آراء وتحليلات
الخطوة السعودية القادمة: من يتعهّد مشروع الرياض في لبنان؟
محمد باقر ياسين
لم يعد خافيًا على أحد عدم وجود علاقة تربط بين تصريح الوزير جورج قرداحي بما اتخذته السعودية من قرارات، وخاصة بعد تصريح وزير خارجيتها وإغفال كتّاب صحفها تصريح قرداحي في صحفهم والتركيز على حزب الله. فهذه الحادثة هي نسخة طبق الأصل عما قامت به المملكة مع جارتها قطر منذ سنوات حيث اتخذت من تصريح لأمير قطر تم نشره بعد اختراق الوكالة الوطنية القطرية، حجة لكي تسحب السعودية السفراء وتجيش دولًا خليجية وعربية لكي تحذو حذوها، بحصارٍ دام لسنوات قبل أن تنجح وساطة المصالحة. ما يجري اليوم مع لبنان مشابه لما جرى مع قطر ولكن بتعديلات تتناسب مع تعقيدات لبنان، ومن هنا السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا الآن؟ وما الذي تخطط له السعودية؟
للإجابة عن سؤال لماذا الآن؟ يجب أن نعود إلى تصريح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان الذي عزا السبب وراء الإجراءات السعودية إلى ثلاث نقاط:
1 - تصدير حزب الله للمخدرات إلى السعودية، 2- هيمنة حزب الله على لبنان، 3- دعم حزب الله لأنصار الله في اليمن.
وإذا عدنا إلى توقيت القرار السعودي نستبعد السببين الأول والثاني ونبقى على السبب الرئيسي ألا وهو هزيمة القوات السعودية في معارك مأرب. هذه الهزيمة شكلت ضربة موجعة استشاطت منها السعودية غضبًا، خاصةً بعدما راجعت الطرف الإيراني "بحسب ما نقلت الجريدة الكويتية" وطلبت منه التدخل لدى أنصار الله لوقف هذه العمليات، ولكن جواب الجانب الإيراني تمثّل بأن هذا الموضوع ليس بيده. وأكملت مصادر أخرى أن الجانب الإيراني نصح السعودية بأن تتحدث مع حزب الله كونه أقرب إلى أنصار الله، وهذا ما لم يعجب السعودية واعتبرته إهانة لها، وبما أنها مدركة لحتمية هزيمتها الواقعة لا محالة أكانت اليوم أو الغد، قررت التصعيد على الساحة اللبنانية وبشكل خاص بوجه حزب الله. فما الذي تخطط له السعودية؟
تعمل السعودية حاليًا على مسار سلخ حزب الله عن الساحة السياسية عبر جعله محور الأزمة في لبنان على الصعد كافة (سياسيًا- أمنيًا- اقتصاديًا- اجتماعيًا)، ويتجلى ذلك عبر الضغط العالي الذي تمارسه على الحكومة اللبنانية من أجل إقالة وزراء محسوبين على حزب الله وحتى لو أدى هذا لاستقالة الحكومة، التي بحال استقالت ستعمل السعودية على تشكيل حكومة بديلة عنها خالية من حزب الله. وبالتوازي مع مسار الضغط تسعى السعودية إلى تشكيل جبهة لمقاومة حزب الله، وستتبلور في الأيام القادمة، ستضم كل من يدور في الفلك السعودي وكل من يحمل بقلبه غلّاً على حزب الله. وهذه الجبهة التي ستكون بقيادة رئيس حزب القوات سمير جعجع، لن يقتصر دورها على الصعيد السياسي فقط بل ستوكل إليها أدوار مزعزعة للاستقرار الأمني في لبنان. السعودية تريد من اللبنانيين أن يقوموا هم بالتخلص من حزب الله وهذا ينذر بمواجهات سياسية وربما أمنية تعمل عليها، وهناك أطراف في لبنان وضعت نفسها بتصرف السعودي وأمّلته بأن لديها القدرة على الوقوف بوجه حزب الله، وقد حان دورها اليوم لأن تثبت لسيدتها السعودية بأنها قادرة على تحويل الوعود إلى إجراء ميداني يتحقق على أرض الواقع.
بالمحصلة، ما تريده السعودية اليوم هو رأس حزب الله في لبنان، ولن ترضى دون ذلك ثمناً لعودة العلاقات. ومن يظن أن استقالة الوزير قرداحي أو حتى استقالة حكومة ميقاتي سترضي السعودية فهو واهم إلى أن ينقطع النفس، لأن نظرة سريعة على مقالات كتّاب صحف المملكة كافية لإيجاد عبارة موحدة ألا وهي "المطلوب التخلص من حزب الله في لبنان، فلا استقالة القرداحي ولا حكومة ميقاتي كافية للمملكة"، وكذلك من يظن ان الأزمة أيام وتنتهي فهو واهمٌ أيضاً، لأن المملكة التي حاصرت جارتها قطر لخمس سنوات لن يكون لبنان أعز عليها من قطر، وسنرى في الأيام القادمة إجراءات سعودية تصعيدية ولكن بشكل متدرج، فبعد سحب السفراء وتعليق التجارة عمدت السعودية إلى وقف البريد، وفي الخطوة القادمة ستمنع السفر من وإلى لبنان، وبعدها ستعمل على طرد قسم من اللبنانيين المقيمين لديها. ويبقى الهدف الأسمى لكل هذه الخطوات هو فرض السعودية لمعادلة جدية "اليمن مقابل لبنان" أي "أنصار الله مقابل حزب الله"، لكي تكرسها بأي تفاوض مستقبلي مع إيران.
لكن هذه المعادلة لن تتحقق أبداً لأن المملكة ستهزم حتماً في اليمن وكذلك مشروعها سيبوء بالفشل في لبنان، لأن زمن قطع رأس المقاومة قد ولى، وما عجزت عنه السعودية بحرب تموز سابقاً بالتعاون مع العدو الإسرائيلي، وبالتكفيريين لاحقاً في سوريا، لن تحققه أطراف لبنانية كل تاريخها هزائم.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024