آراء وتحليلات
"قسد" بين أميركا وروسيا وسوريا.. محاولات لحفظ الوجود
سركيس ابوزيد
تعيش "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) حالة ضياع وتردد نتيجة التنافس بين أميركا وروسيا، حيث تسعى كل دولة إلى تنفيذ أجندتها الخاصة.
1 - اميركا والشرق السوري
خلافا لما أظهرته من تردد وضبابية منذ وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، ألقت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة بثقلها في الشرق السوري، في محاولة لحرف مسار التطورات التي كانت تتجه نحو ترتيبات تستعيد بموجبها الحكومة السورية مناطق خاضعة لسيطرة "قسد" على خط التماس مع مناطق سيطرة الفصائل المدعومة من تركيا.
تعمل أميركا، منذ مطلع العام الجاري، على قيادة مشروع لإعادة هيكلة المعارضة السورية من بوابة الحوار الكردي ـ الكردي. حوار يهدف إلى تأسيس منصة معارِضة لشمال سوريا وشرقها، تشكل نواة لمنصة أوسع، ووعدت بإبقاء الدعم وتعزيزه واستمرار الغطاء على "الإدارة الذاتية"، وضمان كبح جماح أنقرة، بالإضافة إلى العمل على فتح المعابر مع العراق، وتوفير دعم مالي لبناء هيكل اقتصادي، مقابل مزيد من التقارب بين "قسد" و"المجلس الوطني الكردي"، يمهد لتقارب آخر يشمل "الائتلاف المعارض"، فضلًا عن تطمينات أن الجيش الأميركي سيستمر بالوجود العسكري في شمال شرقي الفرات ودعم العملية السياسية وفق القرارات الدولية الخاصة بحل الأزمة السورية وتطبيق القرار 2254. وتحذر واشنطن من تكرار نموذج درعا الذي يؤدي الى توسع نفوذ روسيا في مناطق نفوذ الأكراد، مما يمثل انتصارًا لدمشق، وهو ما لا ترغب فيه واشنطن.
من معوقات الطرح الأميركي، الموقف التركي المتشدد تجاه حزب "الاتحاد الديمقراطي" الذي يقود "قسد"، والذي تتهمه أنقرة بأنه إحدى أذرع حزب "العمال الكردستاني".
2 - روسيا والحل السياسي في سوريا
في مواجهة المساعي الأميركية، تضغط روسيا على "قسد" لضمان انسحابها الى جنوب الطريق الدولي وفتح حوار مع الحكومة السورية.
وذلك ترجم من خلال رعاية وزارة الخارجية الروسية لاتفاق سياسي بين "قسد" و"منصة موسكو"، التي يتزعمها المعارض السوري قدري جميل. وتخشى موسكو من أن تشجع قيادة واشنطن مساعي توحيد القوى الكردية في منصة سياسية واحدة، مما يشجع على الإعلان عن خطوة انفصالية في الشمال.
"منصة" التحرك الروسي نحو "الإدارة الذاتية" الكردية هي محاولة لسحب الورقة الكردية من يد واشنطن. وموسكو جدية في رعاية مفاوضات فاعلة بين الأكراد من جهة، والحكومة السورية من جهة أخرى، بهدف تمكين دمشق من الوصول إلى مناطق انتشار النفط والغاز.
بينما يحذر الروس الأكراد من استمرار المراوغة السياسية والاعتماد على واشنطن، والذي أبعد "قسد" إلى الآن عن اللجنة الدستورية، يطالب الأكراد بالحفاظ على القوات الكردية، وعدم المساس بمشروع الإدارة الذاتية، وباستمرار وجود "قوات سوريا الديمقراطية"، الأمر الذي يعيد مشروع "فدرلة سوريا" الذي تنادي به "قسد"، وهو ما رفضته دمشق. وفي هذا الإطار، أبدت موسكو استعدادها للدفع بثقلها نحو انعقاد طاولة الحوار السوري - السوري، والتي يمكن أن تخلص إلى حل توافقي يضمن للأكراد خصوصيتهم، من دون أن يمس بهيكلية الدولة السورية.
3 - الحل السياسي السوري: اللامركزية بديل الفدرالية
الموقف الكردي يشدد على أن شرطَي الاعتراف بـ"الإدارة الذاتية" وخصوصية "قسد" العسكرية، لا يمكن التنازل عنهما، ولكن الحكومة السورية لن تقبل استنساخ تجربة إقليم شمال العراق (كردستان على أراضيها، أو مساومة المشروع الأميركي لفرض الفدرلة على سوريا). مع ذلك، لا تمانع دمشق مناقشة "اللامركزية الإدارية" من خلال قانون الإدارة المحلية المعمول به حاليًا.
في الواقع، أظهرت المفاوضات الكردية - السورية عمق الفجوة بين الطرفين. ذلك أن دمشق ترفض ضم "قوات سوريا الديمقراطية" ككتلة عسكرية في الجيش، وتقترح حلها وذوبانها فيه وتتمسك برفع العلم الرسمي في كل أنحاء البلاد، إضافة إلى رفض الاعتراف بـ"الإدارة الذاتية"، مع استعداد لقبول مبدأ الإدارات المحلية بموجب القانون 107 وتخصيص حصص مدرسية للغة الكردية. أما بالنسبة إلى الثروات الاستراتيجية الموجودة شرق الفرات، فإن دمشق تريد أن يكون قرارها مركزيًا، مع إعطاء حصة أكبر من عائداتها للمنطقة. يضاف ضمنًا إلى ذلك أن دمشق تريد أن يكون الحوار مع الجانب الكردي باعتباره طرفًا وليس الطرف الوحيد الذي يمثل الأكراد.
رغم الجهود الروسية الحثيثة لاختبار الحل السياسي مع الأكراد، إلا أن عثرات كثيرة تواجه هذا المسار، في مقدمها الوجود العسكري الأميركي، والذي يجعل التوصل إلى حل سياسي مسألة معقدة، في غياب حرية كافية للأكراد على طاولة الحوار، والخشية من عدم وفائهم بالتزاماتهم، والذي يمثل تسليم منابع النفط للحكومة السورية إحدى أبرز ركائزها. كذلك، تصطدم هذه المساعي بالانقسام الكردي، بين تيارين يميل الأول إلى الولايات المتحدة ويسعى إلى إقامة كيان كردي منفصل كليًا أو جزئيًا عن الحكومة في دمشق (فدرلة سوريا)، فيما يسعى الثاني إلى التوصل لاتفاق مع الحكومة السورية يضمن حصول المكون الكردي على بعض الحقوق، ومن بينها اللغة. انقسام تجلى في التفاوت في التصريحات الكردية، بين مَن أبدى انفتاحه الكامل على الحوار، ومَن بدأ يتحدث عن شروط كانت دمشق رفضتها خلال جولات المحادثات السابقة. مع ذلك، لا تزال بعض القوى الكردية تتمسك بخيار التحالف مع واشنطن، إلا أنها لا تمانع التنسيق مع موسكو لإنجاز اتفاق مع دمشق على أساس "النفط والقمح مقابل اعتراف دمشق بالإدارة الذاتية".
من هنا، فإن بعض الأكراد يدركون أن بقاء واشنطن في المنطقة ليس أبديًا، وأن موسكو هي القوة الدولية الفاعلة في الملف السوري، لذلك ينسقون مع الطرفين، لتحقيق أكبر مكاسب سياسية ممكنة، مؤكدين أن واشنطن تريد التأسيس لمعارضة جديدة عمودها الرئيسي الأكراد، لتفعيل خطوات الحل السياسي من خلال الحوار بين الحكومة والمعارضة برعاية دولية، في ظل عدم وجود أي نيات أميركية لإسقاط النظام السوري، لذلك تسعى بعض الاتجاهات الكردية الى تعميق الحوار مع موسكو ودمشق حتى لا تكون ضحية المساومات الاميركية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024