آراء وتحليلات
جامو والكشمير.. الأزمة العالقة
عبير بسام
فتح توقيع الاتفاق النووي الإيراني، الذي سمي بـ "اتفاق لوزان النووي"، في تموز العام 2015 المجال أمام إيران للبدء بعلاقات تجارية واسعة مع دول مختلفة من العالم ومنها باكستان. وبدأت الزيارات المتبادلة بين المسؤولين في البلدين على مستوى الرئاسات. هذا الأمر عُدّ أزمة حقيقية بالنسبة للولايات المتحدة، بعد أن انسحبت من الاتفاق في العام الماضي وبدأت سياسة فرض العقوبات الاقتصادية على الشركات والدول التي لم تتراجع عن اتفاقياتها المعقودة. من هذا المنطلق بدأ الضغط على باكستان، التي رفضت القرار الأميركي. في هذا الإطار، قد تكون زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حملت رسائل للرئيس الباكستاني من أجل العودة عن الاتفاقيات التي عقدت مع الإيرانيين، وهذا ما كان نواز شريف رئيس الوزراء الباكستاني قد رفضه في آب/ أوغسطس من العام 2017. واعتبر هذا الرفض بمثابة تحد كبير للولايات المتحدة، وخصوصاً بعد إعلان الدعم الباكستاني لمشروع تمديد خط الغاز الإيراني إلى باكستان والذي سمي بـ "مشروع السلام".
من هنا تأتي المحاولات من أجل تقويض الاستقرار في منطقة غرب آسيا من أجل محاصرة الدول الثلاث: الهند والباكستان والصين، والتي أبقت جميعها على علاقاتها مع إيران، وإن كانت الهند من الدول التي استثنتها أميركا من العقوبات الاقتصادية. ولذا فإن عودة النزاع في جامو والكشمير ما بين الهند وباكستان ليس إلا قميص عثمان، الذي تتناحر عليه الدولتان، وسيبقى كذلك إلى أمد غير مسمى، فالدولتان المتنازعتان ترفضان إنهاء الخلاف على هذه المنطقة. وقد حرص الغرب على ابقاء هذا الصراع مشتعلاً تحت الرماد حتى بعد تقسيم الهند إلى ثلاث دول هي بنغلادش والباكستان والهند.
وقع قرار تقسيم شبه القارة الهندية في العام 1947، وكان القرار الملغوم في التقسيم، يشبه في إنشائه دولة اسلامية في محيط هندوسي، تقسيم فلسطين إلى دولتين، واحدة للعرب وأخرى لليهود، اذ كان هذا التشبيه هو المناظرة التي قدمها الزعيم المسلم محمد علي جناح رئيس عصبة مسلمي الهند آنذاك حول إنشاء دولة اسلامية في جزء من الهند، في حين رفض جواهر آل نهرو، أول رئيس للوزراء في الهند المستقلة، قرار تقسيم البلاد على أسس دينية. وبحسب الـ بي بي سي التي نقلت عن مسؤول بريطاني عليم ببواطن الأمور آنذاك: "جاء التقسيم والاستقلال معاً. فقد كان أحدهما ثمناً للآخر". يبدو أن الهند لم تغفر لباكستان المطالب الانفصالية منذ العام 1930. مع العلم أن من رعى الانفصال آنذاك هو الاحتلال البريطاني، الذي أطلق الخلاف الديني في الهند الكبرى رداً على ثورة غاندي التي أجبرته على الخروج من الهند، ولأن الهند، كدولة كبرى وبالحجم الديمغرافي الذي كانت عليه، كان من الممكن أن تشكل قوة كبرى في غرب آسيا، خارجة عن حدود السيطرة الغربية. وأما ولاية جامو والكشمير، التي كان من المفترض أن تكون جزءًا من الدولة الهندية فقد بدأ أهلها بالمطالبة بالانقسام عن الهند وتأسيس دولة مستقلة.
ومن سخرية القدر، أن شبه الجزيرة الهندية قسمت على يد شخص يدعى السير سيريل راديليف، وهو لم يزر الهند يوماً في حياته، شيء يشبه تماماً اتفاقية سايكس- بيكو. ولم تهتم بريطانيا للنتائج التي ستنجم عن هذا التقسيم الاجتماعي. ودُعم هذا التقسيم حتى تستطيع بريطانيا البقاء في البنجاب لفترة أطول. وأهمل هذا التقسيم الذي طال شبه القارة الهندية أن سكانها كانوا جيران وأصدقاء ينحدرون من الثقافة نفسها ويتحدثون اللغة نفسها. لقد كانوا شعباً واحداً يلبس نفس الثياب ويأكل نفس الطعام ولكنهم كانوا من ديانات مختلفة. وقد أدى هذا التهجير إلى فقدان الأهالي من هندوس ومسلمين لأراضيهم وانتقالهم إلى مخيمات للتهجير مما أدى إلى نشوء الحقد المتبادل بين مهجرين تم تسليحهم وبدؤوا بالتقاتل. هذا الحقد لم يوجه من الهندوس المهجرين تجاه المسلمين فقط، بل وجه إلى الهندوس أيضاً، فقد اغتالت هذه الجماعات المهاتما غاندي ومن ثم اغتالت ابنته أنديرا غاندي في مرحلة لاحقة.
لكن ولاية جامو والكشمير التي تركت دون أن يتخذ القرار السياسي النهائي حولها، حولت العلاقة ما بين البلدين إلى قنبلة موقوته، منذ أن رفض حاكم كشمير الانضمام إلى الهند في العام 1947. الأمر في ظاهره وحسب التصريحات السياسية للبلدين يبدو وكأنه صراع ديني ما بين المسلمين المطالبين بالتحرر من الاحتلال الهندي ودولة الهند، ويبدو وكأن الهندوس يريدون العودة إلى الحضن الهندي، ولكن في الحقيقة هو صراع تحرر، فحسب العديد من الدراسات والمقالات المنشورة من قبل المواطنين في جامو والكشمير، فإن المقاومة فيها هي من الطرفين المسلم والهندوسي، لأن الطرفين قد ضاقا من الوضع المتأزم في بلادهم منذ منتصف القرن الماضي، مع العلم أن هناك من بين المسلمين من يطالب بالانضمام لباكستان، لكن الكشميريين بشكل عام يطالبون بالتحرر والانفصال كدولة مستقلة.
يعد وادي كشمير من أجمل المناطق في العالم، وهو كان يسمى "بالوادي السعيد" بسبب خصوبة المنطقة وجمالها، وهو وادٍ يمتد على سفح جبال الهمالايا، ولذلك فهو غني بالمياه وبالتربة الخصبة ويكتسب أهمية خاصة بالنسبة لباكستان ذات الطبيعة القاسية.
ولكن الكشمير في حد ذاتها تقع في منطقة محاذية للحدود الصينية والباكستانية والهندية، وهي في الحقيقة منطقة نزاع ما بين الدول الثلاث منذ التقسيم في العام 1947، وكل دولة تدعي أن لها حصة فيه. واليوم فإن إثارة القلائل في كشمير تشبه إثارتها منذ عامين تقريباً في ميانمار، والتي أريد منها الهاء الصين وإشعال المثلث الصيني- الباكستاني- الهندي في صراع ديني محموم.
في العودة إلى قضايا الإرهاب المتنقل في المنطقة والذي أشعل الخلاف من جديد ما بين الهند وباكستان، في بداية شهر شباط من هذا العام استدعت طهران سفيرة باكستان بعد الهجوم الإرهابي، الذي تبنته "جماعة جيش العدل" الباكستانية، والمرتبطة بحسب العديد من التقارير الصحفية بكل من السعودية والإمارات العربية المتحدة، والذي أدى الى استشهاد 27 عنصراً من الحرس الثوري الإيراني. ولكن كل من إيران وباكستان استطاعا تدارك الأمر سياسياً، ولم تؤدِّ العملية الإرهابية دورها في زعزعة المصالح ما بين البلدبن. ولكن يبدو أن الإرهاب عاد ليضرب في الوادي السعيد "جامو والكشمير" بعد زيارة ابن سلمان لباكستان، وهو المستاء من موقف رئيس حكومتها وبرلمانها من رفض المشاركة بعاصفة الحزم على اليمن "السعيد" ومن إبقاء العلاقة مع إيران. هذا الأمر الذي يطرح العديد من الأسئلة حول توقيت العملية التي أدت إلى رد هندي وباكستاني متبادل لا أحد يعرف أين ستقف حدوده.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024