آراء وتحليلات
الانتخابات النيابية: قراءة أولية في النتائج
علي عبادي
تم إنجاز استحقاق الانتخابات النيابية بنجاح، وبقي ما بعده. المجلس الجديد يأخذ صورة خيمة كبيرة تضم تشكيلات متنوعة، وعليها جميعاً تقع مسؤوليات التعامل مع الاستحقاقات المقبلة. بهذا المعنى، انتهت الانتخابات، وينبغي أن يبدأ العمل. بعض النواب سابقاً كان لديهم فهم للنيابة يقوم على استمرار الذهنية الانتخابية لأربع سنوات متصلة، فيقلل من حضوره البرلماني ويُكثر من حضوره الإعلامي والسياسي. هذا النمط الاستعراضي ينجح في تعزيز الصورة الإعلامية، لكنه لا يبني البلد.
ولعل أهم ما أفرزته صناديق الاقتراع من معطيات:
1- انضمت فئات جديدة الى المجلس النيابي المكون من 128 نائباً أو ازداد وزنها التمثيلي. ويتراوح عدد من يُحسَبون على "المجتمع المدني" ما بين 10و15 نائباً، وفق رقم غير رسمي، كما قد يصل عدد "المستقلين" غير المنضوين وقت الاقتراع الى كتل سياسية محددة الى 10 على الأقل. وبالتالي، لم يعد باستطاعة أحد من غير المنتمين سياسياً أن يقول إن المجلس لا يمثلني. على أننا لا نستطيع تحديد مفهوم موحد لـ "المجتمع المدني" بسبب عدم وجود بنية تنظيمية واضحة له والغموض الذي يحيط به. ويُؤخذ عليه أن أغلبه يرتبط بتمويل خارجي ما قد ينعكس على أدائه بحكم الارتباط بالمموِّل. لكن الخارج قد لا يستطيع توجيه كل حركته الداخلية بالنظر الى تعقيدات الوضع اللبناني والتحالفات المحتمل إجراؤها مع قوى أخرى في قضايا جزئية. كما ان "المستقلين" قد يتبادلون الدعم مع قوى أخرى وربما ينضم بعضهم الى كتل سياسية.
2- هناك حقيقة صلبة ينبغي الإقرار بها، وهي ان اللبنانيين متعدّدو الاتجاهات والمشارب والأهواء السياسية، وهذا ثبت مرة أخرى في صندوق الاقتراع. وينبغي الاعتراف بالتمثيل المتنوع للمجتمع اللبناني، ومن ثم التوقف عن محاولة إلغاء نتائج الانتخابات من خلال استمرار التنكر لتمثيل أي فريق والتشكيك بشرعية تمثيله أو لبنانيته أو ما شاكل. كل خطوة في هذا الاتجاه تعيدنا الى ما قبل الانتخابات مرة أخرى. الانتخابات هي مَعْبر الى مرحلة أخرى، وهي مقدمة وأداة لقياس التمثيل الشعبي. وسواء كان التمثيل دقيقاً وشاملاً أم لا (بالقياس الى طبيعة قانون الانتخاب أو بالقياس الى امتناع شريحة عن التصويت أو الغاء اصوات لاعتبارات قانونية)، فإنه ليس مجافياً للواقع على أي حال. بالتالي، من المهم إعادة النظر في أساليب الخطاب التي يُشتمّ منها التنكر لوجود أي فئة. وبناء على ذلك، يمكن إنجاح التجربة البرلمانية والسياسية أو إفشالها.
3- هناك حقيقة أخرى، وهي أن
تكمن أهمية النتيجة التي حصدها تحالف حزب الله - حركة امل في الوسط الشيعي أنه لا يمكن بحال تجاوز هذا الواقع في أقرب استحقاق وهو انتخاب رئيس مجلس النواب. ولو تحققَ لماكينات متحالفة مع الأميركي تحقيق خرق بمقعد شيعي واحد، لكان بإمكانها توظيفه في هذا الاستحقاق، وقد ألمحت "القوات اللبنانية" مثلاً الى ذلك مسبقاً.
4- استفادت بعض القوى السياسية من الأزمة الاقتصادية وتبعاتها الاجتماعية لرمي كرة النار الى ملعب الفريق المواجه لها. وعلى سبيل المثال، قفزت "القوات اللبنانية" وقبلها حزب "الكتائب" من المركب الوزاري أو النيابي خلال الأزمة، وبدآ بالتصويب على التيار الوطني الحر والعهد (رئاسة الجمهورية) وحزب الله بهدف تثمير ذلك لاحقاً في الانتخابات. وكذلك فعل مستقلون وممثلو "المجتمع المدني" في النيل من التيار وحزب الله وحركة أمل.
بهذا المعنى، كانت هناك ظروف مثالية لدى بعض الفئات لزيادة تمثيلها و"أرباحها" من الأزمة، وبرغم ذلك جاءت النتائج لترسم واقعاً لا يستطيع أحد أن يقفز فوقه بالإنكار مهما سجل من ملاحظات في بعض النتائج الجزئية.
5- تفرض النتائج تحدياً صعباً على الجانب الاميركي وحليفه السعودي، ويتمثل في كيفية تجميع شتات حلفائهم في مجلس النواب الجديد، وهو تحدٍّ عبر عنه ديفيد شينكر قبل أيام حين تحدث عن التباينات الشخصية بين هؤلاء و"نرجسياتهم". كما ان السعودية التي حطمت زعامة سعد الحريري وفضلت تكوين زعامة بديلة (بواسطة فؤاد السنيورة) لم تتمكن من تحقيق ذلك في صناديق الاقتراع، مما سيضيف عبئاً عليها ويجعل الساحة السنية مكشوفة أمام استقطابات عدة، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار الوجهة التي سيقررها تيار المستقبل بعد مقاطعته الانتخابات.
في الحصيلة العامة، ساهمت الظروف الضاغطة التي تم توليدها بعد 17 تشرين الاول 2019 في ظهور فئة جديدة من النواب سيقرر أداؤها ما اذا كانت مجرد طفرة إعلامية أو إضافة نوعية للعمل النيابي، كما ستقرر انحيازاتُها في أوقات الاستحقاقات حقيقة توجهاتها في بلد يرتبط بشدة ويتأثر بما يجري من حوله. لكن القوى الحزبية الصلبة ما زالت حاضرة بقوة وتمسك بالثقل الأكبر في المجلس، وهذا يتفق مع حقيقة حضور الأحزاب السياسية في مجمل تاريخ لبنان الحديث.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024