آراء وتحليلات
قمة المناخ.. الخيبة العربية مستمرة
أحمد فؤاد
في منطقة يشغلها سؤال واحد وكبير، وفي ظلال أزمة "كورونا" المأساوية على القطاع الأكبر من مواطني الشعوب العربية، الأكثر فقرًا والأشد احتياجًا، آن لهذه الكارثة أن ترسم خطوطًا جديدة بألوان حمراء، على خريطة أوطان لا تزال تتلمس طريقها نحو تجربة مستقلة للتنمية، حان أجلها وبات التأخير فيها مميتًا، بعيدًا عن قنابل الدخان المنطلقة للتعمية على العجز والتغطية على غياب الكفاءة أو انعدامها أصلًا.
الدول العربية، بداية، تعاني من خلل مزمن في ترتيب أولوياتها، في ظل نخبة حاكمة - أو مسيطرة بشكل أدق - على كافة مفاصل القرار، سقطت مرات ومرات في فخ الاستدراج نحو المشاكل العارضة، والتي بالضرورة لن تكون الأولى بالجهد والموارد، لتحقيق ما تظنه نجاحًا في الشارع، والذي هو بالأصل بعيد عنها، ثم هي استوردت الأزمات الغربية جاهزة، وبدأت بحماس وسرعة بالغين في وضع حلول لها، مستنزفة المزيد من الموارد الشحيحة أصلًا، ودافعة بالمجتمع كله إلى ركن الشك والتشتت، وصولًا إلى مجتمعات باتت متبلدة أمام كل تحدٍّ وطني حقيقي.
ولا يمكن رؤية المشاركة العربية الواسعة، وبالمستوى الأرفع، في قمة المناخ، الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والتي اختتمت بمدينة غلاسكو باسكتلندا مؤخرًا، سوى دليل على هذا الغباء الرسمي العربي، بلا ذرة واحدة من التجني أو التشدد في الحكم.
وانطلاقًا من الحقائق والأرقام التي نشرت قبل وبعد قمة المناخ، لا يظهر أن أي دولة عربية قد تكون من الأطراف الفاعلة في هكذا أزمة تجري بين الدول الصناعية الأكبر، والتي تعد مسؤولة بشكل كامل عن تلوث مناخ الكرة الأرضية، بداية من بريطانيا مستضيفة القمة، إلى الصين التي لم تحضر بالأصل، ثم الولايات المتحدة، صاحبة النسبة الأكبر من الكربون التي خلفها الإنسان طوال تاريخه، إلى بقية الدول الصناعية، فرنسا وألمانيا ودول جنوب شرق آسيا وروسيا وغيرها.
طبقًا للنسب التي أعلنتها الأمم المتحدة، على لسان أمينها العام، فإن الدول العشر الأولى المتسببة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تولد نسبة ثلثي نسبة الانبعاثات العالمية، بينما تولد 180 دولة النسبة الباقية، والتي تقل عن النسبة التي تولدها مصانع الصين فقط.
وبالنسبة للدول الأولى في الانبعاثات، فإن الصين تولد 28% من الانبعاثات، أي ضعف كمية ثاني أكسيد الكربون التي تولدها حاليًا الولايات المتحدة بنسبة 14%، ثم الهند التي تولد بدورها نصف كمية الانبعاثات بالنسبة لنظيرتها الأميركية، ثم روسيا بالمركز الرابع، وفي المرتبة الخامسة تحل اليابان.
بينما بحثت كل الوفود العربية المشاركة عن صور يجري تسويقها في وسائل إعلام رسمية بعنوان العالم يحرص على الاستماع لرؤية الزعيم الملهم، أو مصافحات دبلوماسية، تظهر اهتمام القادة والرؤساء العرب بقضايا تغير المناخ، وربما كانت كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هي الأكثر بلاغة في كل ما قاله المشاركون العرب، حيث طالب الدول الكبرى برصيد 100 مليار دولار لمكافحة المناخ، لا يهم ما هو المناخ أو كيف ستخصص هذه المبالغ لمكافحته، لا يهم من يدفع، المهم أن يحصل الزعيم مدمن الديون على الأموال لشراء المزيد من الوقت في سدة الحكم، في ظل أزمة مالية غير مسبوقة يمر بها.
سقط من حسابات المشاركة العربية في قمة المناخ المصلحة العربية، مثل كل خطوة رسمية ناقصة أو تبحث عن مجد الطبقات الحاكمة، ولتذهب مصالح الشعوب إلى الجحيم.
خلال قمة العشرين التي سبقت انطلاق قمة المناخ، حاول رئيس الوزراء الإيطالي الضغط على الدول المنتجة للقاح كورونا للخروج بخطة عاجلة تقضي بتوفير 70% من احتياجات الدول الأكثر فقرًا في فترة لا تزيد عن منتصف العام المقبل.
وسار رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي إلى الحد الذي وصف فيه ما يجري بشأن إنتاج وتوزيع اللقاحات في دول العالم بـ "الأمر غير المقبول أخلاقيًا"، ودعا إلى التزام الدول الكبرى المنتجة بشكل صارم بضمان توفير الجرعات للدول الأقل قدرة على شرائها وضمانها لمواطنيها، للخروج من الأزمة الصحية العالمية، والتي طالت أكثر مما ينبغي.
الفيروس القاتل، الذي لا يبدو له في الأفق نهاية قريبة، لا يزال يفتك بالمئات والآلاف من البشر، في المنطقة العربية والعالم، وفي ظل الفقر وقلة الموارد والعجز عن تدبير الأموال اللازمة لشراء لقاحات توازي عدد السكان، فقد قررت الحكومات العربية انتظار الهبات والمنح القادمة من الصين والولايات المتحدة وأوروبا، عوضًا عن إنفاق دولاراتها على أرواح الشعوب.
وحتى حين جاءت الدعوة على طبق من ذهب، لضمان توفير اللقاحات، ومن دولة أوروبية، فإن الغباء العربي الرسمي قد أضاع فرصة الضغط المستمر والمكثف في اجتماع عالمي كبير مثل قمة المناخ، وترك قضايا لسنا طرفًا فيها، ولن تستطيع كل الدول العربية التأثير بها، والاهتمام فعلًا بالوجع العربي الحقيقي، والمميت.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024