معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

عالم اليوم: انعدام المساواة 2022
10/12/2021

عالم اليوم: انعدام المساواة 2022

أحمد فؤاد

تصنع القوانين والتقاليد الراسخة ظرفًا اجتماعيًا، هو الجحيم البشري، فطالما وُجد الفقر واللامبالاة على الأرض، قصص كـ "البؤساء" ستكون ضرورية دائمًا.

قدم الفيلسوف والأديب الفرنسي الأشهر فيكتور هوجو، في رائعته البؤساء، التشريح الأدق لمجتمع كامل سقط في اختبار العدالة، مجتمع قرر أن يعاقب جان فالجان -بطل الرواية- لأنه تجرأ على سرقة رغيف خبز ليسد جوعه القاتل، لكن الرواية التي جاءت في مجتمع ما قبل الثورة الفرنسية، تعاد بنجاح كامل بطول عالم اليوم وعرضه، عالم تزداد فيه الهوة بين أثرى الأثرياء وأولئك ممن ينتمون للطبقات المسحوقة، وتمنح القوانين القائمة المزيد والمزيد من الحماية والقوة لمن يمتلك المال.

ولأن الأرقام بطبيعتها الجافة هي الأكثر حسمًا في قضايا الاقتصاد، فقد خرج تقرير "انعدام المساواة 2022"، ليفضح التعمق الهائل في توزيع الثروات على نطاق البلدان وعلى نطاق العالم كله، وخلال السنوات الثلاث الماضية فقط، والتي شهدت تفجر مأساة فيروس كورونا، فقد ارتفع التفاوت المفزع في توزيع الثروات والدخل لأغلبية البشر حول العالم.

التقرير السنوي، الصادر بتنسيق الاقتصادي لوكاس شانسيل، المدير المشارك في المختبر العالمي لانعدام المساواة World Inequality Lab بمدرسة باريس للاقتصاد، بمساهمة علماء من وزن توماس بيكيتي وإيمانويل سايز وغابرييل زوكمان، عرض قائمة مفصلة لأوجه غياب المساواة في العالم، وفي مقابل المصاعب المستجدة التي يعانيها الفقراء والطبقة الوسطى في العالم، زادت ثروات الأغنياء بفضل الأصول المالية في المقام الأول في السنوات الأخيرة، وتمكنوا من تحويل الأزمة إلى فرصة لزيادة مراكمة الثروات الهائلة.

ضربت الأزمة الاقتصادية الناجمة عن تفشي جائحة كورونا الطبقات الأفقر خصوصًا، مع العجز الكامل من جانب حكومات عديدة عن مجابهة التحديات القائمة، ولجوئها للمسكنات أو التسويف، وعقب الإغلاق الطويل الناتج عن الفيروس، عانت الطبقة الفقيرة من فقدان الوظائف وتراجع تحويلات العاملين بالخارج أو المهاجرين، والأمر الأهم ارتفاع الأسعار بشكل دوري وسريع مع زيادة معدلات التضخم بشكل كبير خلال السنوات الماضية، والتأثير على تقديم الخدمات الحكومية والعامة مثل التعليم والتأثر السلبي لخدمات الرعاية الصحية، وكل هذه العوامل جعلت من ارتفاع معدلات الفقر أمرًا واقعًا، مع التهديد المستمر بانزلاق الاقتصاد العالمي إلى حالة الركود.

لكن في الجانب الآخر من المجتمعات، كانت هناك طبقات لم تعرف التأثيرات السلبية لها سبيلًا، وواصلت مراكمة أرباحها ومضاعفة ثرواتها، كما يكشف تقرير "انعدام المساواة 2022"، واختار واضعو التقرير أيلون ماسك كمدخل لكشف التفاوت الهائل في الدخول بين الأغلبية الساحقة والأقلية التي تملك كل شيء، وقبل عقود قليلة فقط كان امتلاك ثروة تقدر بـ 3 مليارات دولار أمرًا يفوق القدرة على التصور، واليوم تبلغ ثروة رئيس شركة "تسلا" 100 ضعف هذا الرقم، أي 300 مليار دولار.

وبعد أقل من 3 أعوام على انتشار الفيروس المرعب، فإن أول 10 أشخاص على قائمة "فوربس" لأثرى الأثرياء تبلغ ثروات كل منهم 100 مليار دولار على الأقل، وجميعهم من الولايات المتحدة، باستثناء برنار أرنو، الرئيس الفرنسي لمجموعة "إل في إم إتش" الفاخرة، في مفارقة صارخة بالنسبة لعالم اليوم، حيث يستمر الأميركي بالسيطرة ونزح الأموال إلى بلاده.

ويقول منسق التقرير، لوكاس شانسيل، إن أصحاب المليارات تمكنوا من زيادة ثرواتهم بأكثر من 4 تريليونات دولار خلال الربع قرن الماضي، واستحوذ نادي الـ 1% من أثرى الأثرياء على أكثر من ثلث الثروة المتراكمة في العالم منذ العام 1995، وفي مقابل هذه الزيادة اللافتة، فإن 100 مليون إنسان سقطوا إلى هاوية الفقر المدقع.

وفي غياب آليات التدخل من قبل الحكومات لإعادة توزيع الثروات وثمار النمو خلال العقود الماضية، فإن الواقع أنتج أقلية مسيطرة على المال وعلى السلطة "أوليجاركية"، واستطاعت هذه الطبقة الجديدة أن تتوغل وتتحكم في مصائر مليارات البشر، وأن تزيد من ثرواتها وأرباحها في ظل أزمة عالمية غير مسبوقة، ساهمت في النهاية بزيادة الفجوة الموجودة سلفًا، بين من يملك كل شيء ومن لا يملك شيئاً على الإطلاق.
يخلص التقرير، في ما يشبه التوصيات الواجبة، إلى ضرورة عودة الحكومات للقيام بدورها المفقود، وفرض الضرائب التصاعدية على نادي الأغنياء، لصالح موازناتها أولًا، والتي تعاني من تبعات الأزمة المالية العالمية في 2008، وتبعات الإنفاق الهائل خلال السنوات الماضية لمجابهة فيروس كورونا.

ويشير التقرير إلى أن الثروات حاليًا تتخلق عبر أصول مالية، مثل أسهم الشركات وغيرها، وبالتالي يتوجب على الأنظمة الحكومية تحديث نظرتها للضرائب، والتي تقوم حاليًا على الممتلكات، إذ لم يعد هذا الخيار واقعيًا، ويشجع على فرض الضرائب التصاعدية على كل أشكال الأصول، للمساهمة في إعادة توزيع ناتج عملية النمو على المجتمعات ككل.

وشدد التقرير على ضرورة وضع شرائح جديدة للضرائب التصاعدية، تراعي الارتفاع المذهل في أرقام الثروات، حتى تصل إلى شرائح تغطي 100 مليار دولار، بالإضافة إلى إنشاء سجل عالمي لمكافحة التهرب الضريبي وعدم السماح بعمل الملاذات الضريبية الآمنة في جزر المحيط وغيرها.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل