آراء وتحليلات
اليمن ومعادلة "النفط مقابل الحصار": من يصرخ أولًا؟
إسماعيل المحاقري
على أعتاب العام الثامن من الصمود في وجه العدوان على اليمن، بات من المؤكد أن السعودية ومشغليها خسروا الرهانات العسكرية والأمنية، وفقدوا تأثير عناصر الضغط الاقتصادية لإخضاع الشعب اليمني وتحقيق الأهداف المعلنة من واشنطن نهاية آذار/ مارس عام 2015، رغم كارثية الأوضاع في القطاعات الحيوية. وأضحت مصالح المملكة مهددة، وعمقها مكشوفًا نتيجة للتحولات الميدانية على الأرض لصالح الجيش واللجان الشعبية والتطور المطرد في قدرات الصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيرة العابرة للحدود بكل قوة واقتدار.
عملية كسر الحصار الأولى التي استهدفت من خلالها القوات المسلحة اليمنية بتسع طائرات مسيرة من طراز "صماد"، مصفاة "أرامكو" ومنشآت الشركة الأهم في الرياض وجيزان وأبها، تفتح المجال أمام عمليات واسعة النطاق والتأثير على أرضية أسعار النفط المضطربة، ووجهت رسائل متعددة في توقيت بالغ الأهمية والحساسية على وقع الأزمة الأوكرانية.
الرياض، العاصمة السياسية بمراكزها السيادية ومنشآتها الحيوية تفقد أمنها بفعل المسيرات، وبضربات فاعلة تؤكد القوات المسلحة أنها لن تتوقف طالما العدوان مستمر، والحصار يحول دون وصول سفن النفط والغذاء، ولمن يعول على الدفاعات الأمريكية الجوية لرصد هذه القدرات واعتراضها، فهو واهم، وينتظر السراب، وبالتالي على النظام السعودي أن يتخلى عن مكابرته ويعطي الحرب حقها بعيدًا عن العنجهية الفارغة المسيطرة عليه والتي أفقدته التفكير بحسابات المنطق وردود الفعل.
وعطفًا على ذلك تجدر الإشارة إلى تصريحات قائد القيادة الأمريكية الوسطى "كينيث ماكينزي" إذ اعتبر أن الطائرات المسيرة الصغيرة تشكل معضلة وتمثل تحديًا ملموسًا بسبب ما أسماه سهولة شرائها وتكلفتها المنخفضة وصعوبة رصدها واعتراضها، مشددًا على ضرورة أن تجد الولايات المتحدة سبلاً جديدة للتعامل مع هذا الخطر في الشرق الأوسط وغيره من مناطق العالم، وهذا ما يؤكد أن البلد الذي يعد بالحماية لوكلائه السعوديين والإماراتيين في الإقليم هو أحوج ما يكون إليها.
وبهذا تكون الساحة الخليجية المفتوحة أبوابها على مدى عقود أمام المشغل الأمريكي غير آمنة ومستقرة ولن ينظر إليها في ظل تصاعد عمليات الرد والردع، على أنها البديل لحل الأزمات الاقتصادية المستجدة كما كانت في السابق.
توجه الضربة الأخيرة للجانب الأمريكي وحلفائه الغربيين رسالة مباشرة بأن اليمن ليس سلعة أو صفقة للمساومة والاستثمار في بازار السياسة، وأي قرار أمريكي يزيد من طين الأزمة الإنسانية الأشد في العالم بلة بدعم عسكري إضافي للسعودية والإمارات في مقابل زيادة انتاجهما من النفط، لن يمر مرور الكرام ولن يكتب له النجاح تحت أي من الظروف، وكي لا تتهور واشنطن وتضع كل بيضها في سلة محمد بن سلمان عليها إدراك أن الحساب مفتوح وعملية توازن الردع الثانية التي أوقفت نصف انتاج النفط السعودي تلوح في الأفق، والقوات المسلحة اليمنية لا تنقصها الجرأة لتكرار ذلك في إطار الحق المشروع في الدفاع عن النفس وعن سيادة بلد وكرامة شعب يرزح تحت وطأة الحصار.
الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية والمجنحة ليست سلاح اليمنيين الوحيد لصنع متغيرات كبيرة في الإقليم وإحداث اهتزاز في أمن المملكة الاقتصادي، فاليمن يملك من القدرات على صعيد البحر ما يمكنه من إيقاف حركة سفن دول العدوان في البحر الأحمر، من أي نقطة أو مسافة وإن بعدت، وفي هذه المرحلة الأشبه ما تكون بمرحلة عض الأصابع، ليس الصراخ هو المعيار الوحيد لإعلان الخسارة والهزيمة، لأن العويل السعودي قد سمع به العالم وكذلك الإماراتي، لكن المعيار الحقيقي هو الصمود الشعبي وحالة الاصطفاف إلى جانب الجيش واللجان الشعبية وخيارات القيادة الثورية ممثلة بالسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي لتكريس معادلات جديدة عنوانها "النفط مقابل الحصار".
وكأدوات هزيلة في المشروع الأمريكي لم تعد تملك السعودية ولا الإمارات أكثر من التخبط بغارات عبثية وعشوائية للتغطية على فشل حرب السنوات السبع على كل الصعد، مدفوعة بإجراءات الحصار المشددة لتعميق المعاناة وحمل السلطة في صنعاء على القبول بالشروط والإملاءات التي عجز التحالف عن تنفيذها عسكريا.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024