آراء وتحليلات
بينيت.. سِفارة أمريكية في الكرملين
ايهاب زكي
من غير المستغرب وجود رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في الكرملين، حيث وجدت "إسرائيل" نفسها في خضم معركةٍ تخصها بشكلٍ مباشر، دون أن تدري سبيل النجاة. كل المواقف محفوفة بالمخاطر، وهذا يبدو جليًا في متابعة الموقف الإسرائيلي المتدرج منذ بدء الأزمة، حيث الإدانة لما أسمته "الغزو" الروسي لأوكرانيا، ثم التردد، ثم إعلان الاستعداد للوساطة، والحقيقة أنّها سِفارة أمريكية أكثر منها وساطة، وقد يُستشف منها أنّها خطوة أمريكية خصوصًا وغربية عمومًا للخلف، حيث تم الإعلان أنّها وساطة جرت بتنسيق مع واشنطن وبرلين وباريس.
ويبدو أنّ الغرب يحاول أن تصل رسالته من خلال هذه الزيارة للرئيس الروسي، حيث العصا والجزرة، وهي تشبه كثيرًا إن أردنا تشبيهها، بالزيارات التي كان يقوم بها مسؤولون عرب وغيرهم، للرئيس السوري بشار الأسد، في بداية اندلاع الأزمة في سوريا، وكان مضمون تلك الزيارات أمريكيًا بحتًا، وكله تحت لافتة العصا والجزرة، ولكن المختلف في زيارة بينيت الأمريكية، أنّ الغرب لا يمتلك القدرة - وإن كانت الرغبة جامحة - على مواجهة روسيا بشكلٍ مباشر، لذا يتجنب وصول الأمور للحائط المسدود، فيعمل على سياسة خطوتين للأمام وخطوة للخلف.
اصطحب بينيت في زيارته الكرملين "وزير الإسكان زئيف ألكين" وهو أوكراني المولد، والحقيقة لا أعرف إن نظر إليها الرئيس الروسي باعتبارها خطوة استفزازية أم توددية، ولكنها بكل الأحوال استفزازية لنا كعرب ومسلمين عمومًا، باعتبار هذا الشريد وزيرًا، وأصحاب الأرض في غيابة المهاجر، بينما اليهودي زيلنسكي رئيسًا لأوكرانيا، وبإمكانه في ذات الوقت أن يكون رئيسًا للكيان المؤقت في فلسطين المحتلة، حيث إنّ لديه عائلة في "إسرائيل"، وكان لافتًا حديث زيلينسكي عن عطلة السبت، عندما اعتبر أنّه في حالة الخطر والدفاع عن النفس، فالسبت مثل الأحد مثل الإثنين مثل بقية الأيام، وهذا في الوقت الذي برر فيه بينيت على لسان المتحدث باسمه، تحركه للوساطة في يوم سبت، وانتهاكه لحرمة سبتهم، وهو لا يمارس أعمالًا حكومية "يوم سبتهم"، بأنّ اليهودية تسمح بذلك إن كان الأمر متعلقاً بإنقاذ حياة الإنسان.
إنّ ما تُسمى بالوساطة "الإسرائيلية"، ما هي إلّا نافذة، لإطلالةٍ أمريكية عن قرب على دماغ بوتين، وللحديث شبه المباشر معه، حيث إنّ الكيان المؤقت لا يمتلك مقومات الوساطة التي تحتاج للكثير من المقومات، أولها الحياد، وهو مفقود في هذه الحالة، كما تحتاج الى أن يكون الوسيط نزيهًا، كما يجب أن يكون ذا سطوةٍ أو حظوةٍ لدى أطراف الصراع، بينما الكيان لا يمتلك أيًا من تلك المقومات، وهذا ما يجعل من الوساطة خطوة أمريكية للخلف.
قد يعتبر البعض أنّ هذه الوساطة ما هي إلّا مناورة "إسرائيلية" للتأثير على مجريات الاتفاق النووي، حيث الإصرار الروسي على تقديم ضماناتٍ أمريكية مكتوبة، بعدم تأثير العقوبات التي فرضها الغرب مؤخرًا على روسيا، على العلاقات التجارية الإيرانية الروسية في جميع المجالات، وهذا ما قد يراه البعض أنّه عقبة في طريق العودة الأمريكية للاتفاق النووي، وإعاقة روسية لمفاوضات فيينا، ولكن الحقيقة أنّ التعنت الأمريكي في إعطاء الضمانات هو المناورة الحقيقية، حيث إنّ العقوبات الأمريكية والغربية على روسيا، تستهدف العلاقات التجارية والاقتصادية الروسية الأوروبية بالأخص، وهي كذلك تستهدف قطاع الطاقة الروسي، وهذا ما لا يضيره إعطاء ضمانات لعدم تأثير العقوبات البينية الروسية الإيرانية، لذا فهي أقرب لمناورةٍ أمريكية للضغط على الطرفين الروسي والإيراني لمحاولة زرع شرخٍ في العلاقات بين البلدين.
إنّ هذه الوساطة ستكون الواشية، حسب تطورها أو تراجعها، عن الاستراتيجية الأمريكية تجاه روسيا، والعملية العسكرية في أوكرانيا، وهذا ما لا يمكن ترجيحه في هذا الوقت المبكر، حيث إنّ سيناريوهات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا لا زالت مفتوحة، رغم النتائج المحسومة سلفاً، وهي انتهاء عالم القطب الواحد كما عهدناه على مدى ثلاثة عقود، ولكن ما يمكن التنبؤ به، هو أنّ بينيت سيستخدم هذه الوساطة في الشأن الداخلي، باعتباره الشخصية القادرة على قيادة الدفة "الإسرائيلية"، في الظروف العصيبة، بينما الحقيقة أنّ "إسرائيل" ستكون من الخاسرين، أينما رست سفينة سيناريوهات العملية العسكرية في أوكرانيا، حيث إنّ من يعيش زمان الانحدار، لا يمكن للظروف غير المباشرة، أن تجعله من الصاعدين.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024