موقع طوفان الأقصى الجبهة اللبنانية

آراء وتحليلات

إعصار اقتصادي يضرب أميركا والعالم
04/06/2022

إعصار اقتصادي يضرب أميركا والعالم

 

د. محمود جباعي
لم يكن مفاجئاً ما صرح به جيمي ديمون رئيس مجلس إدارة أكبر بنك في الولايات المتحدة "جي.بي مورجان" من أن التحديات التي تواجه اقتصاد أميركا هي أشبه بالاعصار، حيث حذر من دخول الولايات المتحدة في ركود اقتصادي قاتل في المرحلة المقبلة بفعل حجم التضخم المالي الذي وصل الى حدود 9 % في شهر ايار/ مايو الماضي من العام الحالي مع توقع معظم مراكز الدراسات في أميركا أن هذا التضخم قد يصل الى اكثر من 15% في الفترة القريبة المقبلة إذا لم تتخذ الاجراءات العملية الكفيلة بردعه.

ان حجم السيولة النقدية في السوق الاميريكي اصبح كبيراً جداً بفعل طبع البنك المركزي الاميريكي لالاف مليارات الدولارات من اجل تغطية العجز المالي الحاصل بعد غزو فيروس كوفيد 19 للولايات المتحدة في العامين الماضين، حيث اعتمدت الحكومة الاميريكية وقتها سياسة طبع العملة من دون تغطية اقتصادية وانتاجية حقيقية للكمية المطبوعة.

ساهمت بداية الحرب الروسية الاوكرانية وبدأ عمليات العقوبات الاقتصادية المتبادلة بين الغرب واميركا من جهة وروسيا من جهة اخرى، والتي ادت الى ارتفاع اسعار النفط والغاز عالمياً، ساهمت في تسارع ارتفاع وتيرة التضخم المالي في الولايات المتحدة الاميريكية بصورة كبيرة مما دفع الرئيس الاميريكي جو بايدن الى المس بالاحتياط الاستراتيجي للنفط حيث سمح بضخ مليون برميل نفط منه يومياً لمدة 6 اشهر اي بحدود 180 مليون برميل نفط من اجل محاولة ضبط اسعار المحروقات التي وصلت الى حدود 35 $ للصفيحة في الفترة الماضية، وهذا يعني ان معركة التضخم اصبحت النقطة المحورية في جدول اعمال الرئيس الاميريكي في المرحلة الحالية والمقبلة، مما يؤكد عمق الازمة التضخمية التي تمر بها الولايات المتحدة الاميريكية على مختلف الاصعدة.

الاقتصاد العالمي في خطر حقيقي

إن معدل التضخم في اميركا اتخذ منحى تصاعديا بشكل كبير جداً بفعل الكتل النقدية الضخمة التي تم ضخها في الاسواق لمعالجة تداعيات ازمة كورونا العالمية، حيث يقدر ان اميركا طبعت أكثر من ترليون دولار لمواجهة الازمة، ما ساهم في ارتفاع معدلات التصخم فيها الى مستوى 4 % وهي النسبة الاعلى منذ عشرات السنوات، ومن ثم ارتفعت الى مستوى 10 % في الاشهر الماضية ومن المتوقع أن ترتفع أكثر بظل تراجع الانتاج المحلي السلعي في الولايات المتحدة الذي يؤثر ايضاً على مختلف الدول الصناعية المترابطة معها في شتى مجالات الانتاح المختلفة.

ومن أبرز أسباب هذا التضخم أيضاً هو اتخاذ الرئيس الاميريكي قراراً حظر بموجبه واردات النفط والغاز الروسي في شهر آذار/ مارس من العام الحالي، حيث اكد ان الموانىء الاميريكية لن تستقبل أي مشتقات او حمولات من مصادر الطاقة الروسية، ما ساهم في حصول المزيد من الارتفاع في اسعار النفط والغاز وتخطى سعر برميل النفط حالياً حدود 125 $ دولار للبرميل الواحد مما الهب نار التضخم في العالم ككل وفي الولايات المتحدة الاميريكية ايضاً التي بدأت تدفع ثمن سياساتها المتعجرفة في مواجهة من يعارضها في هذا الكوكب.

إن العلاقة بين معدلات التضخم وأسعار النفط في علاقة مترابطة، إذ إن ارتفاع الاسعار والتضخم يساهمان في ارتفاع كلفة الانتاج وبالتالي تؤدي الى ارتفاع اسعار النفط والعكس صحيح عندما ترتفع أسعار النفط سيؤدي ذلك الى ارتفاع كلفة الانتاج وبالتالي ارتفاع الاسعار مما سيساهم في مزيد من الارتفاع بمعدلات التضخم المالي، وهذا ينذر بأننا سنواجه قريباً أزمة كبيرة مرتبطة بارتفاع معدل الغلاء المعيشي الامر الذي سوف يؤثر حتماً بالدرجة الاولى على الدول النامية والفقيرة التي سوف تستورد التضخم من الدول الصناعية التي تستورد منها معظم حاجاتها الاستهلاكية، لذلك وجب الحذر من الان والعمل الجدي في هذه الدول على تطوير انتاجاتها المحلية للتخفيف من حدة تأثير الازمة عليها في المستقبل القريب.

الوضع يتجه للاسوأ

في ظل استمرار الحرب الروسية الاميريكية وتداعياتها الاقتصادية والمالية المتسارعة والتي لن تسلم منها اي دولة صناعية او نامية فإن المتوقع في المرحلة القادمة سيكون اكثر سوءاً على كافة الاصعدة وخاصةً المعيشية منها، حيث ان الامن الغذائي سيكون مهدداً في العديد من دول العالم. كذلك بينت تداعيات هذه الحرب ان الولايات المتحدة وحلفاءها من دول صناعية في خطر حقيقي ايضاَ واصبح واضحا للجميع ان كل هذا التباهي بوجود اقتصاد عالمي متين تحكمه الهيمنة الاميريكية والغربية ما هو الا وهم واستعراض اعلامي لبسط الهيمنة والتسلط حيث ان هذا الاقتصاد الناجح سقط في أول مواجهة حقيقية مع أول دولة عالمية رفضت الخضوع للهيمنة الاميريكية والاوروبية حيث استطاعت روسيا الصمود والانتصار في معركتها الاقتصادية والسياسية في مواجهة الاحادية الاقتصادية والسياسية التي فرضتها الولايات المتحدة على مدى عشرات السنوات.

النفطالدولار

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل