وقف الدعم ضربةٌ قاضية: سيناريو الـ"لا حياة" للبنانيين

د. محمود جباعي

أصدر حاكم مصرف لبنان حكمه بالإعدام على معظم الشعب اللبناني بإعلانه منفرداً قرار وقف دعم استيراد المحروقات منصباً نفسه حاكماً فعلياً للبلاد مستغلاً تناغم بعض القوى السياسية المحلية معه وتجاهل أحكامه فيما مضى من قبل البعض الآخر مستفيدًا من الغطاء الأميركي الدائم له بصفته العين الساهرة على مصالح العم سام في لبنان.

يعلم سعادة الحاكم ومن وراءه أن اتخاذ هكذا قرار سيؤجج الشارع لأنه سيدمر ما تبقى من قدرة معظم الشعب اللبناني على العيش أو بالحد الادنى الصمود في وجه الأزمة الخانقة بما تيسر من الحد الأدنى لمقومات الحياة؛ فرفع الدعم بشكل كلي من دون وجود بدائل عملية ومنطقية سيجعل كلفة الحياة مستحيلة لنسبة كبيرة من الشعب اللبناني. ويكفي أن نعلم أن سعر صفيحة البنزين سيصبح حوالي 340 الف ليرة وسعر صفيحة المازوت سيصبح حوالي 280 الف ليرة أي أنه يتوجب على كل مواطن تأمين بالحد الادنى مليوني ليرة شهرياً ثمن بنزين ومليوني ليرة شهرياً ثمن اشتراك 5 امبير لأصحاب المولدات في ظل أزمة الكهرباء المتفاقمة في لبنان. والأمر لن يقف عند هذا الحد لأن هذه المواد تدخل في كلفة انتاج كل المواد والسلع في البلاد. فعلى سبيل المثال سيصبح سعر ربطة الخبز الواحدة قرابة 20 الف ليرة وسترتفع أسعار كل السلع الاستهلاكية بنسبة لا تقل عن 60 بالمئة من سعرها الحالي، وكذلك سيرتفع سعر كل الخدمات الأخرى من نقل وانترنت واتصالات. كل هذا يعني عملياً أن كلفة حياة اي عائلة في لبنان ستصبح بالحد الادنى 10 ملايين ليرة شهرياً وهذا الرقم مستحيل تحصيله بالنسبة لمعظم العاملين في القطاعين العام والخاص أي ببساطة سيتم تدمير الطبقة الوسطى في لبنان التي تعاني أصلاً من صعوبة كبيرة في تأمين حاجاتها الشهرية وبالتالي سترتفع نسبة الفقر في البلاد لتشمل حوالي نصف الشعب اللبناني.

بكل شفافية، سيجرّ اتخاذ قرار رفع الدعم بهذه الطريقة لبنان الى فوضى كبيرة وغير بريئة في ظل الضغوطات الخارجية التي بدأت بالظهور الى العلن والمرتبطة بشروط اقليمية ودولية تهدف الى حصار لبنان من أجل تحقيق مكاسب سياسية في عدة ملفات كبرى كالترسيم والتوطين والتطبيع، ومن جهة اخرى يخدم هكذا قرار مصالح الكارتيلات التي قامت بتخزين ما لا يقل عن 80 مليون ليتر مازوت وأكثر من 100 مليون ليتر بنزين على سعر الصرف الرسمي وبذلك ستحقق أرباح خيالية عندما تقوم ببيعها للمواطنين اللبنانيين على سعر صرف السوق للدولار الذي يبلغ اليوم 21000 ليرة للدولار الواحد مقابل الليرة وهو بالتأكيد مرشح للارتفاع عند رفع الدعم لأن ذلك سوف يزيد الطلب على الدولار من السوق السوداء في المرحلة القادمة حيث يحتاج لبنان شهرياً بين 300 الى 350 مليون دولار من أجل استيراد المحروقات.

إن أي قرار بموضوع الدعم يجب أن يترافق مع عدة خطوات عملية وواقعية تبدأ من فك الارتباط بالوكالات الحصرية وتعزيز دور المنافسة التي تقضي على الاحتكار وتسمح بالاستيراد من جميع الدول المستعدة لتمويل لبنان بمصادر الطاقة والمحروقات وهذا كفيل وحده بتخفيض الاسعار بنسبة 40 بالمية وتوفير حاجات السوق واحتياجاته بعيداً عن السيطرة المطلقة للكارتيلات.

وايضاً قبل رفع الدعم يجب حل مشكلة الكهرباء أو بالحد الأدنى اصلاح المصافي الذي من شأنه أن يوفر على الدولة بين 60 الى 70 بالمئة من كلفة استيراد الفيول ويؤمن ما لا يقل عن 16 ساعة يومياً من التغذية الكهربائية ومن ثم يجب اقرار بطاقة تمويلية مدروسة بشكل واقعي وشفاف لخدمة الناس التي تحتاجها وان لا تستخدم فقط من اجل مصالح سياسية ومذهبية ضيقة.

بناء على كل ما تقدم يتوجب على الحكومة الحالية أو أي حكومة جديدة أن تعمل فوراً على تنفيذ هذه الاصلاحات قبل السماح بتمرير هكذا قرار أي بمعنى آخر يجب العمل على ترشيد الدعم وليس رفعه بالمطلق والأخذ بعين الاعتبار القدرة الشرائية للمواطنين ومستقبل البلد ككل لان اي خطوة غير محسوبة ستهدد السلم الاهلي وتحقق أهداف أعداء لبنان الذين يسعون ليلاً ونهاراً لجر لبنان الى فتنة كبيرة ادواتها داخلية ومفاعيلها تصل الى ما وراء البحار. وعلى الشعب اللبناني ان يقف لمرة واحدة جنباً الى جنب في وجه كل سياسات الترويض والافقار المصنوعة داخلياً خدمة لمصالح الفاسدين وخارجياً خدمة لمشاريع خطيرة تعد للبنان من اجل ارضاخه للشروط والهيمنة الخارجية.

رياض سلامةالمحروقاترفع الدعمالدعمالاحتياطي الإلزامي

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات