحو 49% من شركة "الليثيوم" الحكومية البوليفية، مقابل ملبغ قدره 2.3 مليار دولار. تضمنت الصفقة تطوير العديد من مصانع استخراج ومعالجة "الليثيوم"، الواقعة في منطقة باستوس غرانديس وكويباسا البوليفية. وبذلك، أثمر تطوير مصانع إنتاج "الليثيوم" الصينية البوليفية، عن انتاج 146000 طن من "الليثيوم" سنويا. من هنا فإن هذا الاستثمار الاستراتيجي الصيني، عزّز التعاون الاقتصادي البوليفي، وسيمكّنها حتما، من الاستفادة او استغلال نحو تسعة ملايين طن من احتياطيات "الليثيوم" غير المستغلة في غير منطقة من بوليفيا.
سيطرة بكين على إنتاج "الليثيوم" في العالم يهدد أميركا
تهدد هيمنة بكين الاقتصادية داخل مثلث "الليثيوم" القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية، مما يؤثر على إمدادات الليثيوم للمعدات العسكرية لواشنطن.
فبين عامي 2016 إلى 2019 ، شكلت الصادرات الأرجنتينية والتشيلية 90 بالمائة من إمدادات "الليثيوم" في الولايات المتحدة، إذ تعتمد القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية بشكل أساسي على إمدادات ثابتة من "الليثيوم".
وما يفاقم قلق واشنطن هو ان غالبية أنظمة الأسلحة والأنظمة الملاحية والاتصالات العسكرية الأمريكية، تستخدم بطاريات "ليثيوم ـ أيون"، وعليه فإن الهيمنة الصينية على أسواق "الليثيوم" ستضع الولايات المتحدة وإنتاجها العسكري تحت رحمة الصين في هذا السوق الحيوي، في ظل الحرب الباردة بين البلدين على العديد من القضايا وليس آخرها تايوان.
علاوة على ذلك، فإن شراء الشركات الصينية لأكبر عمليات تعدين "الليثيوم" داخل الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي، قد يؤدي إلى تفكيك الآفاق الاقتصادية والتجارية المستقبلية للولايات المتحدة داخل مثلث "الليثيوم"، خصوصا وان الصين أصبحت تتحكم بالفعل بما يقرب من 76 % من تصنيع بطاريات "الليثيوم أيون" العالمية.
ستتربع الصين على عرش انتاج الليثيوم للأعوام المقبلة، كدولة رائدة أولى، مع اليابان، تليهما كوريا الجنوبية في المركزين الثاني والثالث، فيما احتلت الولايات المتحدة المركز السادس في العام 2021، وبحسب الإصدار الثاني من تقرير "تصنيف سلسلة التوريد العالمية لبطاريات الليثيوم أيون" لـ Bloomberg NEF، إن الاستثمار المستمر وكذلك الطلب المحلي والدولي القوي على الليثيوم، يُبقي الصين في الصدارة العالمية حتى عام 2026.
(*) "بطاريات ليثيوم أيون ـ تُشحن بصورة أسرع، وتدوم لوقت أطول، وهي تتمتع بكثافة أعلى للطاقة لتقدم عمراً أطول للبطارية في هيكل أخف وزناً".
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024