معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

زيارة الوفد الأميركي الى كييف: الأهداف والنتائج
28/04/2022

زيارة الوفد الأميركي الى كييف: الأهداف والنتائج

 د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي

دخلت الأزمة الأوكرانية منعطفًا خطيرًا جدًا، بحيث أصبحت المنازلة العسكرية أكثر حدة في الميدان بين روسيا من جهة، والغرب بقيادة الولايات المتحدة (بالرغم من غياب العنصر البشري لجيوش الناتو) من جهة أخرى، وهو ما ينذر بتدحرج الامور وانزلاقها، وخروجها عن مسارها الحالي، بشكل لا يمكن السيطرة عليه وضبط ايقاعه من قبل الأطراف.

ففي خطوة غير مألوفة على صعيد العلاقات الدولية، جاهرت واشنطن علنًا، وبدون تحفظات دبلوماسية، بأن هدفها في أوكرانيا لم يعد ينحصر، فقط، بعرقلة العمليات العسكرية الروسية، بل إن تركيزها بات منصبا الآن، على هدف كسر موسكو وتدمير قدراتها واستنزافها، وهو ما عبر عنه وزير الحرب الأمريكي لويد اوستن الذي قال "نريد أن نرى روسيا وهي تضعف إلى درجة أنها لا تستطيع القيام بالأشياء التي فعلتها في غزو أوكرانيا"، حسب تعبيره.
 
أهمية هذا التحول في الاستراتيجية الأمريكية تجاه روسيا، تكمن في أنها صدرت من أرض المعركة، على لسان الوفد الأمريكي الذي كان قد زار كييف في 25 نيسان الحالي برئاسة أوستن، ووزير الخارجية أنتوني بلينكين، حيث عدّها المراقبون والخبراء بمثابة تحدٍ مستفز محفوف بالمخاطر لروسيا، ونقلة نوعية في الانخراط الأمريكي في المعارك القائمة على الأراضي الاوكرانية.
 
كيف يمكن قراءة هذه الزيارة لكييف؟
 
تحمل الخطوة في طياتها عدة رسائل، أولها: رفع معنويات القيادة الأوكرانية المستاءة أصلًا من عدم تدخل الغرب في المعركة عبر قوات الـ"ناتو"، وتوجه واشنطن نحو تسخير كافة إمكاناتها العسكرية والمادية لمنع موسكو من تحقيق انجازات ميدانية أو أي انتصار في أوكرانيا، وتصميمها على خوض هذه المواجهة حتى آخر جندي أوكراني، وذلك من خلال الكشف عن مدّ كييف بأسلحة حديثة ومتطورة، لم تكن بحوزة الجيش الأوكراني من قبل.
 
 ثانيًا، إن الوفد الأمريكي، تقصّد الإعلان عن فتح سفارة بلاده من العاصمة الأوكرانية كييف (كانت أغلقت في الفترة التي سبقت 24  شباط الماضي) وهذه تعد إشارة  بحسب مسؤولين أمريكيين كبار، إلى عزم البيت الأبيض على قيادة المواجهة ميدانيًا على الارض، وسيتولاها سفيرها ــ الذي ستعينه حديثا ــ  خصوصًا أنه بعد أسابيع من إنكار أن القوات الأمريكية كانت تدرب بنشاط القوات الأوكرانية على الأسلحة الجديدة التي كانت تتلقاها، قال مسؤول كبير في وزارة الحرب الأميركية إن "أفراد الخدمة الأمريكية بدأوا التدريب خارج البلاد مع أكثر من 50 جنديًا أوكرانيًا على أنظمة مدفعية هاوتزر عيار 155 ملم كانت إدارة بايدن تقدمها كجزء من حزمة مساعدات أخيرة بقيمة 800 مليون دولار".
 
ثالثًا: محاولة طمأنة القيادة الاوكرانية باستمرار الدعم الأمريكي لها، والذي تجسّد بإعلان الوفد الأمريكي من قلب كييف، عن تقديم أكثر من 300 مليون دولار من التمويل العسكري الأجنبي، للسماح لأوكرانيا بشراء أسلحة أكثر تطورًا، إلى جانب 165 مليون دولار إضافية للذخيرة.  
 
ما هي ردة فعل موسكو على الزيارة الأمريكية لأوكرانيا؟
 
كان من المفترض أن تكون رحلة الوفد سرية، غير أنها ما لبثت أن تسربت الى وسائل الإعلام وأصبحت معروفة في توقيتها. وتبعًا لذلك، ردت روسيا على هذه الخطوة الأمريكية الاستفزازية غير المرحب بها، بارسالها العديد من الرسائل العسكرية الصاروخية التحذيرية للادارة الامريكية. فبعد انتهاء لقاء الزوار مع الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف، أطلقت روسيا عدة صليات من الصواريخ، مستهدفة ما لا يقل عن خمس محطات سكك حديد أوكرانية.
 
المفاجأة في الردّ الروسي هو اختياره سكك الحديد الأوكرانية، التي كان الوفد الأمريكي كان قد سافر عبرها الى بولندا في رحلة تستغرق 11 ساعة، ومع ذلك لم يتضح ما إذا كان الوفد لم يزل حينها داخل الاراضي الاوكرانية أثناء حصول تلك الهجمات، أو ما إذا كانت روسيا تنوي استهداف الوفد حقًا مباشرة. وفي هذه النقطة تحديدًا غني عن التعريف أن سكك الحديد والبنية التحتية في أوكرانيا، تعد مهمة ووسيلة رئيسية، لنقل الأسلحة والمساعدات الغربية إلى مناطق القتال في هذه الجمهورية السوفييتية السابقة.

ماذا تضم الدفعة الجديدة من الأسلحة النوعية الأمريكية لاوكرانيا؟
 
في الوقت الذي تدخل فيه العملية العسكرية مرحلة جديدة طويلة الأمد خصوصًا بعد تركيز الكرملين معركته على دونباس جنوب شرق اوكرانيا، استنفرت واشنطن ومعها دول الناتو، قدراتها وإمكاناتها لإفشال المخطط الروسي.

فحتى ما قبل الزيارة الأمريكية لكييف، وعلى مدار الأسبوعين الماضيين، كانت إدارة بايدن قد بدأت في شحن ما قيمته 1.2 مليار دولار من مدافع الهاوتزر، ونحو 200 ألف طلقة مدفعية، وعربات مصفحة ورادارات مضادة للصواريخ، وطائرات مسلحة انتحارية (تختلف عن سابقاتها الى ارسلتها الى اوكرانيا) جديدة بدون طيار قادرة على الطيران إلى الأهداف والانفجار بها.
 
وعلى خط مواز، أعلنت فرنسا الأسبوع الفائت أنها زودت أوكرانيا بعدد من مدافع هاوتزر ذاتية الدفع، كما تقوم الآن بتدريب 40 جنديًا أوكرانيًا في فرنسا على كيفية استخدام المدافع القوية المثبتة على ظهر شاحنة ذات ست عجلات.

الجدير بالذكر أن المدى الفعال لهذه المدافع، التي استخدمها الفرنسيون في أفغانستان وباعوها لحلفاء الناتو، يبلغ من 24 إلى 34 ميلاً، مما يمنح القوات الأوكرانية القدرة على إطلاق نيران دقيقة على مسافات بعيدة.
 
 علاوة على ذلك تتطلع المملكة المتحدة إلى ملء مخازن الدروع الثقيلة في بولندا، حيث تفكر وارسو في إرسال دبابات إلى أوكرانيا. وفي هذا الصدد، أشار رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يوم الجمعة الفائت، الى أن حكومته تدرس صفقة ارسال دبابات بريطانية إلى بولندا، إذ قررت وارسو إرسال بعض دباباتها من طراز T-72 التي تعود إلى الحقبة السوفييتية إلى أوكرانيا.
 
إلى جانب مدافع الهاوتزر والعربات المدرعة، أرسلت الولايات المتحدة أيضًا أسلحة نوعية، حيث تتضمن الحزمة الجديدة 121 طائرة بدون طيار من طراز Phoenix ، Ghost ، والتي يمكنها التحليق لمدة ست ساعات ـــ بما في ذلك خلال الليل ـــ إضافة الى تمتعها بقدرة على تحديد المواقع الروسية قبل أن يتم تحويلها الى طائرة انتحارية، وبالتالي تفجيرها بالهدف المراد ضربه. المثير انه تم تطوير وبناء هذا الطراز من الطائرات فقط خلال الأشهر العديدة الماضية، حيث ستكون القوات الأوكرانية أول من يستخدمها في ساحة المعركة على الإطلاق، من اجل استهداف مرابض وطواقم المدفعية الروسية.
 
وبناء على ذلك، تمثل عمليات التسليم، تقدمًا كبيرًا في شحنات الأسلحة، لا سيما الصواريخ المضادة للدبابات من طراز Javelin التي ذاع صيتها في الأسابيع الثمانية الأولى من القتال، والتي اعتمد عليها الجيش الاوكراني بكثافة في الأيام الأولى لانطلاق العمليات الحربية.
 
في المحصلة، من الناحية العسكرية، يعكس هذا التحول السريع في المساعدات، ونوعية الأسلحة المقدمة لأوكرانيا، أن المعركة الجديدة من المرجح أن يتم التركيز فيها على سلاح المدفعية والدبابات، خصوصا مع اقتراب وحدات المشاة الروسية من الحقول المسطحة في شرق أوكرانيا.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات