معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

اعتداءات إسرائيلية على الأراضي السورية.. الأهداف والتوقيت
09/09/2022

اعتداءات إسرائيلية على الأراضي السورية.. الأهداف والتوقيت

سركيس أبوزيد

شهدت بعض المدن السورية وخاصةً حلب ودمشق والقامشلي اعتداءات صاروخية إسرائيلية، استهدفت المطار الدولي، ومواقع مدنية محاذية للمطار أيضًا، فما هي أهداف هذا التصعيد، وفي هذا التوقيت بالذات؟
 
استهدفت ضربات إسرائيلية مطار حلب في شمال سوريا ومواقع في ريف دمشق وغيرها، مما عطل عمل المطارات وأوقع أضرارًا مادية في حرم المطار. كما نفّذ العدو الإسرائيلي عدوانًا جوّيًا بعددٍ من الصواريخ من اتجاه بحيرة طبريا شمال فلسطين المحتلة مستهدفًا بعض النقاط جنوب شرق مدينة دمشق.

من جهةٍ أخرى تصدت وسائط الدفاع الجوي السوري لصواريخ العدوان وأسقطت بعضها، وأدّى العدوان إلى وقوع بعض الخسائر المادية.

رسائل إسرائيلية

إن المُنطَلَق الأساسي من هذه الضربات الإسرائيلية هو أن "إسرائيل" تواجه تناقضات داخلية وخلافات في السلطة وإدارة الحكم، فضلاً عن تزايد مشاعر الخطر الوجودي من زوال الكيان، لذلك يحاول الكيان المؤقت أن يفرض نفسه كلاعب أساسي على الساحة في المنطقة ككل، وعلى سوريا بشكلٍ أساسي، لأنه يدرك أن هناك محاولات لإجراء تسوية ما وهو خارجها.

يسعى الكيان المؤقت من خلال هذه الضربات الى توجيه رسائل لجميع الأطراف المعنية إن كانت سورية أو إيرانية أو روسية أو أميركية أو غيرها بأنه موجود وقادر على خربطة الوضع، وتغيير المعادلة حتى يدخل كطرف أساسي بالتسوية، ولتكون له حصة في التسوية المقبلة، خاصةً لجهة الحدود السورية ـ الإسرائيلية، بالإضافة إلى تحديد طبيعة القوى والقوات التي ستكون متواجدة على الحدود حتى يكون له دور وحصة في المعادلة والتسوية السياسية القادمة.

ومنذ بداية الحرب في سوريا في 2011، شنّت "إسرائيل" مئات الغارات الجوّية في الأراضي السورية، لتقول إن هناك انتشارًا للقوات الإيرانية في هذه المناطق خاصة في مطاري دمشق وحلب.

حاولت "إسرائيل" أكثر من مرة أن توجه ضربات إلى قوات إيرانية تحت عنوان أنها موجودة، وهي غير راغبة بوجودها أو تطالب بأن تكون على مسافة معينة من الحدود، لأنها تخشى أن تكون إيران على حدودها في الجولان، مما يهدد وجودها في ظروف تواجه فيها تحديات على جبهات فلسطين ولبنان.

روسيا منزعجة لكنها تؤجل الانزلاق إلى المواجهة

وخلال العام 2017، أبرم كل من الكيان الإسرائيلي وروسيا تفاهمات حول العمل من أجل إبعاد القوات الإيرانية وحلفائها مسافة 40 كلم عن الحدود الجنوبية لسوريا. وتسير روسيا والكيان المؤقت في سوريا منذ عام 2018 بآلية "الخط الساخن"، لمنع حدوث أي عمليات تضارب بينهما قد تؤدي إلى مواجهة مباشرة.

إضافة إلى ذلك، يرى خبراء ومراقبون أن روسيا حاولت الاستفادة من الضغط الإسرائيلي على إيران بهدف ضبط تحركاتها في سوريا، لكن منذ بداية العام الحالي ارتفعت حدة الضربات الإسرائيلية بشكل ملحوظ، ما دفع روسيا إلى القلق وإعادة النظر بحساباتها.

وقبل أسابيع أدان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف "الهجمات الصاروخية" التي ينفذها العدو الإسرائيلي في سوريا. وقال في مؤتمر صحفي عقده مع وزير الخارجية السورية فيصل مقداد: "إن روسيا تواصل دعم سوريا وتتوقع أن تحترم "إسرائيل" السيادة السورية"، مضيفاً: "نطالب "إسرائيل" باحترام قرارات مجلس الأمن وقبل كل شيء احترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها".

إن روسيا عبرت أكثر من مرة عن استيائها من هذه الهجمات، وأحياناً كانت تحاول أن ترد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لتثبت وجودها، ولكن أيضًا روسيا تتفادى المواجهة والانزلاق إلى حرب بعد التطورات التي حصلت في أوكرانيا وأكثر من ملف إقليمي ودولي، كما أن العلاقات الروسية ـ الإسرائيلية ليست على ما يرام، وهناك توتر وخلاف حول أكثر من نقطة خاصةً بعد الأحداث في أوكرانيا، لذلك من المتوقع أن تعيد روسيا النظر بموقفها أو بطريقة الرد على الكيان الإسرائيلي دون أن تنزلق إلى حرب لا تريدها الآن.

الكيان الإسرائيلي يستفيد من حالة الترقب والانتظار الروسي بالوقت الحاضر ولا يريد الانجرار إلى حرب ومواجهة شاملة، لذلك يحاول العدو أن يوصل رسائل وتهديدات، هذا الموضوع واجهته روسيا بنفس طويل، ولكن إلى أي مدى؟ أعتقد بأنه خلال المرحلة المقبلة ستضطر روسيا إلى إعادة النظر بموقفها "المتفرج" على هذه الضربات حتى يكون لها موقف إما مباشر أو من خلال دعم الجيش السوري حتى يتمكن من الرد على هذه الهجمات، لأن روسيا لا تستطيع أن تقوم بدور فعال في سوريا والمشرق وهي غير قادرة على ردع الكيان الإسرائيلي، ولذلك إذا استمرت هذه الأمور وتطورت سنشهد ربما حالة أكثر عنفًا بين روسيا والعدو.

على وقع التفاوض النووي

وتأتي هذه التطورات والتصعيد الإسرائيلي بالتزامن مع المفاوضات بين إيران والغرب حول إحياء الاتفاق النووي، حيث هناك نوع من التفاؤل للتوصل إلى اتفاق يعارضه الكيان الإسرائيلي بشدة.

وكان مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قد أعرب عن أمله بإحياء الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني "في الأيام المقبلة"، وسبق أن قدم التكتل ما أسماه "نصاً نهائياً" لإحياء الاتفاق الذي أبرم في 2015 وانسحب منه ترامب أحادياً.

وخلال المحادثات الأخيرة مع رئيس وزراء العدو يائير لابيد، المعارض الشرس للاتفاق، أكد بايدن "التزام الولايات المتحدة بعدم السماح لإيران أبداً بامتلاك أسلحة نووية".

يريد الكيان الإسرائيلي التأثير على مجرى المباحثات التي تحصل بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وهو يرغب من خلال هذه الضربات باستفزاز إيران وجرها إلى مواجهة لتأجيل أو إعاقة المفاوضات الحاصلة، خاصةً أن هناك تسريبات تقول: "إن التسوية أصبحت قريبة حول الملف النووي بين إيران والولايات المتحدة الأميركية"، لذلك حاول العدو الإسرائيلي أن يفرض وجوده حتى يكون جزءًا من المعادلة أو الحل أو بهدف الحصول على ضمانات مستقبلية حتى لا تتم التسوية وهو خارجها".

سباق بين خيارين

هذه الهجمات تشير إلى أن هناك مرحلة جديدة قادمة لأن المنطقة أمام خيارين بينهما سباق، إما مواجهة ولو محدودة ومرحلية، أو تسوية ولو مؤقتة،  إما صدامات محدودة لتحريك الملفات العالقة أو التوصل لاحتواء وإيجاد حلول سياسية لهذه الأزمات، لذلك سعى الكيان الإسرائيلي من خلال هذه الضربات الى توجيه الرسائل بأكثر من اتجاه حتى يخرج من مأزقه ويعوض عن خسائره ويكون له دور وحصة وضمانات بالتسوية المقبلة، كما يحاول أن يحجز مكانًا له في المرحلة القادمة على المنطقة التي تشهد أكثر من اتصال وأكثر من تسوية وحوارات علنية وسرية، ربما ستؤدي إلى حلول ترسم معالم المنطقة في المرحلة المقبلة. مع العلم أن موازين القوى الجديدة وصعود محور المقاومة لن يسمحا للعدو بتحقيق مكاسب يتوهم أنه قادر على الحصول عليها.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات