معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

هل تكون مذبحة نيوزيلندا
19/03/2019

هل تكون مذبحة نيوزيلندا "هدية اليمين" للجماعات التكفيرية؟

د. محمد محمود مرتضى
لم تمضِ ساعات على الهجوم الارهابي على مسجدين في نيوزيلاندا، حتى توالت البلاغات عن وجود تهديدات أخرى في البلاد. والواقع أن مذبحة نيوزيلندا لن تقتصر تداعياتها على تحريض اليمين المتطرف باتجاه تنفيذ المزيد من الهجمات، ولا على ردود فعل قد تكون مدعومة من جهات استخبارية وحسب، بل ان القضية الاخطر تتمثل في اعادة بث الحياة في نشاط الجماعات الارهابية التكفيرية التي ستتعامل مع جريمة نيوزيلاندا على أنها الهدية التي ساقها "القدر" اليها.

الخطاب "التكفيري" غالبا ما اعتمد على التحريض على المجتمعات الغربية، وغالبا ما كانوا يبررون هجماتهم التي تستهدف المدنيين بانهم يرضون بأفعال حكوماتهم، ومع انتشار التيار اليميني في الغرب، فان هجوما كهجوم نيوزيلاندا، سوف يشكل مادة تحريضية مؤاتية لن يتركها هؤلاء دون توظيف. وبالفعل، ما ان مرت ساعات على هذه المذبحة حتى بدأت الجماعات التكفيرية تطل برأسها.

وقد كان تنظيم "القاعدة" أول المسارعين في توظيف الهجوم عبر أدواته الإعلامية الإلكترونية، عندما نشر كلمة مدونة بعنوان "الرد الحكيم على قتل الكافر اللئيم للمصلين في نيوزيلندا".

وقد حاول المدون الذي  يُدعى "أبو عبد الكريم الغربي"، تحريض أتباعه في أوروبا على حمل السلاح، وتنفيذ عمليات ضد المؤسسات الاقتصادية والعسكرية.

هذه الكلمة المدونة لن تكون الوحيدة بلا شك، اذ سنشهد حملة من الرسائل والكلمات (والارجح اننا سنسمع قريبا كلمة لايمن الظواهري) ترتبط بمذبحة نيوزيلندا، التي ستتحول الى مادة تنافسية استقطابية بين "داعش" و"القاعدة". ولذلك فانه من الارجح ان يطفو الى السطح من جديد مصطلحات غابت لفترة من التداول، كالمصطلحات التي اطلقها بن لادن بعد هجمات الحادي عشر من ايلول، حين خطب قائلا: "هذه الأحداث قسمت العالم بأسره إلى فسطاطين: فسطاط إيمانٍ لا نفاق فيه، وفسطاط كُفْرٍ- أعاذنا الله وإيّاكم منه -، فينبغي على كلّ مسلم، أنْ يهبّ لنصرة دينه".

وعلى خطى القاعدة، سار "داعش" ايضا في ركب الموظفين لهجوم نيوزيلندا، فرغم انحساره، لم يفوّت داعش الفرصة في التحريض على "الردِّ العنيف" في وجه ما وصفه بـ"الحملة الصليبية"، التي تستهدف إبادة المسلمين في الغرب، وقد سارعت المنصات الاعلامية المناصرة للتنظيم للدعوة لشن هجمات ضد من اسمتهم "مسيحيي الغرب"، ردًّا على هجوم نيوزيلندا الإرهابي، فيما توعدت منصات التنظيم الإعلامية بإعادة الرعب إلى قلب أوروبا وشن هجمات انتقامية على خلفية الهجوم الإرهابي الأخير.

وفي اطار هذه الحملة قام أحد مقاتلي "داعش" المحاصرين داخل قرية "الباغوز" بنشر صورة لسلاحه الآلي بعد أن كتب عليه تاريخ الهجوم الإرهابي في نيوزيلندا، مع عبارات تحريضية، وبحسب الصورة فقد كُتب على السلاح: "صبراً نيوزيلندا فالأيام دول والجروح قصاص... الرد قادم".

على أن محاولات الرد لن تقتصر على "الغربيين" الموجودين في الشرق، بقدر ما ستركز هذه الجماعات على تفعيل خلاياها في الدول الغربية نفسها. ولئن كانت بعض العناصر التي تعيش في اوروبا وتحمل الفكر التكفيري قد بدأت تعاني من غياب الدافع لتحركها بعد الانتكاسات الكبيرة التي شهدتها هذه الجماعات في ساحات كثيرة، فان تصاعد حدة التحريض، ودخول الجماعات في منافسة استقطابية، قد يعيد الى تلك الخلايا النائمة الحياة، ويعطيها الدافع لشن هجماتها من جديد.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات