آراء وتحليلات
لماذا تغيَّرت المهام الجغرافية للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا؟
عمر معربوني | باحث في الشؤون السياسية والعسكرية
مقدمة تمهيدية
أورد وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف أربع نقاط أساسية في لقاء صحفي بتاريخ اليوم (20 تموز/يوليو 2022)، تتقاطع جميعها مع ما أعلنه قبل فترة رئيسا جمهوريَّتَي لوغانسك ودونيستك، وهذه النقاط هي:
• لقد تغيرت المهام الجغرافية للعملية العسكرية الروسية المنوطة بحماية دونباس، ولم تعد تقتصر على دونيتسك ولوغانسك فحسب.
• إذا زوّد الغرب أوكرانيا بأسلحة بعيدة المدى فإن جغرافيا العملية العسكرية الخاصة سوف تمتد بشكل أوسع.
• الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا موجودتان على مسافة آمنة، بينما المتضرر الأكبر سيكون الاقتصاد الأوروبي وحده.
• لن نسمح بأن يكون هناك تهديد ضد روسيا أو ضد الجمهوريات المستقلة عبر الأراضي الأوكرانية. وإمداد الغرب لأوكرانيا بمزيد من الأسلحة الهجومية بعيدة المدى هو ما سيغيّر من جغرافيا العملية العسكرية.
ريزنيكوف: اختبار أسلحة الحلفاء.. وضرب أسطول البحر الأسود
من جهته أعرب وزير الدفاع الأوكراني أليكسي ريزنيكوف، يوم أمس الثلاثاء (19 تموز/ يوليو 2022)، عن استعداد أوكرانيا لاختبار الأسلحة الغربية على أراضيها ضد الجيش الروسي الذي يمتلك الكثير من الأسلحة الحديثة. وقال ريزنيكوف خلال اجتماع افتراضي "للمجلس الأطلسي" الأمريكي، يوم أمس الثلاثاء: "الكثير من الأسلحة يتم اختبارها في الميدان، وفي وسط الظروف القتالية الحقيقية ضد الجيش الروسي الذي يمتلك الكثير من الأنظمة الحديثة الخاصة به".
وتابع ريزنيكوف: " نقدم جميع المعلومات وخبراتنا للشركاء الغربيين، ونحن مهتمون باختبار الأنظمة الحديثة في القتال ضد العدو، وندعو منتجي الأسلحة لاختبار منتجاتهم الجديدة هنا".
وأورد الوزير الأوكراني اسم نظام "كراب" البولندي، كمثال على الأسلحة التي تم اختبارها في أوكرانيا، وأضاف: "أعتقد أن ذلك فرصة جيدة لشركائنا في بولندا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وشركائنا الأتراك لاختبار معداتهم".
وفي وقت متزامن صرّح نائب وزير الدفاع الأوكراني فلادمير جافريلوف، أن أوكرانيا ستسحق الأسطول الروسي في البحر الأسود، وستستعيد السيطرة على شبه جزيرة القرم بأسلحة غربية.
وقال جافريلوف في مقابلة مع صحيفة "التايمز" : "إن أسطول البحر الأسود الروسي، الذي يتخذ من مدينة سيفاستوبول الساحلية في شبه جزيرة القرم مركزًا له، يمثل تهديدًا دائما لأوكرانيا، ويتعين على كييف معالجة هذه المشكلة".
وأضاف جافريلوف : "إن كييف كانت تنتظر الحصول على أسلحة طويلة المدى من دول أجنبية قبل شن هجوم، ونحن نتلقى قدرات مضادة للسفن وعاجلاً أم آجلاً سنستهدف الأسطول. وهذا أمر لا مفر منه لأننا يجب أن نضمن أمن شعبنا". وزعم جافريلوف أن أوكرانيا تخطط لاستعادة شبه جزيرة القرم التي صوتت بأغلبية ساحقة على لم شملها مع روسيا في استفتاء عام 2014 إثر انقلاب وقع في كييف. وختم "إن الحكومة الأوكرانية تُجري مناقشات مع داعميها الغربيين حول ما إذا كان بإمكانها استخدام الأسلحة الموردة من الخارج لاستهداف القوات الروسية في القرم".
كيف بات المشهد اليوم؟
انطلاقاً ممّا تقدّم من تصريحات لوزير الخارجية الروسية وممّا صرّح به وزير الدفاع الأوكراني ونائبه، واستناداً الى ما تنفذّه القوات الأوكرانية من عمليات استهداف للمناطق في جمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك، وفي مقاطعتَي زابوروجيا وخيرسون بأسلحة بات أغلبها غربي المصدر، وعلى رأسها راجمات هيمارس التي ستُزوَّد عاجلاً أو آجلاً بصواريخ بعيدة المدى تصل الى 300 كلم، ما سيشكل تهديداً حقيقياً لمناطق سيطرة الجيش الروسي، بما فيها شبه جزيرة القرم. وبالنظر الى ما قاله نائب وزير الدفاع الأوكراني حول استهداف أسطول البحر الأسود، فقد بات بإمكاننا القول، إن كييف حصلت على عدد لا بأس به من الصواريخ بر ـ بحر الغربية، وعلى رأسها صواريخ هاربون الأميركية، وأخرى محدّثة من نوع نبتون الأوكرانية، وغيرها من الطرازات الموازية التي ينوي الغرب تزويد أوكرانيا بها.
وعلى ضوء هذه التهديدات الأوكرانية، تبدو آفاق العملية العسكرية الروسية متجهة الى التصعيد بشكل قد يأخذ الأمور نحو منحى تصادمي مع الغرب، وقد ينقل الوضعية الحالية من وضعية (عملية خاصة) الى وضعية (الحرب الشاملة)، وهو قرار يمكن أن تتخذه روسيا في أي وقت، انطلاقاً من حجم التهديدات الحاصلة.
وللمرة الثالثة يلتقي وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بقادة الجبهة الجنوبية والغربية للجيش الروسي، ويزودهم بتوجيهات واضحة، تهدف الى تنشيط العمليات بشكل أسرع وتيرةً، ممّا هو قائم الآن .
ولإقامة حزام أمان يحمي مناطق السيطرة الروسية الحالية، يبدو أن العملية العسكرية الروسية ستتوسَّع لتشمل التخوم التالية:
1ـ كامل مقاطعتَي خاركوف وبولتافا من الجهة الشرقية.
2ـ كامل مقاطعتَي سومي وتشيرنيغوف من الجهة الشمالية الشرقية، من أجل حماية الأراضي الروسية.
3ـ كامل مقاطعتي دنيبرو بتروفيسك، وزابوروجيا من الجهة الغربية، من أجل حماية الدونباس.
4ـ كامل مقاطعتَي خيرسون ونيكولاييف من الجهة الشمالية الجنوبية، بغرض حماية شبه جزيرة القرم.
5- كامل مقاطعة أوديسا، بغية قطع الطريق على أي تهديد قد يطال أسطول البحر الأسود، و بهدف إكمال السيطرة على شواطئ أوكرانيا المطلَّة على البحر الأسود.
وهذا يعني استمرار العمليات العسكرية بزخم أكبر ممّا هو عليه الآن، والاقتراب شيئاً فشيئاً من قرار الحرب الشاملة، و هو قرار في حال ٱتُّخذ، سوف يتيح للقيادة الروسية استخدام كامل قوتها العسكرية، ما يعني في المحصِّلة توجيه أوامر موازية للقوات التي انسحبت من سومي وتشيرنيغوف وشمال كييف، تقضي بتنفيذ اندفاعات جديدة.
وفي حال وصلت الأمور الى هذا الحد، فسوف نكون أمام تطور كبير، أعتقد أنه سيتدحرج تدريجياً، ربطاً بحجم وواقعية التهديدات الأوكرانية، ومستوى وحجم الدعم العسكري الغربي، وما إذا كان هذا الدعم سيشمل صواريخ يتجاوز مداها 300 كلم أو أكثر.
حتى الساعة، لا تزال التهديدات الأوكرانية مجرَّد أمانٍ، ما لم تتزوَّد كييف بأسلحة ذات مدى أبعد، علماً أن ما هو متوفر الآن من أسلحة غربية بيد كييف لم يغيّر في الواقع الميداني شيئاً، وعليه، لا يمكننا حتى الساعة الحديث عن رجحان واضح في كفَّة كييف بل على العكس تماماً. فالأخبار الواردة من أرض الميدان تفيد بأن هناك عمليات استهداف واسعة للأسلحة الغربية التي لم تستطع حتى تاريخ كتابة المقال أن تفعل شيئاً، إلا إلحاق الأذى بالمدنيين وبالبنية التحتية، دون أن تشكل فارقاً ملحوظاً في كبح حركة الجيش الروسي.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024