آراء وتحليلات
القدرة الشرائية للرواتب تآكلت.. هل تصحح الاجور؟
د. محمود جباعي
لا شك أبداً بعد سنتين من الأزمة الخانقة التي عصفت بلبنان بكل الاتجاهات وعلى مختلف الأصعدة والقطاعات أن المواطن اللبناني هو من دفع الجزء الأكبر من الخسارة دفعها من قوت عياله وصبره واذلاله وتخوفه من مستقبل قاتم أسود يقضي على ما تبقى من مقومات الحياة وفرص العيش الكريم. يكفي أن ننظر فقط إلى رواتب معظم اللبنانيين الذين يتقاضونها بالليرة اللبنانية سواء كانوا يعملون في القطاع العام أو حتى بالقطاع الخاص فالكارثة حلت بنسبة كبيرة منهم باستثناء نسبة أخرى معينة لديها من يعيلها بتحويلات مالية بالدولار من الخارج تساعدها على مواجهة الأزمة، والعيش فقط ضمن نطاق تلبية الحاجات الضرورية وبعض الكماليات. أما الباقون أصبحوا لا يستطيعون حتى تلبية حاجاتهم الضرورية وباتوا يبيعون كل شيء يملكونه سواء من مدخرات ذهبية مثلاً أو لجأ البعض الآخر الى بيع عقار صغير ومنهم من إضطر إلى بيع بعض من أثاث منزله.
كل هذا يتضح عندما نقوم بمقارنة بسيطة بين سعر الدولار اليوم مقابل الليرة الذي بلغ أكثر من ٢٠ ألف ليرة للدولار الواحد بينما كان قبل الأزمة ب ١٥٠٠ ليرة، أي أن الموظف الذي يتقاضى مثلًا مليون ليرة كراتب شهري كانت تقدر قيمة راتبه حوالي ٦٦٠ دولار تقريباً أما اليوم وبعد سنتين أصبحت قيمة هذا الراتب ٥٠ دولار تقريباً وفي بلد اقتصاده مدولر وكل شيء مسعر على سعر صرف الدولار بالسوق.
ومع رفع الدعم عن كل السلع الغذائية والأدوية ومن ثم التأكيد عن رفع الدعم أيضاً عن المحروقات والطحين يمكن ببساطة القول إن الموظف الذي يتقاضى ٦ ملايين ليرة والتي كانت قيمتها ٤٠٠٠ دولار والتي اصبحت قيمتها اليوم حوالي ٣٠٠ دولار شهرياً لن يستطيع تلبية كامل حاجات عائلته من مأكل وملبس ودواء وتعليم والذي يتقاضى مثلاً ١٠ ملايين ليرة، سوى تلبية حاجاته بصعوبة بالغة علمًا أن أكثر من ٧٥ بالمئة من الموظفين في القطاعين العام والخاص لا تصل رواتبهم إلى ٣ مليون ليرة أي ما يعادل حوالي ١٥٠ دولارًا شهريًا ومعظمهم رواتبهم هي أقل من ٢ مليون ليرة أي ما يعادل حوالي ١٠٠ دولار شهريًا.
بناءً على كل ما تقدم ومع علمنا أن معدل التضخم السنوي في لبنان لهذا العام قد بلغ حسب مؤشر أسعار الاستهلاك بالمقارنة مع العام ٢٠٢٠ حوالي ٨٥ بالمئة بينما لم يتخط هذا المعدل سابقًا في أسوأ الأحوال الـ ٥ بالمئة عن السنة السابقة وهذه النسبة توضح لنا حجم الغلاء المعيشي في البلد بالنسبة لليرة اللبنانية التي فقدت حوالي ٩٠ بالمئة من قيمتها وقدرتها الشرائية. فمثلاً الـ ١٠٠ ألف ليرة كانت قيمتها ٦٦ دولارًا كانت تكفى المواطن لشراء ٦ كيلو لحم شهريًا، أما اليوم فمقدار كلغ واحد من اللحم الواحد يبلغ سعره ٢٠٠ الف ليرة اي انه يستطيع شراء نصف كيلو لحم بنفس المئة الف ليرة واشتراك الـ ٥ امبير كان يبلغ كحد أقصى وفي أصعب الظروف ٢٠٠ الف ليرة شهرياً أما اليوم فقط تخطى المليون و٢٠٠ الف ليرة وسعر صفيحة البنزين التي كانت حوالي ٣٠ ألف ليرة اليوم مع رفع الدعم سيصل سعرها الى ٣٣٠ الف ليرة واذا دعمت على سعر ١٢ الف سيصل سعرها إلى حوالي ٢٠٠ الف ليرة إن وجدت. وهذا الأمر ينسحب على كل مقومات الحياة في لبنان.
إذاً، بكل بساطة لا يمكن للموظف اللبناني الذي يتقاضى راتبه على سعر ١٥٠٠ ليرة أن يلبى حاجاته وحاجات أسرته على سعر دولار ٢٠ ألف ليرة وقد يكون أكثر في الأيام القادمة وهذا يعني وبكل وضوح انه يجب تحسين رواتب جميع الموظفين اللذين يتقاضون بالليرة وخاصة أصحاب الدخل المتدني جدًا بدايةً من تنفيذ تطبيق البطاقة التمويلية بشكل عادل ومن ثم اعتماد سعر صرف خاص بالموظفين من خلال إقرار منصة لتحسين الرواتب على سعر مقبول اسوة بمنصات مصرف لبنان المختلفة لأن من أبرز إنعكاسات تدني قيمة الأجور هو انخفاض رغبة معظم الموظفين بالعمل مما سيؤدي إلى انخفاض كبير في إنتاجية العمل وسيؤدي ايضًا الى مزيد من الفساد الإداري والوظيفي فضلاً عن ارتفاع نسبة الهجرة وانتشار ظاهرة التسرب الوظيفي.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024