آراء وتحليلات
هل أفلس لبنان فعلاً؟
د. محمود جباعي
في ظل الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها البلاد، وغياب أي أفق واضح لكيفية الخروج من النفق في القريب العاجل عبر وضع خطة تعافٍ مالية واقتصادية، تكثر الأسئلة حول قدرة الدولة والحكومة ومعهما السلطات الموجودة في لبنان على ايجاد حلول فعلية وحقيقية يمكن أن تضع البلاد على سكة العودة الى المسار المالي الصحيح. بل يعتقد البعض أن في لبنان قوى سياسية متماهية مع الخارج في سياساته الضاغطة على الشعب اللبناني عبر رفض كل الحلول الحقيقية من أجل وضع البلاد تحت سلطة المجتمع الدولي، وتوقيع اتفاقيات مع صندوق النقد الدولي المعروف مسبقاً من يديره وما هي مصالحه وأهدافه المتعلقة بالدرجة الأولى بملف ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة.
ما هو إفلاس الدولة؟
تعتبر الدولة في حالة إفلاس تام وفعلي عندما تعجزعن الوفاء بالتزاماتها المالية من رواتب وأجور لموظفيها ومتقاعديها، وكذلك عجزها التام عن دفع تعاقداتها المتعلقة بتنفيذ المشاريع المختلفة، وتعتبر في حالة إفلاس عندما تصبح غير قادرة على دفع قيمة ما تشتريه من الخارج من بضائع وسلع مختلفة بما في ذلك ما يتعلق بقدرتها على شراء الحاجات الاستهلاكية الأساسية من المواد الغذائية والقمح والمحروقات وكذلك الأدوية وغيرها.
والأبرز في حالة الافلاس الكلي هو عدم قدرة الدولة على دفع المستحقات المفروضة عليها من ديون والتزامات للدائنين المحليين والخارجيين، بسبب عدم قدرتها على تحقيق ايرادات حقيقية مما يوصلها الى حالة من المديونية المستدامة تسهم في النهاية الى الوصول نحو طريق مسدود يجعلها تشهر إفلاسها، مما يعني أنها لم تعد قادرة مطلقًا على الاستمرار في الوضع الذي وصلت إليه، وهو ما ينطبق نوعًا ما على وضع الدولة اللبنانية التي لم تجد حتى الآن السبيل الواضح لتخطي أزماتها المالية والاقتصادية المتأزمة.
ومن الأمثلة القريبة لاعلان إحدى الدول افلاسها وفقًا للتعريفات السابقة اليونان، والتي أعلنت افلاسها التام في عام 2012 بسبب عجزها عن الايفاء بديونها ودفع المستحقات المطلوبة منها بعد أن وصل حجم الدين الحكومي إلى حوالي 313 مليار يورو في حينها.
لبنان ليس مفلسًا بالمعنى القانوني والاقتصادي
أثار اعلان نائب رئيس الحكومة اللبنانية سعادة الشامي بلبلة كبيرة في الأوساط السياسية اللبنانية وبين جميع المواطنين اللبنانيين، إلا أنه لم يشكل مفاجأة كبيرة نظرًا لأن الجميع بات مدركًا لحجم الأزمة المالية الحالية والمصنفة وفقًا لصندوق النقد الدولي أنها بين أخطر 3 أزمات اقتصادية على مستوى العالم خلال 150 سنة، حيث أصبحت الدولة اللبنانية متعثرة وشبه عاجزة عن الايفاء بالحد الادنى من التزاماتها المالية. الا أن تصريح الشامي لا يعكس الموقف الرسمي من جانب الدولة اللبنانية، والذي يحتم عليها من الناحية القانونية أن تعلن إفلاسها فعليًا إذا ما قررت ذلك من خلال بيان رسمي صادر عن الحكومة اللبنانية، وموجه إلى الشعب اللبناني أولًا ومن ثم الى الجهات الدولية المعنية ثانيًا، وخاصة البنك الدولي والجهات المانحة والمقدمة للقروض والمساعدات الدولية. وهذا الأمر طالما لم يحصل بهذا الشكل لا يعتبر كلام أي مسؤول بالدولة ملزمًا للجهات الدولية في التعاطي مع لبنان على أنه بلد متعثر أعلن افلاسه رسميًا.
أما من الناحية الاقتصادية ورغم كل المخاطر المالية والمشاكل الاقتصادية التي تمر بها البلاد إلا أنه لا يمكن اعتبار البلد مفلسًا طالما توجد احتياطات في المصرف المركزي من عملات أجنبية والمقدرة حاليًا بحوالي 10 مليارات دولار، واحتياط ذهب مقدر حاليًا بحوالي 18.5 مليار دولار، كذلك امتلاك الدولة اللبنانية لعقارات مهمة موضوعة اليد عليها من قبل جهات سياسية عدة يبلغ ثمنها مليارات الدولارات، ووجود مشاعات يمكن استخدامها في تحريك عجلة النمو الاقتصادي، فضلاً عن وجود ثروة غازية ونفطية هائلة في المياه الاقليمية اللبنانية والتي اذا استغلت بالشكل الصحيح يصبح لبنان في قائمة الدول الغنية وليس فقط في قائمة الدول الخارجة من حالة التعثر المالي والاقتصادي.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024