آراء وتحليلات
الانتخابات الرئاسية الفرنسية: سباق غير محسوم لمصلحة ماكرون
سركيس ابوزيد
انطلق السباق بين إيمانويل ماكرون ومارين لوبن باتجاه معركة الانتخابات الرئاسية التي ستجري بعد تسعة أشهر. استطلاعات الرأي ما زالت تعطي الاولوية لـ"ماكرون ولوبن".
انتخابات المناطق والاقاليم التي جرت مؤخرا أبرزت الضعف البنيوي لحزب "الجمهورية إلى الامام" الرئاسي الذي لم ينجح في تخطي نسبة الـ7 في المئة من الناخبين. وهذه النسبة تُعد الاسوأ لحزب يمارس السلطة ويتمتع بأكثرية نيابية مريحة منذ عام 2017، رغم انغماس الرئيس ماكرون فيها "حتى العظم".
نكسة حزب الرئيس
قيل الكثير في تفسير النكسة الرئاسية الانتخابية. ويقول التفسير الاول، إن حزب ماكرون حديث العهد مقارنة بأحزاب اليمين واليسار، وبالتالي فإن انغراسه المحلي والشعبي ما زال ضعيفا. ويقول التفسير الثاني، إنه من الخطأ استخلاص نتائج متسرعة من انتخابات محلية ـ إقليمية وتعميمها على انتخابات "وطنية" مثل انتخابات رئاسة الجمهورية. من جهة اخرى، تفيد استطلاعات الرأي أن شعبية ماكرون إلى ارتفاع والسبب الرئيس في ذلك إدارته لجائحة "كوفيد ـ 19".
بعد تسعة أشهر، تجري الدورة الاولى من الانتخابات الرئاسية في فرنسا، وتتبعها بعد أسبوعين الجولة الثانية التي ستعطي فرنسا إما رئيسا جديدا أو تمنح ولاية ثانية من خمسة أعوام للرئيس الحالي إيمانويل ماكرون. ومنذ الان تجري منافسة حادة بين حزبين رئيسيين هما "الجمهورية إلى الامام" حزب ماكرون و"التجمع الوطني" اليميني المتطرف الذي ترأسه مارين لوبن.
آخر استطلاع للرأي يبين أن ماكرون ولوبن سيحتلان المرتبتين الاولى والثانية في الجولة الاولى، ويتنافسان للفوز بالرئاسة في الجولة الثانية، وأن الرئيس الحالي سيحرز تقدما حاسما على منافسته بفارق عشرين نقطة، بحيث يحصل على 60 في المئة من الاصوات مقابل 40 في المئة للوبن.
ليس سرا أن الرئيس الحالي يرى في منافسته مارين لوبن الخصم المثالي. والسبب في ذلك سوسيولوجي ـ سياسي، إذ ثمة قناعة راسخة أن الفرنسيين ليسوا مؤهلين بعد لانتخاب رئيسة للجمهورية تنتمي إلى اليمين المتطرف لما لذلك من انعكاسات داخلية على علاقات فرنسا الخارجية . لذلك، فإن مشكلة ماكرون ليست الفوز في الجولة الثانية، وإنما التأهل لها في الدورة الاولى.
من الجهة الاخرى، ورغم الخلافات والانتقادات، ما زالت مارين لوبن ممسكة بمفاصل الحزب ولا خوف من أن تنحى عن خوض المنافسة الرئاسية العام المقبل، خصوصا أن استطلاعات الرأي وإن كانت ترجح خسارتها في وجه ماكرون، فإن الفارق بين الاثنين تقلص كثيرا عما كان عليه في 2017.
ثمة قناعة ثابتة مؤداها، أن مشكلة ماكرون تكمن في الجولة الاولى في حين معضلة منافسته تتموضع في الجولة الثانية. وانطلاقاً من هذا التشخيص، فإن انبعاث اليمين الكلاسيكي بفضل الانتخابات الاقليمية يعرقل خطط ماكرون وأيضا خطط لوبن، لان كليهما يطمعان بالسطو على ناخبيه. والحال، أن بروز مرشح يميني قوي عن حزب "الجمهوريين"، يتمتع بالمصداقية ومعترف بشرعيته، إلى جانب القدرة على لملمة واستعادة الذين هجروا عائلتهم الاولى واجتذاب الناقمين على ماكرون ورافضي الانضواء تحت راية لوبن، من شأنه أن يهدد الثنائي. ذلك أن بروز مرشح كهذا سيكون، بلا أدنى شك، على حساب أحدهما.
عودة اليمين واليسار
والحال أن الانتخابات الاقليمية الاخيرة أعادت الحياة لليمين واليسار اللذين سعى ماكرون لتفجيرهما من الداخل عن طريق اجتذاب شخصيات من صفوفهما وتسليمها مراكز حكومية أساسية مثل رئاسة الحكومة ووزارات الاقتصاد والداخلية والثقافة (اليمين) والخارجية والدفاع (اليسار الاشتراكي). لكن الانتخابات الاخيرة وفرت للحزبين "بالون أوكسجين" وأعادتهما إلى الواجهة، خصوصا اليمين الكلاسيكي. لكن بدأت الامور بالتحرك بالنسبة للاخرين، والدليل على ذلك أن الوزير السابق كزافيه برتراند حصل في استطالعين للرأي على 18 في المئة. والخطورة تكمن بالنسبة للمرشحين الاولين في أن بروز مرشح ذي مصداقية من اليمين الكلاسيكي يقلب الطاولة على ماكرون ولوبن ومن شأنه أن يستميل الخائبين من سياسة الاثنين: الاول في امورالحكم والثانية في المعارضة. يضاف إلى ذلك أن مهلة الاشهر التسعة يمكن أن تغير كثيرا. وعليه، فالواضح اليوم في فرنسا، وفق كثير من المحللين، أن اللعبة الانتخابية فتحت مجددا. ويجري التنافس بين كثير من مرشحي حزب "الجمهوريين" على الفوز بترشيحه وتزكيته. فحتى اليوم، هناك 4 شخصيات رئيسية هي، إضافة لبرتراند، الوزيرة السابقة فاليري بيكريس، رئيسة إقليم "إيل دو فرانس" (باريس ومنطقتها الكبرى) ـ ولوران فوكييز، رئيس منطقة جنوب شرقي البلاد ـ وميشال بارنيه، المفوض الاوروبي السابق والمفاوض الرئيسي في ملف "بريكست"، وأخيرا، برونو روتايو، رئيس مجموعة اليمين في مجلس الشيوخ.
ما يصح على اليمين الكلاسيكي يصح وبشكل أكبر على اليسار بكل تلاوينه. فاليسار الذي لم يكسر احتكار اليمين للرئاسة منذ بداية الجمهورية الخامسة إلا عندما نجح الرئيس الاسبق فرنسوا ميتران، في عام 1981، في جمع صفوفه وإقامة جبهة موحدة وبرنامج مشترك، يجد اليوم صعوبة بالغة في التفاهم بين مكّوناته. ويبقى اليسار بتلاوينه المختلفة وانقساماته العميقة. ورغم علامات الحياة التي أخذت تبدر منه، فإن حظوظه الرئاسية تبدو شبه معدومة بالنظر لانخفاض شعبيته وغياب برامجه، وخصوصا الانقسامات التي تشرذم ناخبيه. فمن جهة، هناك اليسار المتشدد ممثلا بجان لوك ميلونشون، الرافض الدعوات الوحدوية إلا إذا كانت تحت قيادته وهذا مستبعد تماما، وهنا "الخضر" الراغبون في إثبات وجودهم رئاسيا. وداخل الحزب الاشتراكي، يبرز اسم آن هيدالغو عمدة مدينة باريس، التي لم تعلن ترشحها، لكنها تنظر فيه. أيضا، برز أخيرا اسم رئيسة إقليم "أوكسيتانيا" (جنوب غربي فرنسا) كارول دلغا، التي حققت مؤخرا فوزا استثنائيا في انتخابات الاقاليم.
هذه المنافسة الشديدة تفسر لنا تحركات ماكرون في الخارج خاصة في لبنان من اجل انتزاع انتصار سياسي يوظفه في معركته الداخلية وسباقه الى الرئاسة الفرنسية. فهل ينجح ام ان اخفاقه سيطيح باحلامه؟ الاشهر المقبلة تقرر مصير ماكرون في ولاية ثانية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024