معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

بين يهودية هتلر وزيلينسكي: العلاقات الروسية - الاسرائيلية تحت الاختبار
06/05/2022

بين يهودية هتلر وزيلينسكي: العلاقات الروسية - الاسرائيلية تحت الاختبار

جهاد حيدر

قد يكون مفاجئاً قساوة الرد الروسي الذي صدر على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف كونه استهدف التصويب على أكثر قضية يعلم أنها تؤلم وتستفز المسؤولين الصهاينة عندما تحدث عن أصول يهودية لهتلر في سياق استدلاله على أن يهودية الرئيس الأوكراني لا تنفي وجود العناصر النازية في أوكرانيا.

بغض النظر عن حقيقة أن ما تحدث به لافروف يستند الى أبحاث ومصادر علمية، وبالتالي فهو لم يتحدث عن أمر جديد، فقد كشفت ردود فعل المسؤولين الاسرائيليين عن مفاعيل الموقف الروسي في الساحة الاسرائيلية، فاعتبر رئيس الوزراء نفتالي بينت كلام لافروف "أمراً في غاية الخطورة، ولا يعكس كلامه الحقيقي، كما وأن الهدف منه مرفوض". وأعلنت الخارجية الإسرائيلية أنها استدعت السفير الروسي في "تل أبيب" أناطولي فيكتوروف، لإجراء محادثة توضيحية مع نائب المسؤول عن الشؤون الأوراسية في الخارجية، للتنديد بالتصريحات التي أدلى بها لافروف. فيما اعتبر وزير الخارجية يائير لابيد أن تصريحات نظيره الروسي "مشينة ولا تغتفر وتنم عن خطأ تاريخي فظيع".

يتعارض مضمون المواقف الاسرائيلية مع السياسة الحذرة التي تتبعها القيادة السياسية من الحرب في أوكرانيا، حيث حاولت "تل أبيب" الحفاظ على هامش من الحياد الظاهري بهدف عدم المس بآلية التنسيق الامني الاسرائيلي مع روسيا في سوريا، لكنه يعكس جانباً من الأذية المعنوية والسياسية التي تعرضت لها "إسرائيل" نتيجة كلام لافروف.

مع ذلك، ينبغي أن لا يكون مفاجئاً أصل الهجوم السياسي الروسي على سياسة التذاكي الاسرائيلية التي حاولت الجمع بين تموضعها ضمن المعسكر الداعم لاوكرانيا وبين الحفاظ على علاقة جيدة مع الطرف الروسي لحسابات تتصل بالساحة السورية والاقليمية.

صحيح أن الرئيس بوتين تجاوب مع دور الوساطة الذي لعبه رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينت، كلٌّ وفق حساباته ورهاناته، لكن عدم تحقيق أي نتائج وارتقاء الموقف الاسرائيلي من الحرب الروسية الى مستوى المشاركة الرسمية والرفيعة المستوى، ممثلا برئيس الشعبة السياسية والامنية في وزارة الحرب الاسرائيلية، العميد درور شالوم، في مؤتمر عقد في المانيا بمشاركة أكثر من 40 دولة بما في ذلك جميع أعضاء الـ"ناتو"، لبحث سبل دعم وتسليح اوكرانيا، كان بمثابة المؤشر على الدور الفعلي الذي تلعبه "اسرائيل". وتزامن ذلك أيضًا مع تقارير روسية عن مشاركة مرتزقة اسرائيليين في الحرب مع الجيش الأوكراني ضد روسيا.

لذلك ينبغي قراءة موقف لافروف على أنه ردة فعل وليس فعلا ابتدائيا خاصة وأن التوجه الرسمي الروسي، الابتدائي، كان حريصاً على علاقات طبيعية مع الكيان، في أقل الاوصاف. فضلا عن أن كلا الطرفين لا يعتبر الآخر عدواً. لكن تقاطع مصالحهما وتعارضها، في ساحات ومجالات يجعلها تتسع وتضيق بحسب المتغيرات الدولية والاقليمية. إن التموضع الطبيعي والتقليدي لـ"اسرائيل" يكمن في كونها جزءًا من المعسكر الغربي مع مراعاة محسوبة لخصوصيتها بحكم تواجد الجيش الروسي في سوريا. وفي هذا الاطار، برر رئيس وزراء العدو سياسته الحذرة مع موسكو بأن اولويات الولايات المتحدة تتركز في المرحلة الحالية على روسيا والصين، وبأن "النظام العالمي يمر بهزة هائلة" في اشارة الى التحولات التي ستترتب على الحدث الروسي الاوكراني وانعكاساته الاقليمية.

وفي هذا الإطار جاء إعلان الكرملين عن اتصال هاتفي بين الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس وزراء الكيان نفتالي بينيت أعربا خلاله عن "اهتمامهما المشترك بمواصلة تطوير علاقات الصداقة بين روسيا وإسرائيل ودعم الاتصالات بين البلدين". وأشار البيان إلى أن بوتين وبينيت، في ظل اقتراب ما يسمى "عيد النصر على النازية" في التاسع من مايو أكدا على "الأهمية الخاصة التي يحظى بها هذا التاريخ بالنسبة للشعبين اللذين يحتفظان بكل حرص بالحقيقة التاريخية عن أحداث تلك السنوات ويحييان ذكرى جميع الضحايا ومنهم من قضوا في الهولوكوست"، وأكد بينيت على الدور الحاسم للجيش الأحمر السوفييتي في "دحر النازية".

لا تخفي "اسرائيل" أن خلفية أداءها السياسي المقنَّع يهدف الى الحؤول دون دفع روسيا لفرض قيود على حرية سلاح الجو الاسرائيلي في اعتداءاته التي يشنها في الساحة السورية، والى المزيد من التقارب من ايران وحلفائها.

مع ذلك، تراقب "اسرائيل" مسار العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتتخوف من نتائجها وتداعياتها التي تتدرج من القلق من استحواذها على اولويات الادارة الاميركية على حساب منطقة غرب آسيا. وأن يؤدي ذلك الى تآكل قوة الردع الأميركية في المنطقة الأمر الذي سينعكس سلباً على الامن القومي الاسرائيلي، وأن يساهم ذلك ايضا في دفع العديد من دول الخليج الى التقارب مع ايران بعد فقدان المظلة الاميركية.

السيناريو الأكثر خطورة الذي تتخوف منه "اسرائيل"، هو أن تؤدي هذه الحرب الى انتاج نظام عالمي جديد يقوم على التعددية القطبية وأن يؤدي ذلك الى مزيد من التقارب الصيني والروسي مع ايران ومحور المقاومة كجزء من الصراع المحتدم مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة والعالم. وفيما يتعلق بالمدى الذي يمكن أن تبلغه موسكو في موقفها من "اسرائيل"، فهو مرهون بمجموعة عوامل، من ضمنها المدى الذي يمكن أن تبلغه "اسرائيل" في دعم النظام الاوكراني والهامش الذي قد تسمح به الولايات المتحدة. وإذا ما احتدم الصراع مع المعسكر الغربي وبلغ مرحلة حرجة بالنسبة لروسيا، من الطبيعي أن تحاول استخدام كافة أوراق الضغط وفي كل الاتجاهات والساحات. ولدى روسيا مروحة من الخيارات والأوراق التي يمكن من خلالها أن تضغط على المعسكر الغربي، من ضمنها تعزيز العلاقات مع ايران وحلفائها وترجمة ذلك في الساحة السورية ايضا.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل