معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

الحجاب والإسلام في المعركة الانتخابية بين لوبان وماكرون
20/04/2022

الحجاب والإسلام في المعركة الانتخابية بين لوبان وماكرون

د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي

 

مع انحسار معركة الرئاسة الفرنسية بين الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون، ومنافسته مرشحة اليمين المتطرّف مارين لوبان، في أعقاب فوزهما بالجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية واقصاء المرشحين الآخرين، تصدرت الحريات الدينية للمسلمين السباق الرئاسي المحتدم، وباتت قضية محورية طغت على الاهتمامات الأخرى للوبان وماكرون (حتى الاقتصادية منها)، بعدما تحول الحجاب والاسلام إلى مادة دسمة للحصول على أصوات الناخبين وبالتالي الوصول الى الاليزيه.

كيف تنظر لوبان الى الحجاب والشعائر الاسلامية؟

من المعروف أن اليمين الفرنسي المتطرف ينظر إلى الوجود الإسلامي المتنامي في الجمهورية الفرنسية، على أنه تهديد قاتل للهوية الفرنسية. والمثير أن هذه النظرة لاقت استجابة واسعة في أوساط هذه الشريحة من الناخبين المؤيدين للوبان، لدرجة أن موقف إريك زمور - المرشح اليميني المتشدد الذي خسر، والذي رأى أن الإسلام وفرنسا كانا ببساطة "غير متوافقين" - اجتذب ما يقرب من 2.5 مليون صوت في الجولة الأولى.

وانطلاقًا من هذه النقطة، استغلت لوبان علاقات فرنسا المضطربة مع الإسلام بسبب تاريخها الاستعماري في الجزائر والعديد من الهجمات الجهادية في السنوات الأخيرة، وركزت حملاتها على التعرُّض لعقائد المسلمين، ووجهت معارضتها نحو المظاهر الإسلامية (وإن كانت تحرص على تخفيف لهجتها من وقت لآخر) بهدف اجتذاب أصوات القوميين الفرنسيين المتطرفين الذين يشاركونها هذا الرأي، ويتوجسون من تغيير صورة فرنسا "العلمانية" كما يزعمون.
   
ولتغذية هواجس هؤلاء القوميين اليمينيين وتأجيج عواطفهم وإثارة غرائزهم ضد المسلمين، صعدت لوبان نبرتها التحريضية، وذهبت بعيدًا في خطابها، إذ تعهدت - وهي قومية ذات أجندة معادية للمهاجرين خصوصًا المسلمين منهم - بحظر ارتداء غطاء الرأس في الأماكن العامة في حال تم انتخابها في الجولة الثانية من التصويت يوم الأحد المقبل، واصفة الحجاب بأنه علامة على التمسك بتفسير متطرف معاد للغرب.

أكثر من ذلك، نفت لوبان أصل وجود الحجاب في الشريعة الاسلامية، من خلال تقديمها مقاربة تعبر عن الانفصام الذي تتخبط فيه، من حيث مناداتها بالحريات من جهة، ثم إنكارها هذه الحرية على ملايين المسلمين المتجذرين في فرنسا، ومحاولتها ربط الحجاب بالتطرف من جهة أخرى ــ وإن بشكل غير مباشر - وذلك عبر اعتبارها أن غطاء الرأس مجرد زي ابتدعه "الاسلاميون المتطرفون"، وليس زيًا إسلاميًا جاء به الاسلام، وهذا يحدث فرقًا كبيرًا برأيها. أي بتوصيف أدق، قالت إن الحجاب هو زي رسمي لأيديولوجية، وليس لدين.

ليس هذا فحسب، أصرّت لوبان على استفزاز المسلمين، بتصريحاتها المناهضة لهم، وتشديدها على أنه لن تكون هناك صعوبة في تطبيق الحظر وتغريم النساء اللواتي يرتدين الحجاب أكثر من فرض استخدام أحزمة المقاعد.

ولكي تعطي لوبان الشرعية لخطابها العنصري التمييزي، لفتت الى أن هذا المنع للحجاب ينسجم مع مفهوم العلمانية الفرنسية، وهو بحسب رؤيتها قائم على المعركة ضد الإيديولوجيات الإسلامية. ومع ذلك، استدركت لوبان كلامها قليلاً، وأوضحت أن القضية "مشكلة معقدة" وأن حظرها المقترح سيُناقش في الجمعية الوطنية.

وما زاد الطين بِلة، وفاقم الجدل الدائر حول الحرية الدينية، هو وعد لوبان بحظر طقوس ذبح الحيوانات اللازمة لإنتاج لحوم حلال.

ماذا عن موقف ماكرون؟

بالمقابل، رفض ماكرون كلام لوبان أعلاه باعتباره يضر بفرنسا حيث "لن يتمكن المسلمون واليهود من تناول طعامهم وفقًا لتعليمات دينهم. إضافة الى ذلك، يحرص الرئيس على الظهور بمظهر المدافع عن الشعائر الاسلامية، رغم أنه سبق وقام بخطوات واجراءات غير مباشرة تستهدف الإسلام والمسلمين في فرنسا تحت شعار تطبيق القوانين.

ومع أن ماكرون وصف خطة لوبان بأنها "مشروع متطرف"، غير أنه كان قد أثار غضب بعض أفراد الجالية المسلمة، لا سيما إصداره تشريعًا العام الماضي، يهدف إلى مكافحة ما يسميه "الانفصالية الإسلامية". وقد استخدم هذا القانون لإغلاق بعض المساجد والجمعيات الإسلامية المهتمة بتعزيز التطرف، واللافت أنه جرى وضع هذا القانون، لجذب الناخبين اليمينيين إلى معسكره الوسطي.

زد على ذلك، أن ماكرون، الذي اتسع تقدمه في استطلاعات الرأي قليلا خلال الأسبوع الماضي إلى 53.5 بالمائة، مقابل 46.5 بالمائة للوبان، كان قد واجه مسلمات فرنسيات يرتدين الحجاب خلال توقف حملته الانتخابية في ستراسبورغ بفرنسا، حيث دار حوار بين الطرفين عن الحجاب والحريات.

وعندما أجابت امرأة مسلمة عن سؤال ماكرون عن سبب ارتدائها للحجاب، مؤكدة أن "غطاء رأسها تم اختياره وفقًا لقناعاتها وليس فرضه"، لم يخلُ رد ماكرون من المزايدة على منافسته لوبان، وقال "هذه كانت أفضل إجابة، لكل الغباء (في إشارة واضحة إلى لوبان) الذي ما زلت أسمعه".

ما الهدف من جولات ماكرون؟

يرى المراقبون أن الجولات المستجدة لماكرون تعد - وهو بالكاد قام بحملته الانتخابية قبل الجولة الأولى من التصويت - دليلًا على شروعه بتعديل رسالته لجذب كتل الناخبين (خصوصًا الجالية المسلمة واليسار) الذين شعروا بالخيانة والخيبة من أدائه على مدى السنوات الخمس الماضية.

وعليه، وفي خطوة يراد منها ضرب صورة منافسته، اتهم ماكرون لوبان بتقويض مبادئ العلمانية والدستور نفسه من خلال اقتراح حظر غطاء الرأس. كما لعب في مقابلة إذاعية، دور الحامي للحريات الدينية للمسلمين، والحريص على مساواتهم بالأديان الأخرى في فرنسا - لاستمالة الجالية الاسلامية -  وذلك بمهاجمته مواقف لوبان من "المظاهر الاسلامية" وتحذيره من أنها "ستضطر أيضًا إلى حظر استخدام الكيبا والصليب والرموز الدينية الأخرى، في الأماكن العامة وإلا فإنها ستفرق بين المؤمنين".

أما بالنسبة للمسلمين، فإن ما يؤلمهم هو الغبن اللاحق بهم من قبل ماكرون ولوبان، فهما تجاهلا حتى الآن في حملاتهما الانتخابية، ذكر انتمائهم الوطني، والتضحيات التي قدمها أجدادهم لفرنسا. فنادرًا ما يتم عن الحديث الخدمة العسكرية للمسلمين.

ما يجدر معرفته، أن غالبية العائلات المسلمة في فرنسا خدم أحد أفرادها في الجيش الفرنسي، حيث تحتوي المقبرة الضخمة في فردان، التي كانت مسرحًا لواحدة من أكثر المعارك تدميرًا في الحرب العالمية الأولى، على قسم كامل للمسلمين الفرنسيين الذين قضوا وهم يقاتلون من أجل فرنسا.
 
لكن ما هو موقف المسلمين؟ ولمن ستتجه أصواتهم إذًا؟
 
إذا كانت تصريحات لوبان تنفر الناخبين المسلمين، فمن غير الواضح ما إذا كانت ستدفعهم أيضًا إلى دعم ماكرون في الجولة الثانية. وفي هذا الاطار، قال العديد من الناخبين في الجولة الأولى لجان لوك ميلانشون لميلينشون (سياسي فرنسي يساري، ترشح باسم "حركة فرنسا الأبية"، ومن بينهم مسلمون) إنهم سيمتنعون عن التصويت في 24 الجاري.

الجدير بالذكر أن حوالي 70 بالمائة من مسلمي فرنسا (الذين يشكلون حوالي 8 بالمائة من السكان)، صوتوا لصالح ميلينشون الذي تم إقصاؤه بفارق ضئيل، وفقًا لدراسة أجراها معهد "إيفوب" للاستطلاعات.
ففي الجولة الأولى، صوت حوالي 70 بالمائة من مسلمي فرنسا (الذين يشكلون حوالي 8 بالمائة من السكان) لميلينشون الذي حقق اختراقًا مهمًّا في الانتخابات الأخيرة، وحصل على أصوات بمعدل 7 من كل 10 ناخبين مسلمين، في حين فاز بـ22 بالمائة فقط من الأصوات الفرنسية المعبّر عنها في الانتخابات.

في المحصلة، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه، ويحيّر الخبراء الفرنسيين، هو أين ستذهب أصوات المسلمين في الجولة الثانية بعد تصريحات لوبان العدائية، وعدم ثقتهم بماكرون وتجاربهم المريرة معه، فيما الاجابة تحددها صناديق الاقتراع وحدها؟

ايمانويل ماكرون

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل