آراء وتحليلات
الاستثمارات الصينية في سوريا الى الأمام.. والأسد يحدد المسار
عبير بسّام
شهدت سوريا ما بين 17 -18 تموز/ يوليو حدثين هامين، هل جاءا بالصدفة أم تزامنا قصداً لا يهم ولكن الرسالة واحدة، وهي رسائل لم يكن ينتظر الغرب والأميركي تلقيها. الحدث الأول كان تأدية الرئيس بشار الأسد خطاب القسم في جو مهيب وحضور متنوع الأطياف في قصر الشعب، وإلقاؤه الخطاب الذي حدد السياسة السورية لسبع سنين قادمة. والحدث الثاني زيارة وزير الخارجية الصيني إلى سوريا مما يبشر بأن السنين السبع القادمة ستكون سماناً.
هذا في المظهر العام، ولكن ينطوي كل خبر على مجموعة من الرسائل المهمة التي تضمنها كل حدث. كانت البداية في انتخاب الأسد رئيساً على وقع نغمات اللجنة الدستورية، وفي الحقيقة فإن الموقف السوري ومنذ العام 2003، أي منذ احتلال العراق، هو موقف مناوئ للإدارة الأميركية وغير "متعاون" معها ويرفض الانصياع لها، وهذا لا يعني أن موقف سوريا قبل الاحتلال لم يكن كذلك، ولكن سوريا كانت دائماً تعرف كيف تقلب الواقع السياسي الدولي لمصلحتها، ومصلحة أصدقائها وأشقائها من العرب.
جميع النقاط التي أثارها الرئيس بشار الأسد، كانت نقاطاً محورية ومفصلية، وحتى ما كان يتحدث فيه عن أزمة الكهرباء، والتشجيع على المبادرات الخاصة في فتح معامل أو منشآت لإنتاج الكهرباء ابتداء من الطاقة الشمسية بالتعاون مع الدولة، كما حدث في تجمع عدرا الصناعي، والذي سيحول الكهرباء التي كانت تستخدم فيه لتحسين ساعات التغذية في العديد من المدن السورية. وأكد استراتيجياً أنه من دون الكهرباء لا يمكن تحسين الواقع الإنتاجي والتنمية الصناعية والزراعية في أي مكان من العالم.
أما على الصعيد الإقليمي والقومي والوطني، فإن الأسد أكد على عمق العلاقة مع كل من وقف إلى جانب سوريا، لأن الوقوف إلى جانب سوريا هو موقف مبدئي، خاصة وأنّه جاء في أحلك السنوات التي مرت عليها، وحدد وجهة سوريا باتجاه قضايا أمتنا العربية وأهمها قضية القدس وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتحريرالأراضي السورية المحتلة في الجولان وفي إدلب وفي شرق الفرات، وسمى كلًّا من الوجود التركي والأميركي باسمه الحقيقي، على أنه احتلال، وحيا المقاومين في الحسكة والرقة ودير الزور، وأخبرهم وبصراحة بأن الدولة وراءهم. إعلان صريح، الدولة مع المقاومة، والدولة إلى جانب المقاومة، والدولة لن تكل ولن تمل قبل إتمام عملية التحرير، وبذلك فقد أعلن من هم أعداء سوريا المحتلون.
ليست المرة الأولى التي تحدد فيها سوريا العدو من الصديق، ولكن الإعلان تزامن مع تكرار الضربات المقاومة للاحتلال الأميركي في شرق الفرات، وفي العراق، وتوافق ذلك مع زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ-يي والوفد المرافق إلى دمشق بهدف تهنئة الأسد والبحث في تعزيز العلاقات وفتح آفاق أوسع للتعاون الثنائي في كل المجالات بما يخدم مصالح البلدين له أيضاً دلالات هامة. لأن الوزير وانغ-يي قدم مقترحات توافقت تماماً مع مندرجات الخطاب لناحية حرية سوريا، ودعمها وتقدير انجازاتها ضد الإرهاب، وأهمية رفاهية شعبها.
وقد نشر موقع "العهد" في وقت سابق مقالا تحت عنوان "سوريا في الصين" بيّن فيه عمق العلاقات السورية - الصينية والدور الذي لعبته الصين منذ العام 2012، وحتى في العام 2009، عندما قررت سوريا تجديد ترسانتها الحربية بالسلاح الصيني. واليوم تدرك الصين أهمية طريق الحرير القديم الواصل حتى أوروبا، وتقدر أهمية إعادة فتحه لإعادة وصل شمال العالم القديم بجنوبه، وبالتالي إعادة فتح خطوط التجارة العالمية. وبذا تأتي زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ-يي في إطار تتويج المحادثات والاتفاقيات التي أسس لها ما بين سوريا والصين، والتي ستتوج بفتح استثمارات وإعادة الإعمار في سوريا والعمل من أجل عودة الحياة والاستقرار والرفاهية للشعب فيها.
وبالتالي فإن الزيارة تحمل رسائل لم تعلن، ولكنها معلومة، وأهمها أن الصين جاءت للاستثمار، وأن المحاولات الأميركية في الاحتلال ودعم المجموعات الإرهابية من أجل تقويض أمن العالم لم يعد يجدي نفعاً، وخاصة أن للصين مصلحة في مساعدة سوريا على التخلص من الإرهاب وخصوصاً المسلحين الإيغور الذين استقدمتهم تركيا للقتال في إدلب وجسر الشغور. وأن الإعلان الصيني منذ أسابيع أن الصين مستعدة دائماً لفتح مخازنها من أجل دعم سوريا في محاربة الإرهاب بانت نتائجه منذ يومين، وهو اختصار للوضعية القادمة، بأن الصين لن تستثمر في أي منطقة تعاني من الأزمات، وأنها ستحمي استثماراتها. أي أن سوريا تسير بخطى واسعة نحو أمرين، استرداد أراضيها، وتثبيت أمنها وأمان المواطن، وهو ما تحدث عنه الأسد بوضوح، وأن الاستثمارات الصينية ستبدأ مرحلة التنفيذ قريباً.
سيسجل 18 تموز/ يوليو بالتأكيد بداية نهاية المرحلة التاريخية والتي سادت بعد نهاية القرن الخامس عشر، والتي هيمنت فيها الدول الغربية على تجارة المحيطات والبحار، ومن ثم انتقالها إلى هيمنة مشتركة مع الأميركي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وسنشهد قريباً عودة دول الشرق من الصين وحتى سوريا إلى التجارة البحرية الحرة. وستشكل النواة الجديدة لشيء لم يعرف قبلاً وهو دبلوماسية العلاقات الاقتصادية في العالم، والتي تقوم على مبدأ التعاون المشترك ما بين الدول دون فرض هيمنة اقتصاد الدول الكبرى على الدول الأصغر حجماً وعلى مبدأ احترام السيادة. وهذا ما أكده وزير الخارجية الصيني في استمرار الصين في دعم سوريا في محاربة الارهاب والعمل على تخفيف أعباء الحصار الجائر على الشعب السوري، وعلى أهمية مشاركة سوريا في مبادرة الحزام والطريق.
ومن هذا المبدأ كان دخول روسيا إلى سوريا ومساندتها في حربها على الإرهاب. فموقع سوريا الهام والذي يعد نقطة التقاء الجنوب بالشمال، وعلى شواطئ المتوسط الجنوبية، على خط التجارة العالمي، جعل منها مطمعاً كبيراً، وسوريا لم تستقبل الاستثمارات الصينية والروسية على أراضيها بشكل عشوائي أو غير مدروس. صحيح أن معظم الاستثمارات الروسية تقع في إعادة تأهيل آبار النفط والغاز، أو العمل على استثمار الجديد منها، إلا أن هذه الاتفاقيات جميعها لمدد زمنية محدودة وقابلة للتمديد 5 سنوات ولمرة واحدة فقط، وستترك ارثاً ضخماً من المنشآت النفطية، ومعامل الكهرباء، وشبكة متطورة من القطارات والمرافئ، وجميعها تصب في مصلحة المواطن السوري والدولة السورية في نهاية الأمر، وستساهم في بناء شبكة تجارية عالمية متماسكة وقوية تشكل رابطاً قوياً ما بين حلفاء سوريا بدءاً بالصين ومروراً بروسيا وايران والعراق.
سوريا والدول التي وقفت إلى جانبها، لديها مصلحة مشتركة في نهاية الأمر، وهي إنهاء حالة الهيمنة والاحتلال الأميركي على العالم، وإنهاء حالة الخضوع لمجموعة من المؤسسات الغربية، مثل البنك الدولي وغيره، التي تحاول فرض شروطها على العالم. في حين التقى الخط الصيني مع نقاط سيادية هامة استندت إلى أن مفتاح الحل الشامل في سوريا هو تطبيق مبدأ "عملية يقودها ويملكها السوريون". مقترحات الوزير الصيني توافقت مع مبادئ أكد عليها الرئيس الأسد في خطابه، الذي عبر فيه عن استراتيجية الدولة السورية للسنين السبع القادمة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024