آراء وتحليلات
ممرات إيران البحرية وموانئها رئة موسكو لمواجهة الحصار
د. علي دربج باحث ومحاضر جامعي
في أعقاب الحصار الشديد والخانق الذي تتعرض له روسيا من قبل الغرب، بسبب عملياتها العسكرية في اوكرانيا، يتزايد اعتماد موسكو يومًا بعد يوم على الجمهورية الاسلامية الايرانية ــ كحليف يتسم بالثبات في مواقفه والتزاماته بعيدًا عن المصالح بعدما تخلى عنها معظم أصدقائها السابقون ــ للتخفيف من آثار العقوبات عليها خصوصًا على مستوى ممرات النقل، لتصبح ايران بمثابة الرئة الحيوية والمتنفس الأساسي لروسيا لمواجهة عزلها من قبل دول حلف شمالي الاطلسي، وبالتالي قطع اتصالها البري والبحري والجوي بالعالم.
بعد عقدين من توقيع إيران وروسيا والهند على ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب (INSTC) في عام 2002، أعلن داريوش جمالي، رئيس ميناء سوليانكا الإيراني ــ الروسي في أستراخان أوبلاست (إحدى مدن روسيا في الكيان الفدرالي الروسي)، أن أول شحنة (بضائع) عبور من روسيا إلى الهند، قد تم إرسالها عبر إيران، من خلال هذه الممر.
سلكت هذه الشحنة من البضائع (التي تم تحميلها في سانت بطرسبرغ) مسارًا متعدد الوسائط، بدأ من ميناء سوليانكا في أستراخان، ثم عبرت الى مينائي بندر عباس وشابهار (إيران)، ومن هناك تم شحنها الى ميناء نهافا شيفا (الهند). ما يجدر معرفته، أن ميناء سوليانكا لعب دورًا حاسمًا في هذه العملية، لا سيما أنه كان تم تصنيفه الأول في العام 2020، من بين 15 ميناءً على نهر الفولغا وفي جمهورية داغستان، فيما استغرقت الرحلة بأكملها 24 يومًا، ومن المرجح أن تصبح أسرع بمجرد اكتمال خط السكة الحديد العابر لإيران العام المقبل.
ما هي علاقة إيران بميناء سوليانكا؟
علاقات طهران مع دول الجوار قديمة ومتعددة المستويات. فمنذ عقد من الزمان، اشترت شركة خطوط الشحن الإيرانية (إريسل غروب) 53 بالمائة من أسهم ميناء سوليانكا في أستراخان. وتنبع أهمية هذا المرفق الحيوي لطهران، من كون الجزء الرئيسي من التجارة البحرية الإيرانية، في بحر قزوين، تتم من خلاله. فيما الجزء الأصغر من هذه التجارة يتم عبر ميناء محج قلعة، في داغستان.
إضافة الى ذلك، يتيح ميناء سوليانكا الوصول عبر السكك الحديدية إلى كل من موسكو وسانت بطرسبرغ، وكذلك عبر الشحن النهري إلى 11 مدينة روسية أخرى على طول نهر الفولغا نفسه.
ليس هذا فحسب، فاهتمام إيران بميناء أستراخان ليس جديدًا، ولم يقتصر في العقد الماضي على شراء 53 في المائة من أسهم سوليانكا، بل لدى إيران قنصلية عامة وفرع لـ"بنك مير" للأعمال في أستراخان، والذي يعد دوره -إلى جانب فرعي موسكو وقازان- فاعلاً في تسهيل التحويلات المصرفية والمالية بين إيران وروسيا.
أكثر من ذلك، في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، افتتحت طهران المركز التجاري الإيراني في أستراخان، بعدما كان جرى إغلاق هذا المركز الذي يبلغ عمره 200 عام بعد الثورة الروسية عام 1917. علاوة على ذلك، استثمرت العديد من الشركات الإيرانية، في السنوات الأخيرة في منطقة لوتس الاقتصادية الخاصة (SEZ) في أستراخان.
ما أهمية ايران الحالية بالنسبة لروسيا على مستوى النقل البحري؟
مع اندلاع المواجهة الروسية ــ الاطلسية في 24 شباط/ فبراير الماضي، وقيام الغرب بفرض عقوبات مختلفة على روسيا، أصبح ميناء سوليانكا في أستراخان من أهم روابط العبور بين إيران وروسيا، بحيث يُنظر اليه كمكمّل لممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب INSTC، الذي يتفرّع منه ثلاث طرق تمتد من روسيا إلى إيران، الأولى عبر آسيا الوسطى، الثانية من خلال بحر قزوين، والثالثة جنوب القوقاز. لذلك، بعد أن فرض الغرب قيودًا على الممرات من روسيا إلى أوروبا، ردًا على عمليتها العسكرية، زاد اهتمام موسكو بجميع طرق العبور الثلاثة بشكل كبير.
زد على ذلك، أنه من بين الموانئ الإيرانية العديدة المطلة على بحر قزوين، يعتبر دور كل من ميناء "أمير أباد" و"أنزلي" محوريًا، وذا أهمية شديدة في عمليات النقل السريع للحاويات من سوليانكا في أستراخان، إلى الموانئ الجنوبية لإيران، بما في ذلك بندر عباس. كما ان ميناء "تشابهار" يُعد حلقة وصل فائقة الأهمية بين الهند وإيران وروسيا في إطار الممر بين الشمال والجنوب.
ولتحقيق هذه الغاية، تم توقيع اتفاقية ثلاثية للتعاون لمدة ثلاث سنوات بين منطقة لوتس الاقتصادية الخاصة في أستراخان في روسيا، ومنطقة أنزالي للمنطقة الحرة الايرانية في بحر قزوين، ومنطقة تشابهار للتجارة الحرة الصناعية في خليج عُمان.
بماذا تستفيد الهند من مشاركتها في ممر النقل الدولي (الشمال والجنوب)؟
إن دوافع الهند للمشاركة في ممر الشمال والجنوب INSTC مهمة أيضًا، فهي من ناحية تعتبر من الأعضاء المؤسسين للمشروع، حيث كانت وقعت اتفاقية تاريخية مع ثلاث دول لتطوير ميناء "تشابهار" الاستراتيجي كنقطة اتصال حاسمة في "ممر العبور والنقل" عبر أفغانستان في 24 ايار/ مايو 2016، ومن ناحية أخرى، واصلت الهند الانخراط مع إيران في مشروع سكة حديد "تشابهار ـ زاهدان" منذ توقيع مذكرة تفاهم بين البلدين أثناء زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى إيران في عام 2016. وعليه، سيمنح استكمال هذا المشروع الهند إمكانية الربط بين "مشهد" و"سرخس" في شمال شرق إيران، وبين آسيا الوسطى عبر ميناء "تشابهار"، كما سيسهل عليها الوصول إلى ميناء "أنزلي" في شمال إيران، جنوب بحر قزوين.
أكثر من ذلك، سيوفر ممر النقل (الشمال الجنوب) متعدد الوسائط هذا للهند، الفرصة لربط ميناء "نهافا شيفا" الهندي، ثاني أكبر ميناء للحاويات في البلاد، بميناء "تشابهار" في خليج عمان وميناء "أنزلي" على الساحل الجنوبي لبحر قزوين، وموانئ أستراخان وسوليانكا.
اشارة الى أن الطريق التجاري الرئيسي المعتمد بين روسيا والهند هو الطريق البحري عبر قناة السويس. ولذلك، فإن استخدام الهند لطرق العبور البحرية أعلاه يعود عليها بفوائد كبيرة، وأبرزها تقليل وقت وتكلفة نقل البضائع إلى النصف.
في المحصلة، أعطت المواجهة الاطلسية ــ الروسية في أوكرانيا، وقيود العبور الروسية مع أوروبا، دفعًا كبيرًا لحركة النقل في ممر الشمال الجنوب INSTC. وتبعًا لذلك، تسعى موسكو جاهدة لتحقيق أقصى استفادة من طرق النقل المشتركة مع ايران، لكسر الحصار عليها.
ولهذه الغاية، من المتوقع أن تشهد العلاقات الايرانية ــ الروسية في المستقبل القريب، تطورًا غير مسبوق، لترتقي الى مستوى الشراكة الاستراتيجية التي تشمل كافة المجالات، وخصوصًا أن أول الغيث رأيناه بالصفقة التاريخية التي وقّعت بين شركة النفط الوطنية الإيرانية (NIOC) وشركة غازبروم الروسية، وبلغت قيمتها حوالى 40 مليار دولار.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024