معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

انقلاب بوركينا فاسو والمطالبة بروسيا كبديل عن فرنسا
31/01/2022

انقلاب بوركينا فاسو والمطالبة بروسيا كبديل عن فرنسا

د. علي دربج | باحث ومحاضر جامعي
يبدو ان تلبية روسيا لنداء السلطات الكازاخستانية، وتدخلها السريع عبر قيادتها لـ"منظمة معاهدة الامن الجماعي"، ومدها يدّ العون للسلطات هناك، لضبط الاوضاع واحباط مؤامرة نشر الفوضى التي كانت تحاك لهذا البلد، ستفتح ــ او ربما فتحت ــ الباب مستقبلا للعديد من الدول وربما الشعوب (خصوصا السمراء منها)، للمطالبة بروسيا كبديل عن القوى الاستعمارية التقليدية (فرنسا مثلا)، لمساعدتها (اي هذه الدول) في التغلب على التهديدات التي تواجهها، لا سيما بعد النجاح الذي حققته موسكو في مهامها الخارجية في ألماتي وغيرها من البلدان الافريقية.

احدى تلك الاشارات جاءت تحديدا من بوركينافاسو. فغداة الانقلاب الذي وقع في هذا البلد الاسبوع الماضي ــ وما تبعه من اجراءات كعزل للرئيس روش كابوري ـــ خرج حشد من المواطنين الذين كانوا يحتفلون بالسيطرة العسكرية في الساحة الرئيسية بالعاصمة، وقد حملوا رسالتين للعالم الخارجي مضمونهما: لا لفرنسا، ونعم لروسيا.

لنبدأ من الانقلاب وتداعياته

ادى الانقلاب الى استيلاء الجنود المتمردين على السلطة في هذه الدولة الفقيرة الواقعة في غرب إفريقيا، وسط موجة من الإحباط والغليان نتيجة فشل الحكومة في وقف تصاعد ارهاب "الجماعات الاسلامية الوهابية التكفيرية" (بعضها تابع لـ"داعش" أو "للقاعدة") والذي تسبب منذ عام 2016، في نزوح 1.4 مليون شخص، وقتل 2000، وزعزعة استقرار ربما ثلثي بلد كان ينعم بالسلام في يوم من الأيام.

بعد أن تم الاطاحة بالرئيس السابق، روش مارك كريستيان كابوري ـــ الذي يحتجزه الجيش البوركيني حاليا ــــ  تحول مؤيدو الانقلاب إلى إعادة تشكيل التحالفات الخارجية لبوركينا فاسو. وظهرت ميولهم المفضلة، في الأعلام الروسية التي رفرفت في العاصمة واغادوغو، إلى جانب لافتات صريحة مرسومة باليد، وموجهة مباشرة إلى الحاكم الاستعماري السابق لبوركينا فاسو، حيث كتبت على احداها "لا لفرنسا".

وهل لروسيا وجود في بوركينا فاسو؟ لنقرأ سويًا.

في الواقع، لا توجد قوات روسية معروفة بوجودها في بوركينافاسو، وليس من الواضح ما إذا كان الحاكم العسكري الجديد للبلاد، المقدم بول هنري سانداوغو داميبة، يريدهم أن يأتوا. الثلاثاء 25 الجاري، ذكرت صحيفة "ديلي بيست" أن "داميبة كان قد ناشد الرئيس "السابق كابوري" لتوظيف "مجموعة فاغنر"، وهي منظمة روسية عسكرية.

ومع ان العديد من المسؤولين الأمريكيين، شككوا بشكل خاص بهذه الرواية، لكنهم قالوا إنه من المعقول تمامًا أن تسعى الحكومة العسكرية الجديدة للحصول على مساعدة روسية.

وبالرغم من عدم وضوح الجهة التي تقف وراء الانقلابيين في بوركينافاسو، الا ان اللافت هو ان القيادة الأمريكية في إفريقيا، قالت إن "داميبة  كان شارك في العديد من الدورات والتدريبات العسكرية الأمريكية بين عامي 2010 و2020، لينضم إلى قائمة طويلة من القادة الانقلابيين الأفارقة الذين تلقوا تدريبات عسكرية أمريكية".

ليس هذا فحسب، اشارت كيلي كاهالان، المتحدثة باسم القيادة الأفريقية، في رسالة بالبريد الإلكتروني الى صحيفة "نيويورك تايمز"، الى ان "داميبا تلقى تعليمات بشأن قانون النزاعات المسلحة والسيطرة المدنية واحترام حقوق الإنسان. فالاستيلاء العسكري على السلطة يتعارض مع التدريب والتعليم العسكري الأمريكي".

ما يقلق الاميركيين، انه لم يتضح برأيهم كيف انتهى الأمر بالأعلام الروسية في مظاهرة مؤيدة للجيش في وسط "واغادوغو" يوم الثلاثاء، بعد أقل من 24 ساعة على الانقلاب. لكن الثابت، ان المسيرة كانت مؤشرًا على محاولة تمهيد الطريق للتدخل الروسي في دولة أفريقية أخرى بعد مالي وليبيا.

وتعقيبا على ذلك، قال "أندرو ليبوفيتش"، زميل السياسات في "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "إن الصعوبات التي واجهتها أوروبا وفرنسا على وجه الخصوص في كبح جماح الجماعات الجهادية في منطقة الساحل قد أتاحت فرصة لروسيا لتوسيع تعاونها الأمني، لا سيما في مالي".

وماذا عن النفوذ الروسي في القارة الافريقية؟

عمليا، الوجود الروسي حاضر في جمهورية إفريقيا الوسطى، لكن من المعروف أيضًا أن روسيا تدخلت، بدرجات متفاوتة، في موزمبيق وليبيا والسودان، من بين دول أخرى.

يشير المحللون إلى أن التدخل الروسي في إفريقيا غالبًا ما يركز على الدول الغنية بالموارد والتي هي في حاجة ماسة إلى المساعدة العسكرية حيث يتضاءل النفوذ الغربي أو يكون غائبًا. تأتي المساعدة الروسية بحسب خبراء عسكريين غربيين، في شكل مستشارين عسكريين أو أسلحة أو مرتزقة، تُدفع أجورهم نقدًا أو بمنحهم امتيازات تعدين الذهب والالماس والموارد الأخرى.

في الآونة الأخيرة، تحول تركيز روسيا إلى منطقة الساحل، حيث تستفيد من تنامي المشاعر المعادية لفرنسا وسمعتها الخاصة من حيث الفعالية في القتال.

والان لنستعرض حقيقة التدخل الروسي في مالي.

أثار انتقال شركة عسكرية روسية مؤخرا الى مالي، عش الدبابير الدبلوماسية الغربية، بعدما طلب المجلس العسكري الحاكم في مالي الخريف الماضي من الشركة (وفقا لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف) المؤازرة لقتال المجموعات الاسلامية الارهابية.
 اغضب هذا الانتشار ــ الذي شهد أول اشتباكات تم الإبلاغ عنها بين مرتزقة روس ومقاتلين إسلاميين ارهابيين في وقت سابق من هذا الشهرــ  فرنسا، التي نشرت منذ 2014، آلاف الجنود في منطقة الساحل، بما في ذلك مالي، لمساعدة مستعمراتها السابقة في مواجهة التهديد الإرهابي المتزايد.

النقطة الاهم في هذا الانتشار الروسي في مالي، انه حاز على الاهتمام في بوركينا فاسو، حيث بدأ المدنيون والضباط العسكريون اليائسون من جهودهم المدعومة من فرنسا لمحاربة الإسلاميين الارهابيين، في اعتبار النموذج الروسي بديلاً قابلاً للتطبيق.

وفي هذا السياق، قال العديد من السكان إن الرأي العام المؤيد للتدخل الروسي اكتسب زخما على وسائل التواصل الاجتماعي في الأسابيع الأخيرة. فعلى Facebook مثلا، أعاد أشخاص في بوركينافاسو نشر حسابات إخبارية عن الانتشار الروسي في مالي. وأشاروا أيضا إلى انتقادات لاذعة من قادة مالي لقرار فرنسا سحب قواتها وإغلاق ثلاث قواعد رئيسية في شمال مالي، في تشرين الاول/ أكتوبر الماضي.

ما يجدر التوقف عنده، ان رئيس وزراء مالي المؤقت، "تشوجويل كوكالا مايغا"، كان اتهم فرنسا في الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر الفائت، بالتخلي عن بلاده، قائلاً "إنها ستجبر مالي على البحث عن شركاء جدد".

ولكن ما الدافع للتوجه نحو روسيا؟ اليكم التفاصيل

تنطلق النظرة الايجابية للروس من قبل بعض المواطنين في بوركينافاسو، من ان الروس حققوا نتائج جيدة في دول أفريقية.  اوضح العديد من الأشخاص أن حماستهم لموسكو نابعة من التدخل الروسي في جمهورية إفريقيا الوسطى، فمن وجهة نظرهم يحرس الروس الرئيس هناك، وفي الوقت ذاته تقاتل عناصر روسية (لا تتبع للحكومة مباشرة) "الجماعات المسلحة الارهابية" (بانواعها المختلفة) في هذه الجمهورية، وفي مالي ايضا. وعليه، واستنادا لهذه المعطيات، يقول هؤلاء المواطنون "نأمل أن يتمكنوا (اي الروس) من فعل الشيء نفسه هنا."

وبناء على ذلك، جاهر العديد من الناس وسط الحشد في  العاصمة البوركينية اغادوغو يوم الثلاثاء الماضي، بأنهم استلهموا مطالبتهم بروسيا، من تحدي مالي لفرنسا، معتبرين أن استيلاء الجيش على السلطة، والتحول المنشود إلى روسيا، فرصة لتحقيق "الاستقلال التام" عن فرنسا، التي غادرت بوركينافاسو رسميًا في عام 1960.

في الختام، وجه الانقلاب الذي وقع هذا الأسبوع، ضربة جديدة لجهود فرنسا المتعثرة لتحقيق الاستقرار في منطقة الساحل. صحيح ان مسؤولا عسكريا فرنسيا كبيرا نفى التلميحات بأن بوركينافاسو على وشك أن تتأرجح بشكل مفاجئ تجاه روسيا، لكن قوله "علينا أن نكون نشيطين لتجنب أي فراغ يمكن أن يستغله الروس"، يعني ان هناك مخاوف فرنسية جدية من مزاحمة موسكو لباريس في منطقة كانت مغلقة تاريخية لفرنسا.

بوركينا فاسومالي

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة