آراء وتحليلات
هل تصلح "سيمنز" الالمانية ما أفسدته "جنرال الكتريك" الاميركية في العراق؟
بغداد ـ عادل الجبوري
وفي ذات اللقاء، أكد السفير الالماني من جانبه "ان شركة سيمنز مستعدة للقضاء على مشكلة الكهرباء في العراق على غرار التجربة في جمهورية مصر العربية، وممكن تطوير هذا الملف مع الحكومة العراقية المقبلة". واضاف السفير: "ندعم الاستقرار السياسي في العراق ونحترم سيادته ولا نتدخل في المسائل الداخلية، كما ونحن داعمون لاي حكومة منتخبة من قبل البرلمان العراقي وندعو باقي البلدان الى ذات الموقف".
تصريحات العامري وبيغار، تحمل بين طياتها رسائل عديدة مهمة، لعل من بينها، ان تجرية شركة "جنرال الكتريك" الاميركية التي أمسكت بملف الكهرباء بعد سقوط نظام صدام مباشرة في ربيع عام 2003، بقرار وتسهيل من قبل الحاكم المدني الاميركي حينذاك بول بريمر، فشلت فشلًا ذريعًا، رغم انفاق الأموال الطائلة من الميزانية العراقية طيلة تسعة عشر عامًا، وذلك الفشل لم يرتبط بعدم قدرة الشركة الاميركية أو قلة كفاءتها وخبرتها وتجربتها، وانما سببه طبيعة الأجندات السياسية التي كانت تعمل بها الشركة.
ومن بين الرسائل التي حملتها تصريحات العامري وبيغار، هي أن التدخلات الخارجية السلبية، لا سيما من الولايات المتحدة الأميركية، كانت وراء معظم المشاكل والأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية التي أثقلت كاهل العراقيين وعمّقت مآسي وكوارث بلادهم.
وإذا كانت أزمة كهرباء العراق قد بدأت قبل أكثر من ثلاثين عاماً، حين أجهزت الولايات المتحدة الأميركية، ومعها حلفاؤها على البنى التحتية والمنشآت الحيوية العراقية، كجزء من متطلبات أو ذرائع حرب تحرير الكويت من قبضة نظام صدام، فإنَّ صورة اليوم تبدو قاتمة أكثر من أي وقت مضى. وبينما كان مؤملاً أن تنفرج الأزمات، وتتصحَّح المسارات بعد إطاحة نظام صدام في ربيع العام 2003، اختلطت الأوراق كثيراً، وتشابكت الخيوط، وظلّت الأزمات الكبيرة ـ ولا سيَّما أزمة الكهرباء ـ تدور في حلقة مفرغة، لتبلغ ذروتها في صيف كل عام.
ويتفق الكثير من المتخصصين على أن الصراع المحتدم بين شركتي "جنرال الكتريك" الأميركية و"سيمنز" الألمانية حول من يستأثر بملف إصلاح وتطوير الطاقة الكهربائية في العراق، كإنتاج ونقل وتوزيع، أحد أبرز الدلائل والمؤشرات على التوظيف والاستغلال السياسي للأزمة من قبل الولايات المتحدة الأميركية، باعتبارها الطرف الرئيسي المهيمن على مقاليد الأمور منذ إسقاط نظام صدام واحتلال العراق قبل تسعة عشر عاما، إذ أتاحت تلك الهيمنة المجال لشركة "جنرال الكتريك" للدخول إلى الساحة العراقية، وأوصدت الأبواب إلى أقصى قدر ممكن أمام الآخرين.
ومن الغريب والمضحك المبكي أن يصرّح المدير التنفيذي لـ"جنرال الكتريك" في العراق رشيد الجنابي صيف العام الماضي قائلا "ان العراق يواجه في المرحلة الراهنة تحدياً كبيراً في موارد الطاقة، لكن هناك العديد من الحلول المؤهلة لمعالجة هذا النقص، وتمتلك الشركة تقنيات مبتكرة وموثوقة للمساهمة في ردم الفجوة ضمن قطاع الطاقة العراقي. هذه الحلول تدعم الخطة التي وضعتها الحكومة العراقية لتحسين واقع الكهرباء في البلاد".
ولو كان مثل ذلك التصريح قد صدر من شخص يمثل شركة تسعى للدخول الى العراق الآن، وليست موجودة فيه على امتداد ما يقارب العقدين من الزمن، لكان بالامكان قبول وتقبل ومناقشة ما يقوله، ولكن بالنسبة للشركة الاميركية، فإن من سمع ويسمع بهذا الكلام لا بد أن يتساءل سريعًا، وأين كانت الشركة من كل ذلك وهي المتحكمة والمهيمنة..؟".
ناهيك عن أن مثل ذلك الكلام الذي أطلقه الجنابي، قيل في أوقات سابقة ولمرات عديدة، دون أن تكون له انعكاسات واقعية وعملية على الأرض؛ ففي شهر أيلول/ سبتمبر 2018، صرّح مدير قطاع الطاقة في الشركة الأميركية "فريدريك ريفيرا"، قائلاً: "إن "جنرال الكتريك" سلَّمت الحكومة العراقية استراتيجية لتطوير قطاع الطاقة الكهربائية في البلاد، ورفع قدرة المنظومة الوطنية، وتشغيل المزيد من الأيدي العاملة، عبر إدخال التكنولوجيا الحديثة في مشاريع الطاقة".
وبينما كانت "جنرال الكتريك" تصول وتجول كيفما تشاء، واجهت "سيمنز" الالمانية الرائدة في مجال الطاقة الكهربائية الكثير من المعوقات والعراقيل والمصاعب التي لم يتردد مسؤولون كبار في الشركة في التصريح عنها. ولعل ما قاله الرئيس التنفيذي للشركة "جو كيزر" قبل عدة أعوام يؤشر إلى ذلك بوضوح كبير، إذ أدلى في حينه بتصريحات أكد فيها أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب "كان له دور في محاولة عرقلة اتفاق الشركة مع الحكومة العراقية والدفع باتجاه منح الصفقة بالكامل لشركة "جنرال الكتريك" الأميركية"، حيث بلغت ذروة التنافس بين الشركتين في عهد رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي للفوز بعقود بقيمة 4 مليار دولار، ولكن ـ بحسب مصادر رسمية ـ بعد ضغوط عدة، استمرَّت "جنرال إلكتريك" بالحصول على عقود الكهرباء داخل البلاد، حتى إنها استأثرت بأكثر من 55% منها وفق ما أفصح عنه في حينه المتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد العبادي.
وهناك الكثير من الأرقام والحقائق والمعطيات التي تؤكد وتثبت بما لا يقبل الشك والجدل، مسؤولية واشنطن عن بقاء أزمة الكهرباء في العراق، بل وتفاقمها بدرجة أكبر عامًا بعد عام، الى جانب دورها في توسيع نطاق الفساد بهذا الملف الحيوي الحساس.
ومن كلام العامري والسفير الالماني، وربما آخرين غيرهما، يمكن القول إن مفتاح حل أزمة الكهرباء في العراق، يتمثل بإبعادها عن الاجندات والحسابات السياسية الداخلية والخارجية، التي كشف بعضا من ملامحها قبل حوالي خمسة عشر عاما، السياسي العراقي الراحل احمد الجلبي، حينما أكد ما معناه أن الاميركيين لم يُبدوا أي استعداد أو رغبة أو نية لمعالجة وحل أزمة الكهرباء رغم قدرتهم على ذلك!.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024